بلغة أدبية راقية وأسلوب دبلوماسي رشيق، يحدثنا البروفيسور الدبلوماسي الموريتاني الحسن ولد لبات في كتابه الصادر عن المركز الثقافي للكتاب (السودان على طريق المصالحة) عن جوانب مهمة من تاريخ الثورة والمصالحة السودانية من خلال مشاهداته وتجربته الشخصية الدبلوماسية، فيتوقف مع (سياق المصالحة)، و(إنضاج المصالحة)، و(مسارات المصالحة)، و(تحديثات المرحلة الانتقالية)، ثم يختم فصول كتابه الخمسة بـ (تساؤلات حول المستقبل).
وفي هذه المقالة، نسلط الضوء على جانب من الأفكار المبثوثة في هذا الكتاب الذي يمثل مرجعاً مهماً في التاريخ السياسي المعاصر لجمهورية السودان؛ حيث يسبر أغوار مرحلة سياسية مفصلية من تحوّلات هذا البلد العريق الضارب في أعماق التاريخ والجغرافيا والسياسة والفكر والأدب.
الحكاية المثيرة
بمجرد أن يبدأ القارئ تقليب صفحات هذا الكتاب يُفاجَأ بأسلوب يمزج بين اللغة والأدب والسياسية والدبلوماسية؛ إذ يبدو أن البروفيسور “ولد لبات” يمتلك أدوات اللغة ويعرف أسرار السياسية والدبلوماسية، ويتسلح بالدقة والحصافة والأكاديمية، ويحرص على وضوح الفكرة وجمال العبارة، لهذا فإن قارئ هذا الكتاب سيتساءل عن نوعه ومجاله: هل هو أمام رواية أدبية سياسية؟ أم أمام مذكرات أديب دبلوماسي؟ أم أمام أكاديمي حصيف؟ ونحن نعتقد أن قارئ هذا الكتاب، المهم في بابه المتميز في طرحه ولغته وأسلوبه ودبلوماسيته، سيجد ما يُحيل إلى كل تلك المجالات.
ورغم كل ذلك فإن المؤلف لم يترك القارئ في حيرة من أمره أمام هذه الأسئلة الفسيحة، بل قدّم له وصفاً دقيقاً عن كتابه هذا فقال: “إنه محاولة تدوين شهادتي على فعل وتفاعل حيٍّ وصادقٍ مع الأحبة السودانيين من مختلف المشارب والطموحات، فهم أهل القضية والصانعون أولاً وأخيراً للنتيجة المتميزة على طريق المصالحة والسلام والتحولات الديمقراطية والتقدّم”، وهكذا فإن هذا الكتاب يقدم وصفاً دقيقاً لتجربة هذا الدبلوماسي حين كان وسيطاً للاتحاد الإفريقي في الأزمة السودانية، وقارئ الكتاب سيلاحظ أن البروفيسور ولد لبات استطاع من خلال محاور الكتاب الخمسة أن يقدم للقارئ صورة جليَّة عن محطات وصراعات المصالحة السودانية.
وقد كان البروفيسور عمر كوناري رئيس جمهورية مالي الأسبق، صادقاً حين قال في تقديمٍ جميلٍ لهذا الكتاب: “لقد تقمَّص البروفيسور ولد لبات ببراعةٍ واقتدارٍ عباءةَ القاصّ ليروي لنا الحكاية المثيرة لتلك الوساطة بأسلوب سلس بسيط، لكنه شائق، رقراق وجذاب”، كما أشاد كوناري بعبقرية البروفيسور ولد لبات، تلك العبقرية التي جعلته يستطيع أن يجمع في هذا الكتاب بين البعد المذهبي الإفريقي للوساطة والصرامة الأكاديمية، فجاء كتابه “بحق تمريناً جريئاً على ممارسة الوساطة المتَّسمة بالمكاشفة النزيهة والحياد الفكري المنصف”.
سياق المصالحة
في المحور الأول، يبدأ البروفيسور ولد لبات الحديث عن (سياق المصالحة)، فيصف لنا أجواء مطار الخرطوم وقت وصول موسى فكي -رئيس الوزراء الأسبق ووزير الخارجية السابق في تشاد ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي- إلى الخرطوم في 21 أبريل 2019 بعد 10 أيام من الإطاحة بالرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير، فيقول: إن الأجواء “كانت باهتة في جو يصطلي بأشعة الشمس التي كانت تسخنه بغزارة في هذه الفترة؛ فالزمن السياسي على غرار المناخ في ذلك الأوان كان قد اتسم -على ما يبدو- بقدر من العبوس والاكفهرار”.
ويبدو أن هذا الغموض الذي انتشر في الأفق كان له تأثيره على الدبلوماسيين القادمين إلى السودان، ورغم ذلك بدأت محطات المصالحة السودانية بلقاء رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي بمجاميع من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، ولم يكن بالإمكان التمييز بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، فكل الفاعلين تزاحموا في هذا اليوم من أجل لقاء رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي بوصفه أول مسؤول دولي يبادر بالقدوم في أعقاب الإطاحة بالرئيس السوداني.
وفي هذا السياق، يُعبِّر ولد لبات عن المشاعر التي كانت تنتابه في تلك اللحظة الدبلوماسية، فيقول إنه كان يشعر في هذا اللقاء بأن المغامرة التي كان يتأهب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي لخوضها بدأت تتشكل لكنها لم تظهر للعيان بعد، كما كانت تنتابه “هواجس مقلقة” من الدور الذي عليه القيام به، لذلك كان ولد لبات يطرح على نفسه جملة أسئلة بخصوص هذه الأزمة من بينها: كيف السبيل لسلوك متاهاتها ملبدة السماء؟ وما العراقيل التي تحفها؟ ما الأوراق اللازم تحصيلها ولملمتها؟ ممن يلزم الحذر لكي لا يخربها؟
في الثاني والعشرين من أبريل 2019 وسط القاهرة، كان ولد لبات على موعد مع إشعاره من طرف موسى فكي بتعيينه مكلفاً بريادة جهود الاتحاد الإفريقي في الأزمة السودانية، دخل ولد لبات على خط المصالحة ليكتشف أن “الرأي السائد لدى القوى الثورية يضيف مسحة سميكة من أدران الريبة وعدم في الاتحاد الإفريقي، فبالنسبة لكثير من الشباب لا تعدو المنظمة أن تكون نقابة من رؤساء الدول المتضامنين فيما بينهم والذين لا يُلقون بالاً لآهات الشعوب”، وبالطبع تم النظر -في البداية- إلى ولد لبات بعين الريبة والحذر.
إنضاح المصالحة
يبدأ ولد لبات الفصل الثاني (إنضاج المصالحة) بالتأكيد على أن المذهب والممارسة السائدين في الوساطة الدولية يثبتان “إقرار مرحلة حاسمة في إنجاح الوساطة؛ ألا وهي مرحلة إنضاج المسلسل في تشكلاته المختلفة، وتتمثل نقطة الانطلاق لإنضاج المصالحة في كسب ثقة الأطراف”.
والحقيقة أن كسب ثقة الأطراف في قضية كهذه لإنضاج المصالحة يحتاج شيئاً من التأني وعدم العجلة، لذلك يلاحظ قارئ الكتاب أن ولد لبات كان يعي جيداً فلسفة الوساطة وصعوبتها، وقد صرح بذلك عندما قال: “كانت الوساطة عملية ذات نفَس طويلة، ويلزم إنضاجها، وتحديد مفاصلها ومراحلها، وأجرَأتها بشكل ممنهج. وإذا أراد الوسيط الحصول على نتائج قبل نضج العملية، فإنه إما أن يخرج خالي الوفاض، وإما أن يقطف ثمار ثماراً فجَّة غير ناضجة”.
لقد كان جلياً أن ولد لبات كان دبلوماسياً هادئاً وحريصاً على إنجاز مهمته الدبلوماسية بطريقة احترافية، ومن الأدلة على ذلك أنه أعطى انطباعاً في البداية أنه يعمل على تمطيط العملية وذلك عندما تفادى أن يضطلع علناً بدور الوسيط، ويبدو أن حرص ولد لبات على تمطيط العملية الدبلوماسية سبب انزعاجاً لبعض الأوساط في السودان، رغم أنه قال إنه لم يكن يأخذ من النوم إلا أربع ساعات في اليوم والليلة، الأمر الذي تسبب له في كثير من الإرهاق ودخول المستشفى مرتين، فقام طبيبه بتحذيره ونزع هاتفه منه.
وفي سياق الحرص على تمطيط العملية الدبلوماسية في السودان، أشار ولد لبات إلى بعض النكت التي أثيرت حوله، تتمثل النكتة الأولى في أن يتم البحث له عن زوجة سودانية لأنه عقد العزم على الاستقرار نهائياً في السودان، في حين تتمثل النكتة الثانية في أنه يبحث عن منزلٍ خارج الفندق لأن إقامته ستطول، أما النكتة الثالثة فهي أنه طالب بتسجيل أطفاله في المدارس والجامعات الدبلوماسية، وقد علق ولد لبات على هذه النكت واعتبرها “لطيفة ومسلية” حين قال: “بالتأكيد كانت هذه الدعابات تسلّيني ويتفكَّه بها أصدقائي من السودانيين وغيرهم، فهي بريئة ولا تنطوي على أي نية للإيذاء”.
مسارات المصالحة
في الفصل الثالث (مسارات المصالحة)، يحدثنا ولد لبات عن المسارات التي سلكتها عملية الوساطة بين المجلس العسكري وبقية القوى السياسية في السودان، فقد أفضى إنضاج المصالحة إلى مفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وإعلان قوى الحرية والتغيير، إلا أن شيئاً من “الاندفاع المتسرِّع” -حسب تعبير ولد لبات- دفع الطرفَيْن المتفاوضَيْن إلى الإعلان للقنوات الفضائية عن اتفاقهما على أكثر من 90% من النقاط المدرجة في جدول الأعمال، والظاهر أن هذا الإعلان أدى إلى فرح عارم في صفوف السودانيين لكنه لم يدم طويلاً، حيث تم استئناف المفاوضات وتعقدت الأمور وتأزمت، لأن المجلس العسكري ظن أنه خُدِع.
وعند استئناف المفاوضات، قدم ولد لبات مقترحه المتمثل في (7+7+1) الذي عبّر عنه بصيغته القائلة: “المساواة مع أغلبية مدنية”، ويعني بذلك أن المجلس العسكري يتألف من سبعة ضباط سامين، ومكونات إعلان قوى الحرية والتغيير تتألف من سبعة أيضاً، وهكذا فإن المقترح يرمي بالدرجة الأولى -من وجهة نظر الكاتب- إلى جعل الطرفين في وضعية مريحة.
في هذه الأثناء، سافر ولد لبات إلى مكة المكرمة لحضور قمة منظمة التعاون الإسلامي، ولكن فجأة تدهورت الأوضاع في الخرطوم بصورة مأساوية، فعاد على جناح السرعة في مساء الرابع من يونيو من باريس إلى أديس أبابا ثم إلى السودان، وطلب لقاءً مع رئيس المجلس العسكري الذي أعلن نفض يده نهائياً من أي مفاوضات مع قوى إعلان الحرية والتغيير، وقد بدا جلياً أن جسور التلاقي بين الطرفين قد تحطّمت تماماً، وبدأ السير في الطريق الأحادي المشؤوم والدعوة إلى اللجوء إلى السلاح والمقاومة المسلحة.
وفي هذا الجو المشحون بالقلق، كان الهدف الرئيسي للدبلوماسي ولد لبات يتمثل في إثبات مساوئ الخيار الأحادي للخروج من الأزمة السودانية، وقد قدم على هذا الأمر مجموعة من الحُجَج قال إنها كانت “تتساوق وتحزُّ في المفصل كالساطور”؛ حيث تركزت الحجة الأولى على ضرورة حفاظ الجيش على شرفه والوفاء بوعوده، في حين تتمثل الحجة الثانية في استحالة تمرير الخيار الأحادي دون اللجوء إلى السلاح، أما الحجة الثالثة فتتمثل في كلفة الخيار الأحادي، فقد برهن ولد لبات “على أنه سيكون هناك قتلى في صفوف المتظاهرين المحتجين، كما سيسقط قتلى بين حملة السلاح الذين يواجهون قوات الأمن والدفاع”.
في سياق الحديث عن الأحداث المأساوية التي وقعت في الثالث من يونيو عام 2019 بالعاصمة الخرطوم وأطلقت عليها الصحافة الغربية “مجزرة الخرطوم”، قد يلاحظ قارئ كتاب (السودان على طريق المصالحة) أن ولد لبات اختار أن ينأى بنفسه عن تقديم موقف بهذا الخصوص، واكتفى بطرح أسئلة وصفها بـ”الفسيحة”، منها: هل كانت الأحداث انزلاقاً لمحاولة تفكيك شبكاتٍ مافيوية تتخذا مقراً لها بقرب الاعتصام؟ هل دبَّرتها خلايا الظل كما يدَّعي البعض؟ ما حظ الحقيقة وما حجم الأكاذيب في هذه الوقائع؟ كم عدد الضحايا والجرحى؟ ما مصير جثث القتلى؟ وكيف تعالج الأضرار والعواقب؟
ونظراً لخطورة الخيار الأحادي، كان لزاماً على ولد لبات وفريقه العمل على نقل مسار المصالحة من هذا الفخِّ (الخيار الأحادي) إلى الاتفاق المرحلي الذي يتأسس على عنصر عقدي وآخر وقائعي، وقد وظف ولد لبات هنا تجاربه الدبلوماسية التي تقضي بضرورة تطبيق ما تم الاتفاق عليه وتأجيل المسائل الخلافية إلى وقت لاحق، حيث إن “هذا النمط من الاتفاقات وتطبيقه يخلق حتماً ديناميكية جديدة يكون فيها الأطراف مرغمين -بدلا من الصراع- على أن ينخرطوا في تطبيق ما اتفقوا عليه”، فيحصل ما يسميه ولد لبات “تحوّل التضاريس السياسية”.
وبعد عدد من الاجتماعات والنقاشات المطولة، اختتمت مسارات المصالحة في السودان باتفاقات السابع عشر من أغسطس 2019، حيث وقع المجلس العسكري الانتقالي وممثلو المعارضة على اتفاق تقاسم السلطة استناداً على وثيقتين أساسيتين تُرسيان حكماً انتقالياً على أساس نظام برلماني، هما: الإعلان السياسي والمرسوم الدستوري، وبذلك بدأت مرحلة المرحلة الانتقالية التي خرجت -للأسف- من رحمها تحديات جسام لا يزال السودان يواجه بعضها حتى يومنا هذا.
المرحلة الانتقالية
خصص البروفيسور ولد لبات الفصل الرابع للحديث عن المرحلة الانتقالية التي يرى أنها كانت “محفوفة بالمخاطر لأكثر من سبب؛ فالتحديات التي تواجهها تأتي من عدة مصادر، إذ تنبع من النظام السياسي الذي تم اختياره، ومن طبيعة القوى السياسية المتواجدة، ومن تراتبية أولويات المرحلة الانتقالية، ومن قضايا السلم والأمن في البلد، وأخيراً من تفاعل الحكم الانتقالي مع محيطه الإقليمي والدولي”.
وفي سياق الحديث عن تلك المخاطر، تبرز إلى الذهن جملة من الأسئلة الكبرى، منها سؤال: ما التحالف الذي سيسعى الحكم الانتقالي المنبثق عن اتفاق السابع عشر من أغسطس إلى أن يُسند ظهره عليه في وجه المخاطر المحدقة به؟ لقد طرح ولد لبات هذا السؤال باعتباره مصدر قلق دائم متجدد، ولعل السبب في ذلك أن “التنافس الإقليمي المحتدم في جوار السودان بين قوى متصارعة لا يوحي بالاطمئنان على استقرار الحكم الانتقالي”.
ويمكن القول بأن هذا ليس التحدي الوحيد، بل هناك تحديات أخرى عديدة تمثل مصدر قلق حقيقي، منها تحدي تشكّل القوى السياسية الناشطة في الساحة السودانية، إذ لا شك أن “التشرذم بين كتل كبرى يمكن أن يكون منبعاً جدياً لتهديد استقرار الحكم الانتقالي بالسودان”، فهناك أربعة تجمّعات تتصارع على القيادة السياسية، وهي: منظومة الدفاع والأمن، والحركات المسلحة، وقوى التغيير المدنية، والقوى السياسية الموصوفة بأنها في الوسط.
ثم إن من التحديات الجوهرية التي أشار إليها ولد لبات التحدي المتمثل في الفوارق الكبيرة التي لا تقتصر على الفوارق السياسية والأيديولوجية، بل تتعداها إلى الفوارق السوسيولوجية والمزاجية والنفسية، إنها تكمن في الفوارق العميقة في امتلاك ثقافة الحكم من قبل البعض والافتقار الشديد لها من طرف البعض الآخر، ولعل هذا هو ما دفع ولد لبات إلى القول بأن هذه الفوارق العميقة تؤكد أن المشهد السياسي في السودان “سيسير نحو إعادة تشكّل قد تتخذ أشكالاً مؤلمة وغير متوقعة”.
ومهما كان حجم التحديات التي واجهها ويواجهها السودان، فإن هناك هدفاً أساسياً كان يمثل النقطة الجوهرية في جميع مراحل الفترة الانتقالية التي كان ولد لبات فيها مسؤولاً عن هندسة المصالحة السودانية، ويتمحور هذا الهدف حول الثالوث التالي: الاستعجالات الإنسانية، وتطبيق السياسات الاقتصادية المتحكمة في معاش الشعب، وتنظيم وإجراء انتخابات، ويمكن القول بأن السودان اليوم أحوج إلى تحقيق هذا الهدف أكثر من أي وقت مضى للخروج من أزماته الصعبة المتعددة.
مستقبل السودان
بعد الفصول الأربعة السابقة، يصل ولد لبات إلى الفصل الخامس والأخير (تساؤلات حول مستقبل السودان)، فيقدم مجموعة من الأفكار المهمة، ويُثير جملة من التساؤلات التي لا تخلو من الحكمة والدبلوماسية والوعي الواضح بضرورة تجاوز السودان للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عانى منها سنوات طويلة، ومن بين تلك الأسئلة: كيف يمكن النهوض بالسودان؟ وكيف تتبلور الأولويات في هذا الصدد؟
وفي محاولة لتقديم إجابة على تلك الأسئلة، قال ولد لبات إن هناك إجراءَيْن تمهيدييْن يلزم اتخاذهما على جناح الاستعجال، الأول: رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والثاني: ضرورة الإلغاء الكامل لديون السودان، لأن هذَيْن الإجراءَيْن يمثلان دعماً حاسماً لتجذّر المشروع الديمقراطي في هذا البلد، وهناك إجراء آخر لا يقل أهمية عن ما سبق وهو مواجهة الخصاصة المحسوسة في المجال الغذائي ووضع آلية اقتصادية ذات طابع استعجالي لتثبيت الأسعار.
وفي إطار الحديث عن مستقبل السودان، ذهب ولد لبات أيضاً إلى حقيقة أخرى مهمة مفادها “أن نجاح السودان في مرحلته الانتقالية يشكّل شرطاً لا غنى عنه لتفادي اضطرام الوسط الإفريقي وشرق إفريقيا بأكمله، فالتوترات على ضفاف البحر الأحمر قد تمتد إلى السودان قادمة من الأتون اليمني وشراراته المتطايرة، ومن اضطرابات الأوضاع في جنوب السودان، ومن انعدام الأمن في الصومال”.
ومن القضايا الجوهرية التي أثارها ولد لبات باعتبارها تؤثر في مستقبل السودان: أزمات الانتخابات، فقد ذهب إلى أن فشل الانتخابات القادمة في السودان سيكون كارثة بحق، وأن المشاكل المتعلقة بالانتخابات في السودان تكمن في: قانون الانتخابات، والهيئة المكلفة بالانتخابات، والمشاكل اللوجستية، ثم الثقة التي يوليها السودانيون للانتخابات، والتوترات التي قد ترافق الانتخابات أو تعقبها والتي ليس من الحكمة إهمالها، بل ينبغي قطع دابر كل ما يبعثها من مرقدها.