جمع مقال نشرته مجلة “ذا نيويوركر” شهادات مؤرخين وخبراء وكُتَّاب جميعها تحذر من أن أمريكا على شفا الوقوع في أتون “حرب أهلية” جديدة، ولكن بشكل مختلف، مشيرين إلى أن أحداث العنف والوحشية العنصرية التي تشهدها مدن أمريكية، وكان آخر أحداث مدينة تشارلوتسفيل، تكشف هشاشة الولايات المتحدة.
وفي مقالها بالمجلة المذكورة، تنقل الكاتبة الأمريكية روبن رايت، عن العسكري السابق والدبلوماسي الأمريكي كيث ماينز، مخاوفه من أن بلاده على شفا حرب أهلية.
وقالت الكاتبة: إن ماينز الذي قضى مسيرته المهنية في إجراء أبحاثٍ عن حروبٍ أهلية في بلدان أخرى، عاد بعد 16 عامًا إلى بلاده “ليجد أن الظروف التي كان يراها تؤجج نزاعاتٍ في الدول الأخرى ظاهرةٌ الآن في وطنه، وصار هذا هاجساً يطارده”، بحسب “هاف بوست عربي”.
وأشارت الكاتبة الأمريكية إلى أن ماينز كان واحدًا من عدة خبراءٍ في الأمن الوطني طلبت منهم مجلة “فورين بوليسي” في مارس تقييم مخاطر نشوب حربٍ أهلية ثانية، بالنسب المئوية، ليؤكد أن الولايات المتحدة تواجه خطر نشوب حرب أهلية بنسبة 60% في غضون فترةٍ تتراوح بين الأعوام العشرة والخمس عشرة المقبلة.
وتراوحت توقعات خبراء آخرين بين 5% و95%، فيما بلغت نسبة الإجماع الواقعي 35%.
ولفتت الكتابة إلى أن هذه التوقعات كانت “قبل 5 أشهر من حادثة تشارلوتسفيل”.
ونوهت الكاتبة إلى أن الحرب الأهلية لم تعد تتخذ الصورة التقليدية القديمة من معارك منظمة بين جانبين، وإنما أصبح الكثير منها اشتباكاتٍ منخفضة الحدة مع أحداث عنفٍ عرضية في المناطق المتأججة باستمرار، وهو ما يتوافق بشكل كبير مع ما تشهده الولايات المتحدة حاليًا.
وتبيّن الكاتبة أن ماينز عرَّف الحرب الأهلية على أنها عنف واسع النطاق يتضمن رفض السلطة السياسية التقليدية، ويقتضي تعامل الحرس الوطني معه، مشيرة إلى أنه في يوم السبت 12 أغسطس، وضع حاكم فرجينيا الديمقراطي تيري ماكوليف الحرس الوطني في حالة تأهب وأعلن حالة الطوارئ.
وحول دور الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تأجيج هذا العنف الممهد للحرب الأهلية، كتب ماينز في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن ترمب “جعل العنف وسيلة نموذجية لإحراز تقدمات سياسية، وأجاز البلطجة أثناء حملته الانتخابية وبعدها. وانطلاقاً من الأحداث الأخيرة، صار اليسار جزءاً لا يتجزأ من ذلك”.
ولفتت الكاتبة رايت إلى أن قلق العامة تجاه احتمال نشوب نزاعٍ جديد وجد متنفسًا له في الثقافة الجمعية، ففي أبريل اختار موقع “أمازون” للتسوق الإلكتروني رواية “American War” – التي تدور أحداثها حول قيام حرب أهلية ثانية – كأحد أفضل الكتب المعروضة للبيع ذلك الشهر.
وكتب رون تشارلز، في عرض للرواية في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية: عبر صفحات هذه الرواية المليئة بالندوب تندلع اشتباكات يتوقع الكثيرون بيننا حدوثها بقلق جم في عهد ترمب، أمة تُمزقها أيديولوجيات متضاربة، وتُغربها شكوك راسخة.. إنها رواية مؤثرة ومرعبة في الوقت ذاته.
وترى الكاتبة أن ما حدث في تشارلوتسفيل وغيرها من الأحداث القاتلة في مدن فيرغسون، وتشارلستون، ودالاس، وسانت بول، وبالتيمور، وباتون روغ، والإسكندرية الأمريكية، يطرح بشدة التساؤل عن المصير الذي تُساق إليه الولايات المتحدة.
ولفتت إلى أن أحداث تشارلوتسفيل لم تكن أول مظاهرة قام بها “اليمين البديل” المزعوم، ولن تكون الأخيرة، فقد جرى التخطيط لتسع تجمعات مشابهة في عطلة الأسبوع المقبلة وغيرها في سبتمبر.
وحذّرت رايت من أن الأخطار الآن باتت أكبر من مجرد مجموعة حوادث عنف، ونقلت عن مركز قانون الحاجة الجنوبي تأكيده في تقرير أصدره في فبراير الماضي أن “اليمين المتطرف حقق نجاحاتٍ في دخول التيار العام السياسي في السنة الماضية أكثر مما حقَّقه على مدار نصف قرن”، موثقًا أكثر من 900 مجموعة كراهية (والعدد يتزايد) في الولايات المتحدة.