هناك الكثير من الفنون يتعامل معها وفيها الإنسان، بل ويصنعها أحياناً لحاجته لها، وهناك نوع من التصرف الإنساني يحتاج إلى فن لإدارته، وليس أي فن، بل يحتاج إلى أسلوب فني دقيق، وعاقل، وعن علم ومعرفة، ونظرة إيجابية استباقاً ينطلق منها وبُعد نظر.
إنها النصيحة، فالنصيحة فن رفيع، لا صيد الزلات والنتوء والأخطاء للمقابل ومن ثم التشهير بشكل أو بآخر، نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
النصيحة تحتاج الفن الراقي أكثر مما نتصور، وأيضاً مهم، ومهم، ثم مهم جداً، اختيار الوقت المناسب في تقديم النصيحة لجني الثمرة المطلوبة من نتائج النصح.
لا شك أن ديننا العظيم حثَّ المسلمين على التناصح فيما بينهم، وقد بيَّن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك بتفصيل كيفيتها ولمن تكون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة”، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”، أما الآلية أو الكيفية كما بيَّنها صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.
النصيحة لها أصل محوري لتكون في وضعها العلمي الصحيح، ومن ثم جني الثمرة المرجوّة منها، وهذا ظاهر في قوله تعالى حينما بيَّن أسلوب وخُلق أرقى خلق الله تعالى صلى الله عليه وسلم وذلك بقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: 159).
حتى نجني الثمرة بعد النصح، يجب أن يكون هذا هو الأسلوب اللين وعدم الفظاظة وحُسن اختيار اللفظ والمفردة، واللين مع اختيار الوقت المناسب يولّد المحبة، والمحبة تؤدي إلى حُسن الإصغاء من المقابل، ومن ثم الاقتناع بما يسمع إن لم يكن آنياً، يكون مع الوقت ومروره.
الدين النصيحة، والتناصح دليل الفطرة السليمة، ولا بد من حُسن اختيار الوقت واللفظ المناسب والأسلوب مع اختيار الموضوع كما أسلفنا، وبما أن النصيحة والتناصح عبارة عن دعوة إلى الخير، أو توجيه لتصحيح خطأ، أو دعوة لتعزيز إيجابية ونهي عن منكر، فإذاً هي محور الدين والدعوة إلى الله تعالى كما أسلفنا، ولا يخفى أن النصح والتناصح دليل المحبة، وتعزيز الأخوة في الله تعالى، علماً أن كثيراً من العلماء قالوا: إن حكم النصيحة فرض عين، والبعض قالوا: كفاية، ورغم اختلافهم بين العين، والكفاية، فإنهم متفقون على وجوبها بتنوعاتها بين الكفاية، والواجب، والمستحب، وذلك حسب الطرق، وحال الناصح، وموقف المنصوح، وخير دليل على ذلك ما ذكرناه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “بيده، بلسانه، فبقلبه”، ولا شك النصيحة هي محور وظيفة الأنبياء، كما بين ذلك الله تعالى في كتابه وقول نوح عليه السلام لقومه، قال تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 62)، وأيضاً شعيب عليه السلام: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) (الأعراف: 93)، والآيات متكررة في بيان ذلك، ومن أدقها بياناً قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110).
وكما قال العلماء؛ هذه النصيحة الظاهرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي شرط الخيرية، وبدونها لا خيرية للأمة وفيها.
ما حثَّ الإسلام على النصيحة إلا لوجود آثارها العظيمة على الفرد والمجتمع، ومن ثم تعميم كل ما هو حميد من خلق وتصرفات حباً في الله تعالى.
ويكفي الناصح والنصيحة عزاً وشرفاً وفضلاً أنها من مهام الرسل والأنبياء، ويكفي الداعية فخراً الاقتداء بالرسل نصحاً للناس والمجتمع.
والنصيحة لها علومها وآدابها، تنصح المقابل تواضعاً لله لا علواً على المنصوح، تنصحه حباً له لفعل الخير الذي ينتفع به المنصوح، ولا تنصح من أجل بيان سلطة عليه، وتنصح لله ولا تنتظر النتيجة وإن كانت هي الأصل، ولكن تتركها -النتيجة- لله بعد بذل السبب، يفكر فيها ويقتنع، وألا ترجو من النصيحة سوى وجه الله تعالى حباً في النصح والعمل بوصية سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة”.
____________________
إعلامي كويتي.