النصيحة، كما هو معلوم فهمها، أن تقدم الخير للمقابل بقول توجهه فيه أو بترك عمل سيئ، أو تنهاه عن منكر، أو توضح وتبين له معروفاً، أو تبين له آلية يسلك من خلالها طريق الهدف، وهذا من واجبات المسلم للإنسانية عموماً، ولأخيه المسلم أخص وأولى.
فالنصيحة من أعظم محاور الأخوة في الله تعالى، وهي دليل الحب المطلق للإنسان والمسلم بالذات، وكما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا ذلك يوم بايع جريرُ بن عبدالله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: “بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم”.
لا شك أن دين الإسلام العظيم ما جاء إلا بكل خير، ومن أرفع دروب الخير نصيحة المسلم لأخيه المسلم، ولو تتبعنا التاريخ نجد كل ضعف مرت به هذه الأمة لا يكون إلا بعد مرور زمن على عدم مداولة النصيحة بين أفراد وكتل المجتمع، والتفريط فيها؛ سواء كانت لعامة الناس أو لأولياء الأمر، كما قال رسول الله صلى الله علبه وسلم: “الدين النصيحة”، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم”.
وتوقُّف النصيحة بداية فرش أرضية النفاق والتزلف في المجتمعات، وسيادة المصالح الشخصية والتفلت من الأمة!
حينما نتابع التاريخ نجد من محاور ضعف الأمة إهمال النصح والتناصح، وبالأخص النصيحة لأئمة المسلمين تحت ذرائع ما أنزل الله بها من سلطان! والعبارة لو لاحظناها كبيرة حقيقة “الدين النصيحة”، وهذا دليل على عظمة النصيحة في المجتمع عموماً والمسلم خصوصاً، كيف لا والنصيحة تنقذ الإنسان من العمل الفاشل، تنقذه من الإقدام على التصرف الذي تكون عواقبه سيئة وأثره على المجتمع مدمرة، تُقدِّم للإنسان النجاح في عمله أو دراسته، تُوفِّق الإنسان إلى الزواج الناجح، تُجنِّب الإنسان الفشل في العمل الذي يسعى إليه، فأفضالها لا تعد ولا تحصى، على جميع المستويات، فلذلك كانت لها تلك العظمة فقُرنت بالدين (الدين النصيحة).
النصيحة يجب أن يكون ظاهرها وباطنها خيراً؛ أي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أو بيان الخطأ للمقابل وإظهار الصواب حباً في الله تعالى، والنية مقصدها رضا الله تعالى داخل النفس، لا للرياء وطلب الشهرة وما شابه، أو تتقصد مثلاً ضعف المقابل وبيان خطئه، الإخلاص فيها يجب أن يكون لله تعالى فقط، وابتغاء وجهه ورضاه سبحانه وتعالى، فحينما ترى الخطأ لا بد أن تقدم النصيحة دون إحراج المقابل.
وتقديم النصيحة فن يحتاج إلى ذكاء ولباقة، هي فن مع الطفل، ومع الغريب لها فنها، ومع القريب لها فنونها، ومع المسؤول لها طرقها، والحذر الحذر من نصح التشهير، فإنه يفسد أصل المسألة، وهذا الفن ظاهر في مضامين قوله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، وهذا يحتاج فناً ومعرفة وذكاء.
وأذكر ختاماً من باب الفن في قبول النتيجة والطلب، لننظر كيف قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفتح القلوب والأذهان، وما تُشنف له الأسماع، أولاً مسك بيد معاذ وقال: “يا معاذ، والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ؛ لا تدع في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك”.
_________________
إعلامي كويتي.