ضمن جولات «المجتمع» في القارة الأفريقية التي أفردتها للتعرف على أحوال المسلمين هناك، نفتح النافذة هذه المرة لمسلمي أفريقيا الوسطى في رحلة مهدتها الممالك الإسلامية، وعززتها المنظمات والمؤسسات الدعوية والتربوية، مع فضيلة الشيخ عبدالرحمن زبونجو بللا، نائب إمام مسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة بانغي، ومسؤول قسم التوعية في جمعية العون المباشر، ويحمل الشيخ تجربة دعوية ثرية حول العمل الإسلامي في بلاده، منذ تخرجه في كلية التربية قسم الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر الشريف.
رحلة الإسلام داخل أفريقيا الوسطى
كانت طرق دخول الدعوة الإسلامية إليها سالكة عبر دول الجوار من السودان وتشاد وبعض دول غرب القارة الأفريقية من السنغال والكاميرون، ويرجع الشيخ بللا دخول الإسلام إلى أفريقيا الوسطى للقرن الثامن عشر الميلادي، عقب ضم المستعمر مملكة الكوتي الإسلامية التي كانت تتبع لمملكة الوداي بتشاد، واعتبرها تابعة للحدود الوطنية لجمهورية أفريقيا الوسطى، ونهاية القرن الثامن عشر، بدأ الإسلام يدخل عن طريق التجار والدعاة في كل أنحاء البلاد.
وأوضح الشيخ بللا، في حديثه لـ«المجتمع»، أن دولة أفريقيا الوسطى كانت إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة، نالت استقلالها عام 1960م، وكانت البلاد شهدت وصول بعثات تبشيرية كنسية مهدت للاستعمار، ولا تزال تؤثر وتسيطر على أمور الحياة العامة بالتنسيق مع المستعمر وأعوانه، مستدركاً بالقول: بالرغم من السيطرة الكنسية، فإنه هناك تباشير للإسـلام؛ إذ دخلت مجموعات وطنية الدين الإسلامي، كما توجد جاليات إسلامية من دول أفريقيا كالسنغال ونيجيريا وتشاد والسودان، مردفاً: هؤلاء لهم دور كبير ومؤثر في انتشار الإسلام في البــلاد، مشيراً إلى أن نسبة المسلمين الوطنيين تقدر بـ20% من جملة السكان حسب الإحصاءات الغربية.
ونوه الشيخ بللا بأن أفريقيا الوسطى تعرف في الماضي ببلاد الكوتي ووصلتها فتوحات رابح بن فضل الله، أحد قادة الزبير باشا، في القرن الـ19 الميلادي، أشهرهم السلطان السنوسي الذي أقام دولة إسلامية بأفريقيا الوسطى وكانت عاصمتها أنديلي وسط البلاد، وعمل على نشر الإسلام بين قبائل الرنقا والبندا والكارا وخلق علاقات قوية بينه وبين سلاطين ممالك الفور والوداي والبرو الإسلامية بـ تشاد والسودان.
ممالك قديمة
وأستعرض الشيخ بللا تأثر أفريقيا الوسطى بالممالك الإسلامية المجاورة، وأبرزها سلطنة قبيلة الرونقا التي أسسها السلطان السنوسي في القرن التاسع عشر قبل احتلال فرنسا، ووقعت مناوشات بين الفرنسيين ورجال السلطنة؛ مما دفع المستعمرين بالاعتراف بها وما زالت توجد حتى الآن، ويدعى السلطان الحالي إبراهيم كآمون السنوسية، وأضاف أن دخول الإسلام في هذه البلاد بدأ منذ القرن الثامن عشر الميلادي عبر الممالك الإسلامية المجاورة مثل ممالك الفور والوادي والبرنو، وانتشر في شمال ووسط أفريقيا الوسطى وأقيمت ممالك إسلامية كان لها دور كبير في مقاومة الاستعمار الفرنسي الذي عمل على اجتثاث هذه الممالك.
أفريقيا.. قارة الإسلام الأولى
ولفت إلى عدة ممالك شهدتها المنطقة منها مملكة كانم شمال شرقي بحيرة تشاد، وبلغت أوج ازدهارها في القرن الخامس الهجري، ونشرت الإسلام في الجنوب والأطراف الشمالية لأفريقيا الوسطى ومملكة برنو الإسلامية غربي بحيرة تشاد، وباغيرمي في القرن العاشر الهجري في منطقة نهر شاري جنوب شرقي بحيرة تشاد، وتقدم ملوك الباغيرمى إلى المناطق الزنجية في أفريقيا الوسطى، وظل هؤلاء يحكمون المنطقة إلى أن أحتل الفرنسيون منطقة تشاد وأفريقيا الوسطى.
وأشار بللا إلى محور آخر عبرته الدعوة الإسلامية إلى أفريقيا الوسطى يتمثل في محور سوداني، عبر دارفور وكردفان جنوب غربي السودان، وأثر في الجزء الشرقي من أفريقيا الوسطى وأدخل الإسلام إلى جماعات اللاندا والزاندي، وهناك أحياء كبيرة وشهيرة بالعاصمة بانغي مسمية بأسماء سودانية، وقال كانت هذه جهود الممالك الإسلامية سالفة الذكر في توصيل الدعوة الإسلامية إلى أفريقيا الوسطى.
أبرز المراكز والمؤسسات التربوية
وتطرق الشيخ بللا إلى أهم وأبرز الواجهات والمنظمات الدينية بالبلاد، وعلى رأسها المؤسسات الرسمية «المجلس الأعلى والمحاكم الشرعية»، وقال: إن الخلاوي والمساجد والمدارس العربية الإسلامية الأهلية أدت دوراً كبيراً في تربية وتأهيل النشء وإن كان عليها العديد من الملاحظات، فإنها مارست دوراً لا ينكره أحد، مشيراً إلى أن أهم الجمعيات الإسلامية، هي: جمعية التضامن الإسلامي- اتحاد مسلمي أفريقيا الوسطى، اللجنة الإسلامية لأفريقيا الوسطى، أصبحت مؤخراً المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بجانب جمعيات الشباب المسلم، والمرأة المسلمة لأفريقيا الوسطى، والكشافة الإسلامية، منوهاً بأن كل هذه الجمعيات معترف بها من قبل الدولة وتنشط وسط المسلمين بتنظيم القوافل والمعسكرات والندوات وتنظيم الحج والعمرة ورعاية المساجد والمدارس العربية الإسلامية.
وأضاف: تؤدي هذه الجمعيات دوراً كبيراً في نشر الدعوة الإسلامية في أفريقيا الوسطى على الرغم من عدم توفر الإمكانات المادية والتأهيل اللازم، مناشداً المحسنين في العالم الإسلامي والعربي لدعمها.
جمعية الكوادر المسلمين
واعتبر جمعية الكوادر المسلمين التي أنشئت منذ أكثر من 15 عاماً أهم الجمعيات التي يمكن أن تؤدي دوراً ريادياً، وقال: إن الجمعية فرع من الجمعية الإسلامية الكبرى بالبلاد استطاعت حصر كل الكوادر المسلمة داخل مؤسسات الدولة في شتى الوظائف (الطب والهندسة والسلك القضائي والجمارك والضرائب..).
وجمعية تطوير التعليم بجمهورية أفريقيا الوسطى هي الأخرى تقوم بدور فعال تجاه الأيتام والمدارس الإسلامية، وأفلحت في وضع منهج تجريبي لبعض المدارس الإسلامية، وتشرف وتتابع بعض المدارس داخل العاصمة وخارجها.
المجلس الإسلامي.. النشأة والإنجازات
وتطرق الشيخ بللا إلى نشأة وتكوين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية أفريقيا الوسطى، ومستوى علاقاته بالمجالس الإسلامية والمؤسسات الدينية في العالم، موضحاً أنه تأسس في بداية التسعينيات وعرف بـ«اللجنة الإسلامية لجمهورية أفريقيا الوسطى»، برئاسة الشيخ داود مسلم بوكاني، قبل أن يتحول في العام 1991م، في مؤتمر وطني لقيادات المسلمين إلى (CICA) لجنة مسلمي أفريقيا الوسطى برئاسة رضوان جاراس، ثم العقيد ماربوا، وبعده الشيخ عمر كوبين وفي عهده أصبح المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
لهذه الأسباب.. مستقبل أفريقيا الوسطى مزدهر جدا
التحديات والفرص
ويعد المجلس من أكبر الجمعيات الإسلامية في جمهورية أفريقيا الوسطى، والمعترف به من الحكومة كناطق رسمي باسم المسلمين على اختلاف طوائفهم وتوجهاتهم الدينية والسياسية، لكن الشيخ، لوح ببعض القصور الذي يصاحب المجلس في علاقاته المحلية والخارجية، قائلاً: لا توجد علاقة طيبة بين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في أفريقيا الوسطى وبعض الجمعيات الإسلامية في البلاد، وأرجع ذلك لعدم الكفاءة الإدارية وتهميش دور الأئمة والدعاة داخل المجلس وغياب علاقاته بالخارج.
وأشار إلى التحديات والفرص أمام العمل الإسلامي في أفريقيا الوسطى، مؤكداً أهمية الإصلاح والتجديد في العمل الدعوي، وقال: إن المسلمون مطالبون بالإصلاح والتجديد في جميع أمورهم سواء دينية أو اجتماعية أو ثقافية أو تعليمية، مبيناً لا بد من إعادة النظر في مركزية العمل الإسلامي؛ لأن الكثير من الأعمال الإسلامية محصور في العاصمة فقط، وهذه المركزية ساقت إلى ضعف التنمية دعوياً وتعليمياً في المحافظات، وخلقت فجوة وعدم التوازن فلا بد من توسيع دائرة التنظيم والنشاط.
واعتبر عدم وجود مقر رسمي للمجلس الأعلى واختيار من يمثل المجلس في كل الطوائف من القضايا التي تحتاج لمعالجات ودعم، ودعا إلى مزيد من الجهود لمطالبة الحكومة بحقوق المسلمين والدفاع عن الإسلام والمسلمين، مشدداً على توحيد صفوف المسلمين على الكتاب والسُّنة والابتعاد عن أسباب الفرقة والتشرذم، ونشر الوعي بين الناس وتعليمهم أحكام الدين.