في عصر تتسارع فيه وتيرة التكنولوجيا وتتشابك فيه خيوط العولمة، برزت مواقع التواصل الاجتماعي كفاعل رئيس في تشكيل السلوكيات والميول الاستهلاكية للأفراد حول العالم، خاصة الشباب منهم، وبمرو الوقت لم تعد مجرد وسائل للتواصل والترفيه، بل أدوات قوية للتأثير والتسويق؛ ما عزز من الثقافة الاستهلاكية بشكل ملحوظ بأوساط جيل العشرينيات والثلاثينيات.
فوسائل التواصل تؤدي دورًا حاسمًا في تشكيل سلوكيات الشباب وتوجهاتهم الاستهلاكية في عالم اليوم، وفق دراسة أجرتها شركة «إيماركتر» (مختصة في أبحاث سوق الإنترنت) عام 2023م، التي أظهرت أن نسبة 85% من الشباب يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي.
ووفقًا لتقرير لشركة «ستاتيستا»، المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، فإن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم بلغ أكثر من 3.8 مليارات مستخدم في عام 2021م؛ ما جعلها موجهاً رئيساً لسلوك الشباب، والوصول بسهولة إلى آراء المستخدمين وتجاربهم في استخدام المنتجات والخدمات المختلفة.
ويؤثر ذلك في اتخاذ قرارات الشراء ويساهم في انتشار ثقافة الاستهلاك، عبر التأثير المتصاعد لوسائل التواصل على الرغبات والميول الخاصة بالشباب باتجاه تعزيز رغباتهم الاستهلاكية من خلال عرض الإعلانات والمحتوى المرتبط بالمنتجات والعلامات التجارية.
الضغط الاجتماعي
وإزاء ذلك، يتأثر الشباب بشكل كبير بتلك الرغبات ويتجهون نحو الشراء والاستهلاك، وإن لم يكن لهم حاجة فيه، في إطار الاستجابة لحالة الضغط الاجتماعي التي تفرضها وسائل التواصل عبر وضعها المظاهر الخارجية في منزلة الأولوية.
وفي هذا السياق، تشير إحصاءات حديثة إلى أن نسبة كبيرة من المستهلكين، تصل إلى حوالي 54%، يتأثرون بمحتوى وسائل التواصل في قرارات الشراء، حسبما أورد تقرير صادر عن مركز «بيو» للأبحاث عام 2021م.
كما أظهرت دراسة أجرتها شركة نيلسن (شركة أبحاث تسويق) عام 2020م أن 49% من المستهلكين يثقون في التوصيات التي يتلقونها عبر منصات التواصل، ما يتطابق مع إفادة تقرير صادر عن شركة «إيماركتر»، الذي نوه بأن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم بلغ 4.33 مليارات مستخدم في عام 2023م، وأن 54% منهم يستخدمون وسائل التواصل للبحث عن منتجات وخدمات جديدة.
وبحسب التقرير ذاته، فإن الشباب يمثلون أكثر الفئات العمرية تأثراً بالإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يسلط الضوء على حجم التأثير النفسي والفكري على هذه الفئة تحديداً حول العالم بشكل عام، وفي العالم العربي بشكل خاص.
ويعتبر إعلان المنتجات والخدمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر أنواع الإعلانات تأثيرًا على الشباب في العالم؛ ما انعكس في متوسط مدة قضائهم للوقت في استخدام هذه الوسائل، التي تبلغ 3.7 ساعة يوميًا، بحسب شركة «هوتسويت» (متخصصة في إدارة وسائل التواصل).
الشباب العربي
ولا تقل الصورة تأثيرًا عن نظيرتها العالمية، فقد كشفت دراسة، أجراها معهد الخليج للأبحاث عام 2022م، أن 60% من الشباب العربي يعتبرون وسائل التواصل مصدراً أساسياً للمعلومات حول المنتجات والخدمات.
كما أوردت دراسة أجرتها جامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية في العام 2021م أن 70% من الشباب يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي في عمليات البحث والاستشارة قبل الشراء.
ويعد «المؤثرون» أحد العوامل الرئيسة في هذا التأثير الخطير لوسائل التواصل الاجتماعي على فئة الشباب، إذ يمتلكون القدرة على تغيير ميول المستهلكين وتوجيههم نحو منتجات معينة.
وأفادت «هوتسويت» بأن 73% من المؤثرين يمثلون أداة تسويقية فعالة للعلامات التجارية، وتستخدمهم شركات تصنيع المنتجات بالفعل لأغراض الدعاية.
وتؤدي الإعلانات المستهدفة لفئات الشباب المتعددة دورًا كبيرًا في تعزيز الثقافة الاستهلاكية، حيث تستخدم الشركات البيانات الضخمة لتوجيه الإعلانات بدقة إلى الجمهور المناسب.
وفي هذا الإطار، أشارت دراسة نشرته مجلة «فوربس» عام 2021م إلى أن 67% من المستخدمين يشعرون بأن الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على خياراتهم الشرائية.
ومع تزايد الاعتماد على التسوق الإلكتروني، وجدت استطلاع، أجرته مجلة «إيكونوميست» البريطانية عام 2022م، أن 85% من المستهلكين يفضلون الشراء عبر الإنترنت بعد مشاهدة المنتجات على وسائل التواصل.
وبالطبع لا يخلو هذا التأثير من جوانبه السلبية، فقد أظهرت دراسة، نشرتها مجلة «العلوم الاجتماعية» عام 2023م، أن الإفراط في التعرض للإعلانات والمحتوى التسويقي يمكن أن يؤدي إلى «زيادة الشعور بالضغط الاجتماعي» للتمتع بأحدث السلع والخدمات؛ مما يعزز من الثقافة الاستهلاكية بشكل مفرط قد يتجاوز الحاجة الفعلية للأفراد.
وعليه، فإن وسائل التواصل تحولت إلى «مسهل» لإدمان لا يقل خطورة عن إدمان المخدرات، سواء من حيث التأثير النفسي أو المادي، بحسب نتائج الدراسات المذكورة.
ومن هنا، تبرز الحاجة إلى توعية المستهلكين، خاصة الشباب منهم، وتشجيعهم على الاستهلاك الواعي والمسؤول، وهو ما لا يمكن الوصول إليها إلا بإعلاء القيم «فوق المادية» في نفوسهم وعقولهم، وتحدي ثقافة الصورة التي ترسخها وسائل التواصل فيهم.