أكد مدير المشروعات بمكتبة الإسكندرية د. خالد عزب أن الحضارة الإسلامية زخرت بتجارب لا حصر لها، في مجالات الحياة المختلفة أسدل الستار عليها، ومن هذه التجارب التجربة العمرانية والمعمارية، التي قامت على فقه العمارة.
جاء ذلك في محاضرته عن “العمارة الإسلامية” التي ألقاها بمركز الاستقلال الثقافي في القاهرة، بمشاركة عدد من المتخصصين في الهندسة المعمارية والإعلاميين والصحفيين.
وأوضح عزب أن المقصود بفقه العمارة، هي مجموعة القواعد التي ترتبت على حركية العمران نتيجة للاحتكاك بين الأفراد ورغبتهم في العمارة وما ينتج عن ذلك من تساؤلات، فيطرحونها على الفقهاء الذين يطرحون لها حلولاً سرعان ما تكونت منها قواعد عامة.
وأضاف: احترمها أهل السلطة لاحترام المجتمع لها، واعتباره إياها قانونًا شرعيًّا ويفسر هذا الإطار حركية العمران في المدن الإسلامية وكذلك القواعد التي شيدت وفقها العمائر.
وأشار إلى أن الفقهاء سجلوا قواعد فقه العمارة منذ وقت مبكر، فعبدالله بن عبدالحكم، الفقيه المصري، (ت 214هـ/ 829م) صاحب «كتاب البيان» الذي ورد ذكره في عدد من المصادر الفقهية ولم يعثر على مخطوط منه بعد، ولكنه مؤشر مهم مبكر على تبلور فقه العمارة في مدينة الفسطاط التي عاش فيها ابن عبد الحكم.
المستشرقون ونظرتهم السلبية للمدن الإسلامية
وتابع عزب قائلاً: هذا الإطار لم ينل حظه من الدراسة بصورة كافية إلى الآن، وهو ما جعل دراسة المدينة الإسلامية تنقسم إلى نزعتين، أنصار النزعة الأولى: هم أساسًا من المدرسة الاستشراقية القديمة الذين لم يروا في المدينة -التي اختلفوا في تسميتهم لها بين إسلامية وعربية وشرقية- إلا سككها الضيقة، وتعدد أزقتها وكتل سكنية قليلة التهوية بسبب نوافذ دورها المطلة على الداخل.
واستدرك: فأصحاب هذه النزعة لم يروا في المدينة الإسلامية غير السلبيات، ولم يحاولوا فهم المجتمع وقوانينه وتفكيك العوامل المتداخلة التي أعطت للمدينة مظهرها العام، سواء كانت سياسية أو بيئية أم جغرافية أم اجتماعية أو دينية، وبدونها مجتمعة لا يمكن فهم المدينة وعمارتها.
وأشار إلى أنه نشأت النزعة الثانية الأكثر موضوعية، التي ترى أن المدينة الإسلامية ليست مجرد تجمع فوضوي للأحياء والمساكن، بل إنها تنظيم للمجال الحضري، يأخذ بعين الاعتبار الرغبات والحاجيات الحقيقية للسكان، في انسجام تام مع تركيبة اجتماعية متماسكة، يعكس نمط من التنظيم الذي يختلف عن التنظيم الهندسي الذي له جمالياته الخاصة به.
وتابع قائلاً: والسؤال المطروح الآن: هل المدن الإسلامية لم تكن تخطط من قبل السلطة؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى بيان طبيعة المدينة وأسلوب التعامل معها، فالمدن القديمة التي دخلها المسلمون فاتحين تركوها على حالها وأحدثوا فيها ما يحتاجه الإسلام من بنايات كالمساجد، وتعاملهم مع بناياتها القديمة جاء وفقاً لأحكام الشرع.
تخطيط الشوارع تبعاً للرأي الفقهي
وتابع عزب قائلاً: أما المدن الجديدة ومن أمثلتها الفسطاط، فنرى فيها مخططًا عامًا تحدده السلطة، وفيه طرق تكفي احتياج المسلمين طبقاً لظروف عصر التخطيط ولوسائل المواصلات التي كانت مستخدمة آنذاك.
ولفت إلى أنه تبقى هناك علامة استفهام حول كيفية نمو المدن أو الأحياء أو الخطط نمواً عضوياً منظماً دون تدخل من السلطات، وفي إطار قانون حاكم ملزم لكل أفراد المجتمع، وله سطوته عليهم يعرفونه ويطبقونه بوازع من أنفسهم لأنه شرع مستقى من الأحكام الكلية للفقه الإسلامي.
فقه احترام الحق العام ومنع الضرر
وأوضح عزب أن الحق العام في فقه العمارة هو ملكية مادية ومعنوية، مادية ترتبط بمكان المنشأة، ومعنوية مترتبة على القيم العامة للمجتمع، ومن أمثلته حق المرور، أو حق الارتفاق.
وبين أن حيازة الضرر تعني من سبق في البناء يحوز العديد من المزايا التي يجب على جاره الذي يأتي بعده أن يحترمها، وأن يأخذها في اعتباره عند بنائه مسكنه.
العمارة الإسلامية تجسدت في المساجد والبيمارستانات
وأشار إلى أن الحديث عن العمارة الإسلامية يطول ويتشعب ويمكن اختصاره في عناصر رئيسة هي: المسجد الجامع، ومقر ولي الأمر والقاضي، والمدارس، والبيمارستانات “المستشفيات، والحمامات، والقلاع والأسوار.
وبين أن العنصر الأخير تلاشت الحاجة إليه نتيجة للتطور الذي أدخل على وسائل الدفاع في العصر الحديث، ولهذه العناصر توابع لا تقوم إلا بها كالبساتين والساحات والميادين والمقابر وغير ذلك.