أشرنا في مقدمتي المقالين السابقين حول “الإرهاب في تونس”، إلى أن أكبر المتضررين من العمليات الإرهابية هم الأحزاب والجماعات والجمعيات الإسلامية سواء في تونس أو خارجها، ولو جردنا الخسائر لوجدنا أنهم في مقدمة المتضررين من تلك العمليات الإجرامية الإرهابية وأيضاً في تونس وخارجها.
الأمر الثاني الذي أكدناه هو أن العمليات الإرهابية تمثل تحدياً وجودياً للحركات الإسلامية السياسية، وحتى العاملة في مجال الدعوة والإغاثة والبعيدة عن النشاط السياسي؛ وهو ما يستدعي منها مواقف أكثر حزماً من الإرهاب ومن يقف وراءه.
الأمر الثالث أو الحقيقة الثالثة التي أشرنا إليها، استغلال خصوم الإسلاميين للعمليات الإرهابية لوضع الجميع في خانة واحدة ووصمهم دون تمييز بالإرهاب، من أجل تبرير استئصالهم، ومصادرة حق الحياة منهم، وليس فقط حظرهم من قبل سلطة غاشمة استبدادية، أو قوى إمبريالية، أو التقليل من شعبيتهم، وهؤلاء الخصوم موجودون لدى اليسار والقوميين ولفيف من الليبراليين.
ونريد التركيز في هذا المقال على حقيقة يدركها القاصي والداني، وهي أن كل إنسان مهما ضعفت مداركه العقلية يوقن بأن العمليات الإرهابية وبزخمها في خطوطها البيانية جميعاً لا يمكنها إضعاف دولة أو قلب نظام حكم أو تأثير إيجابي أو تحقيق أي هدف من أهداف تلك العمليات الإرهابية التي يتم إلباسها لبوساً إسلامية.
وهو ما يطرح سؤالاً جوهرياً وإستراتيجياً حول الهدف الحقيقي لتلك العمليات، وهل فعلاً تنشد إقامة نظام إسلامي؟ وإذا كان الجواب بالنفي، وهو الجواب الصحيح، فهل يمكن تفسير قتل رجال الأمن ورجال الجيش بأهداف أخرى لا علاقة لها بالإسلام؛ كإثارة البلبلة، وتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي، والإساءة لطرف سياسي يعتمد المرجعية الإسلامية (فيه شركاء متشاكسون) هذا التقاطع الذي استغله خصوم الإسلاميين لرميهم بالإرهاب؟ لا سيما أن أدلة كثيرة متوافرة تؤكد وجود أطراف من مصلحتها ألا تستقر تونس، علاوة على رغبة خصوم الإسلاميين على دفع القوة الحاملة للسلاح الجيش والشرطة لكراهية الدين والمتدينين والتوجس منهم والنظر إليهم على أنهم مشبوهون إن لم يكونوا مدانين، بالهوية، ونظرة على سجل الإرهاب تؤكد هذه الحقيقة.
أحداث تاريخية
لن نتحدث عن العمليات الإرهابية التي حدثت منذ عام 1956، فذلك سيأخذ منا مساحة كبيرة، حيث كانت الدولة هي التي تقف وراء تلك العمليات أو بصورة أدق الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، كاغتيال الزعيم صالح بن يوسف، أو قتل لزهر الشرايطي، وغيرهما، كما لن نتحدث عن إرهاب بن علي وما يقال عن تدبيره جرائم قتل لكوادر في الدولة، فضلاً عن المعارضة، خارج إطار القضاء، أو المواجهات المسلحة التي حدثت في بواكير الاستقلال بين مواطنين في جهات مختلفة وقوات النظام، سنبدأ من عام 1980 وكما هو مثبت في “ويكيبيديا”.
أحداث قفصة:
27 يناير 1980، هجوم مسلح من قبل مجموعة مسلحة تطلق على نفسها “جيش التحرير التونسي”، برعاية نظام القذافي سيطرت لأيام على مدينة قفصة وبدأت هجومها على ثكنة عسكرية وأودى عدوانها بحياة 48 شخصاً، منهم 24 جندياً و21 مدنياً و3 إرهابيين وقرابة 100 جريح، وتم اعتقال 60 إرهابياً قومياً مدعومين من القذافي تدريباً وتسليحاً وتمويلاً.
الحدود الجزائرية:
في 11 فبراير 1995، مجموعة مسلحة قادمة من الجزائر تهاجم مركزاً للحرس الوطني التونسي وتقتل 7 أمنيين تونسيين على عين المكان وتستحوذ على المؤن والسلاح بالمركز.
تفجير جربة:
11 أبريل 2002، قام سائق شاحنة مملوءة بالمتفجرات بالتوجه إلى كنيس الغريبة اليهودي في جربة (جنوب)، وتم تفجير الشحنة في مدخل الكنيس، وأدى التفجير إلى مقتل 14 سائحاً ألمانياً، و3 تونسيين، وفرنسيين اثنين، وجُرِح 30 آخرون، وقتل سائق الشاحنة.
مواجهات سليمان:
تمت في 3 يناير 2007، وهي مواجهات نوعية وعنيفة بين مجموعة من المسلحين تطلق على نفسها “جيش أسد بن الفرات” والجيش التونسي، قتل في المواجهات 12 مسلحاً، واثنان من الجيش والأمن.
أحداث الروحية:
في 18 مايو 2011، قُتل عنصران من الجيش (العقيد الطاهر العياري والد النائب ياسين العياري، والرقيب أول وليد الحاجي)، في اشتباك مع مجموعة إرهابية، في الروحية بمحافظة سليانة (شمال غرب تونس).
بوشبكة القصرين:
وفي 10 ديسمبر 2012، قتلت “كتيبة عقبة بن نافع”، التابعة لـ”تنظيم القاعدة”، أنيس الجلاصي، وهو ضابط بالحرس الوطني في منطقة بوشبكة بمحافظة القصرين (غرب) في مرتفعات الشعانبي على الحدود مع الجزائر.
وخلال أبريل ومايو 2013، انفجرت ألغام تحت أقدام جنود شرعوا بعملية تمشيط، بحثاً عن مجموعات إرهابية باتت بمثابة أشباح.
عمليات متفرقة:
بعد مقتل عسكريين اثنين، في 12 يونيو 2013، تعرضت دورية عسكرية في الجبل، بتاريخ 28 يوليو (خلال شهر رمضان)، أسفر عن مقتل 8 عسكريين.
وفي 23 أكتوبر 2013، باغت مسلحون كانوا يتحصنون في منزل بمحافظة سيدي بوزيد (وسط)، وحدة أمنية، فقتلوا 6 من عناصرها، وأصابوا 5، إضافة إلى مقتل مسلح جزائري، يدعى شهر إدريس.
واستمرت الأعمال الإرهابية مستهدفة الجيش، وبلغت أوجها، في 17 يوليو 2014، بهجوم استهدف نقطتي مراقبة للجيش في هنشير التلة وسط جبل الشعانبي؛ ما أدى إلى مقتل 14 عسكرياً وجرح 20 آخرين.
وفي 18 فبراير 2015، هاجمت مجموعة مسلحة دوريّة للحرس، فقتلت 4 عناصر أمنية في منطقة بولعابة على سفح جبل الشعانبي.
الجيش يرد:
استمرت السلطات التونسية في تتبع “كتيبة عقبة بن نافع” الإرهابية في جبل الشعانبي والمنطقة المحيطة به، حتى قضت، في 28 مارس 2015، على 8 من قادتها، بينهم القيادي لقمان أبو صخر (جزائري).
وبعدها قتلت 5 آخرين، في 10 يوليو من العام نفسه، بينهم أحد أكثر المطلوبين أمنياً؛ وهو مراد الغرسلي.
بعد محاصرة جبل الشعانبي، ظهر على مسرح العمليات الإرهابية جبل سمامة، ولا يفصله عن الشعانبي سوى وادٍ صغير وقرية بولعابة.
الإرهاب يعود:
في 29 يوليو 2014، أصيب عناصر من الجيش والأمن في مواجهات خلال عملية تمشيط بالجبل.
ورغم عمليات التمشيط والمطاردة، لم تنته العمليات الإرهابية في جبل سمامة، بل كانت متقطعة وسُجل مقتل عسكري وجرح آخر، إثر انفجار لغم، في ديسمبر 2014، ثم أصيب عسكريون في انفجار لغم آخر، في يوليو 2015.
وفي منطقة بولعابة، المحاذية للشعانبي بالقصرين، قتل مسلحون 4 من عناصر الأمن، خلال هجوم استهدف نقطة أمنية، في 18 فبراير 2015.
واختطفت مجموعة مسلحة راعي أغنام، يدعى نجيب القاسمي وقتلته لاحقاً، في 11 أكتوبر 2015، بتهمة التعاون مع الجيش والأمن، لتبدأ سلسلة من استهداف مدنيين تتهمهم جماعات إرهابية بالتعاون مع السلطات.
وأثناء البحث عن الراعي المفقود قُتل عسكريان وأصيب 4 آخرون في مواجهات مع مجموعة مسلحة، وعثرت وحدات عسكرية على جثة الراعي.
من “القاعدة” إلى “داعش”:
وفي 7 أبريل 2015، هاجمت مجموعة مسلحة تسللت من جبل مغيلة شرق القصرين دورية للجيش في منطقة عين زيان، فقتلت 5 عسكريين وأصابت 4 آخرين.
وتبنت مجموعة باسم “جند الخلافة” الهجوم، وأعلنت مبايعتها لتنظيم “داعش” الإرهابي، بدلاً عن “القاعدة”.
وفي أبريل 2015، قُتل 10 إرهابيين و3 عسكريين وجرح 7 آخرون في مواجهات بالقصرين.
وفي 29 أغسطس 2016، نصبت “كتيبة عقبة بن نافع” كميناً لأفراد من الجيش في جبل سمامة، فقتلت 3 عسكريين وجرحت 7 آخرين.
جبال الشمال الغربي:
كما شهدت مرتفعات جندوبة والكاف (شمال غرب) هجمات، ففي فبراير 2014، نصبت مجموعة إرهابية، في منطقة أولاد مناع بلاريجيا من محافظة جندوبة، كميناً أسفر عن مقتل 3 من عناصر الأمن ومدني.
وفي 15 يونيو 2015، هاجم مسلّحون دورية للحرس الوطني، في منطقة الملة بجندوبة، فقتلوا عنصراً أمنياً وأصابوا 4 آخرين.
إلى الشمال من القصرين، في جبال ورغة بمحافظة الكاف، قُتل 4 عسكريين وأصيب آخرون بانفجار لغم، في 1 يوليو 2014.
وفي 26 من الشهر نفسه، هاجمت مجموعة مسلحة دورية للجيش قرب جبال ورغة، ما أدى إلى مقتل عسكريين اثنين وجرح 5 آخرين.
غير بعيد عن جبال ورغة وشمال الكاف، نصبت مجموعة مسلحة، في 5 نوفمبر 2014، كميناً لحافلة تقل عسكريين على الطريق بين الكاف وجندوبة، فقتلت 5 عسكريين وأصابت 9 آخرين.
وفي 8 يوليو 2018، أعلنت الداخلية التونسية أن هجوماً إرهابياً استهدف دورية للحرس الوطني على الحدود التونسية- الجزائرية، أسفر عن مقتل 6 من عناصرها.
دماء على مذبح السياسة
وتراجع النشاط الإرهابي كثيراً في عام 2017، وقُتل عنصر أمن في عملية إرهابية بمنطقة جنعورة بمحافظة قبلي (جنوب غرب)، في 12 مارس 2017.
وفي الثاني من نوفمبر من العام نفسه، قُتل رائد شرطة مرور في منطقة باردو، إثر استهدافه بسلاح أبيض من جانب عنصر إرهابي.
الإرهاب في المدن:
بعد انحسار للإرهاب في الجبال غربي تونس، حاولت الجماعات الإرهابية توجيه ضربات في المدن، مستهدفة بالأساس منشآت سياحية وعناصر من الأمن الرئاسي والشرطة، بجانب محاولة السيطرة على مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا.
وفي ليلة 27-28 مايو 2014، هاجمت مجموعة إرهابية، تسللت من جبل السلوم المحاذي لمدينة القصرين، منزل وزير الداخلية آنذاك، لطفي بن جدو، وقتلت 4 من عناصر الأمن وجرحت خامساً.
وكان من بين المنفذين مراد الغرسلي (قتل في يوليو 2015) وفتحي الحاجي (قتل في نوفمبر 2015).
وشهد 18 مارس 2015 أول هجوم يستهدف سائحين في متحف “باردو” المحاذي لمقر مجلس نواب الشعب بالعاصمة، فسقط 24 قتيلاً، هم 21 سائحاً ومنفذَا العملية ورجل أمن، إلى جانب 40 جريحًا.
وفي 26 يونيو 2015، فتح شاب تونسي يُدعى سيف الدين الرزقي النار من سلاح “كلاشينكوف” كان يخفيه تحت مظلة شمسية، على سائحين أجانب في أحد شواطئ سوسة، فقتل 38 سائحاً وجرح 39 آخرين، قبل أن تقتله قوات الأمن.
وفي 24 نوفمبر 2015، قُتل 12 من عناصر الحرس الرئاسي في تفجير انتحاري استهدف حافلة لهم بشارع محمد الخامس في العاصمة، إضافة لمقتل منفذ الهجوم.
وفجر 7 مارس 2016، هاجمت مجموعة إرهابية مدينة بن قردان ومناطق مجاورة، وقُتل 55 إرهابياً (أغلبهم من التونسيين) و13 من قوات الجيش والأمن و7 مدنيين، فيما تم القبض على 66 آخرين.
وفي 29 أكتوبر 2018، فجرت امرأة نفسها في شارع الحبيب رقيبة بالعاصمة، فجرحت 15 عنصراً أمنياً و5 مدنيين.
وفي 27 يونيو 2019، قُتل رجل أمن و3 مدنيين وسط العاصمة، في هجومين انتحاريين منفصلين استهدفا شارع شارل دي جول ومقراً للأمن في منطقة القرجاني.
وفي 6 مارس 2020، فجر انتحاريان نفسيهما قرب دورية أمنية بمحيط السفارة الأمريكية في منطقة البحيرة بالعاصمة؛ ما أدى إلى مقتل ضابط وإصابة 4 آخرين وامرأة، وذلك بعد أيام من نيل حكومة إلياس الفخفاخ ثقة البرلمان، في 27 فبراير الماضي.
وفي 6 سبتمبر الجاري، دهس “إرهابيون” بسيارة عنصرين أمنيين في سوسة، فقُتل أحدهما وأصيب الآخر، فيما قتلت قوات الأمن ثلاثة إرهابيين، خلال هجوم تبناه “داعش”.
وجاء هجوم سوسة أيضاً بعد أيام من نيل حكومة هشام المشيشي ثقة البرلمان.
وينتمي أغلب منفذي هجمات المدن في السنوات الأخيرة، بحسب السلطات التونسية وخبراء، لتنظيم “داعش”، الذي عمد بعد خسارة مواقعه في الجبال إلى استعمال “ذئاب منفردة” لتنفيذ عمليات إرهابية.