بالتزامن مع زيارة وفد من الحركة لروسيا ولقاءات مكثفة مع قادة إيرانيين، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في 15 سبتمبر الجاري، مضيّها في “بناء وتطوير علاقات راسخة” مع النظام السوري بعد نحو 10 أعوام من توتر العلاقات بين الجانبين؛ ما يبدو إعلاناً رسمياً عن عودة العلاقات بينها وبين نظام بشار الأسد بعد قطيعة.
“حماس” اختارت، في بيانها الصحفي، الانطلاق من إدانة الغارات “الإسرائيلية” الأخيرة على سورية لتعلن رسمياً قرارها باستئناف علاقتها معها؛ “خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة وفي القلب منها قضية فلسطين، ولا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا”.
وأعربت عن تقديرها لـ”الجمهورية السورية قيادة وشعباً لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”، بالرغم من الانتقادات التي طالت هذا القرار قبل الإعلان عنه وبعده.
حاولت “حماس” تبرير القرار بتأكيدها أن الاحتلال يحاول “إبعاد سورية عن دورها التاريخي الفاعل، ولا سيما على صعيد القضية الفلسطينية، فهي احتضنت شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة لعقود من الزمن، وهو ما يستوجب الوقوف معها، في ظل ما تتعرض له من عدوان غاشم”.
وأكدت “موقفها الثابت من وحدة سورية أرضًا وشعبًا، ورفض أي مساس بذلك، وانحيازها إلى جانب الأمة في مواجهة المخططات الصهيونية الخبيثة، الهادفة إلى تجزئتها وتقسيمها ونهب خيراتها”.
لكن الحركة أمسكت العصا من المنتصف بالدعوة إلى “إنهاء جميع مظاهر الصراع في الأمة، وتحقيق المصالحات والتفاهمات بين مكوّناتها ودولها وقواها عبر الحوار الجاد، بما يحقق مصالحها ويخدم قضاياها”.
مصادر لـ”المجتمع”: قرار الحركة خضع لدراسة مطولة.. والمصالحة جاءت لأسباب تتعلق بمصالح المقاومة والشعب الفلسطيني
مقدمات التطبيع
منذ عام 1999 اتخذت قيادة حركة “حماس” من العاصمة السورية دمشق مقراً لها، قبل أن تغادرها عام 2012 باتجاه قطر ودول أخرى إثر اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد، ومنذ ذلك الحين ساد توتر وقطيعة بين نظام الأسد و”حماس”.
ولم تتخذ “حماس” موقفاً محايداً عام 2012، بل وقفت إلى جانب الثورة السورية، وخرج خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق، وقتها، وقال موجهاً حديثه إلى نظام الأسد: “من نصرنا في الحق لن ننصره في الباطل”.
وكان قادة “حماس” قد أيدوا علناً “الربيع العربي” في سورية الذي يهدف إلى الإطاحة بحكم الأسد، وتركوا مقارهم في دمشق، وأثار ذلك غضب حليفهم المشترك إيران.
ولكن أعيدت العلاقات بين “حماس” وإيران في وقت لاحق، وأشاد مسؤولون في الحركة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية لمساعدتها في بناء ترسانتها من الصواريخ بعيدة المدى في غزة، التي استخدموها في قتال الاحتلال الصهيوني.
وفي نوفمبر 2022، أشار مشعل، في لقاء حواري مع مركز “مسارات”، لهذا، مؤكداً أنه “في بداية “الربيع العربي” طلب مني قادة إخوان سورية (البيانوني، والشقفة) فتح خط مع النظام لتقديم نصائح، ولم يحصل شيء (أي رفض النظام ذلك).
لكن في 21 يونيو 2022، نقلت وكالة “رويترز”، عن مصادر في حركة “حماس”، أن ثمة قراراً بإعادة العلاقات مع النظام السوري، بعد 10 سنوات من القطيعة.
كما نقلت وكالة “الأناضول”، في اليوم نفسه، عن مصدر قالت: إنه مطلع، أن جهودًا مضنية بذلتها قيادة “حزب الله” للوساطة بين النظام السوري وقيادة “حماس”.
مؤيدون
المؤيدون لعودة العلاقات قالوا: إن محور المقاومة بات اليوم على قلبِ رجلٍ واحد بعودة تعاون “حماس” و”الجهاد” وإيران وسورية ومعهم روسيا كداعم دولي، مشيرين إلى أن بيان “حماس” جاء بعنوان “أمة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان”، لكنَّ المعارضين انتقدوا وضع “حماس” يدها بيد سفَّاح سورية الذي قتل شعبه.
وأكدت مصادر فلسطينية أن إعادة “حماس” العلاقات مع سورية رغم انتقادات العديد من أنصارها، لا علاقة له بالرئيس السوري بشار الأسد بقدر ما هو مرتبط بسورية كدولة توفر ملجأ آمناً للمقاومة في ظل التواجد الإيراني هناك لتوفير السلاح للمقاومة.
لكنَّ مراقبين رجحوا أن يكون الضغط الإيراني ومعه “حزب الله” وراء هذه الخطوة من جانب “حماس” للبحث عن حلول جديدة كي تستمر الحركة في توفير السلاح والمأوى الخارجي الداعم المقاومة في ظل تغير الأوضاع العربية والدولية.
مصادر قريبة من حركة “حماس” أبلغت “المجتمع” أن “قرار الحركة بالعودة إلى العلاقات مع سورية ظل يخضع لدراسة مطولة لدى الحركة حتى تم ترجيح هذه المصالحة لأسباب تتعلق بمصالح المقاومة والشعب الفلسطيني”، مؤكداً أنه “سبق القرار لقاءات مع الجانب السوري على مستوى معين”.
وأوضحت أنه “بناء على الدراسة المطولة واللقاءات التي جرت مع الطرف السوري، اتخذت “حماس” قراراً ببدء الترتيب للعودة إلى الساحة السورية وهو ما تم إعلانه أخيراً”.
وبررت القرار بأن الساحة السورية مهمة لـ”حماس” سياسياً ومن ناحية المقاومة، ولأن سورية يوجد بها عدد كبير من الفلسطينيين ومخيمات فلسطينية، وتعتبر جبهة مقاومة للمحتل، وتوجد بها قاعدة شعبية فلسطينية “حماس” بحاجة لها وهي بحاجة لـ”حماس”.
وأكدت المصادر أن القطيعة والخروج الآمن من سورية كان بهدف ابتعاد “حماس” عن التدخل في الشأن السوري الداخلي بعد ما حدث “الربيع العربي” والصدام مع الشعب.
وأضافت: وقتئذ لم تستمع القيادة السورية لنصائح “حماس” لحل المشكلة، وغلَّبت الحل الأمني الذي أطال أمد الصراع وعادت سورية اليوم للحوار (مع المعارضة) الذي دعت له “حماس” منذ البداية.
وأوضحت أن لقاءً عُقد قبل عدة أشهر بين الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله ومسؤول بارز في “حماس”، جرى خلاله الاتفاق على عدد من النقاط في هذا الاتجاه، وكان مقدمة لهذا الاتفاق على عقد لقاء على مستوى رفيع، بين النظام السوري وقيادة حركة “حماس” انتهي للوصول إلى عودة العلاقات.
انتقادات
وانتقد نشطاء وصحفيون إعادة “حماس” العلاقات مع هذا النظام القاتل في سورية مهما كان المبرر.
الصحفي المصري جمال سلطان وصف بيان “حماس” عن إعادة علاقتها مع نظام الأسد بـ”فضيحة سياسية وأخلاقية”، واتهمها بأنها “تنسلخ من قضية وطنها وأمتها، لحساب مصالح دول إقليمية أخرى”.
وقبل صدور القرار وقصره على توقعات، قال سلطان: إن “القرار -لو صح- لن يكون فلسطينياً، ولا مصلحة فلسطينية، ولكنه سيكون قراراً إيرانياً، ومصلحة إيرانية حصرياً، وفواتير تسدد، وشرف القضية هو الثمن”.
أيضاً اعتبر إبراهيم حمامي، الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني، قرار “حماس” عودة العلاقات مع نظام بشار المجرم بمثابة “سقطة وخطيئة سيكون ثمنها كارثياً”.
وكان انتقد سابقاً “حماس” وقال: إنها لو فعلت ذلك “ستكتب بذلك شهادة وفاتها شعبياً وتفقد الحاضنة العربية”.
وقال: “لو كان هناك ما يمكن تبريره لعلاقة “حماس” مع إيران من حيث الدعم في وقت تخلى فيه العرب عن واجبهم، فلا يوجد أي مبرر من أي نوع لإعادة العلاقات مع النظام المجرم في دمشق الذي سفك دماء الفلسطينيين قبل السوريين”.
وقال الكاتب الموريتاني مختار الشنقيطي: إن مصالحة “حماس” مع الأسد غير مقنعة، لا سياسياً ولا أخلاقياً، محذراً من أن رجوع قادتها لدمشق سيجعلهم منكشفين لاغتيالات الصهاينة.