تحت لافتة النشاط الحقوقي والاجتماعي، المدعوم من الغرب ماديًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا، تأسست الجمعيات النسوية الداعية إلى إسقاط ولاية الرجل وقوامته على المرأة، وإلى التحرر الجنسي وإشاعة الانحلال الخلقي، والخروج على شرائع الدين وأعراف المجتمع.
وتحت شعار «الحرية المطلقة للمرأة»، دعت تلك الجمعيات المرأة إلى عدم استسلامها للرجل، وعدم القبول بالعبودية والذلّ باسم عقد الزواج، ونشطت في دعوة البنات الصغيرات اللاتي لم يبلغن بعدُ حدَّ التمييز إلى رفض هذا «المشروع الذكوري!»، مشروع الزواج، الذي يجعل من المرأة خادمة في بيت الرجل.
وللأسف؛ وصل هذا الفكر المنحرف إلى بعض بيوت المسلمين، فأفسدها، ودمّر علاقة الودّ والرحمة بين الزوجين؛ فقد اقتنعت بهذه الأفكار زوجات جاهلات فصرن أُلعوبة في يد المشكّكين في دين الله وشرعه، وما أكثرهم على وسائل التواصل الاجتماعي الآن، وقد صار الهوى هو الحَكَمَ، وبدلًا من الاستماع إلى ما قاله الله تعالى ورسوله ﷺ، صار يُقدم رأي فلان وقول فلانة، وهو وهي في الحقيقة لا يحسنان قراءة القرآن ولا يجيدان تفسير آية، بل قام رأيهما على التشويش والجدل والانتصار الكاذب للمرأة التي زعموا كبتَها وقهرَها باسم الإسلام.
نسوة جاهلات
في يونيو 2022م، وقفت عروس شابّة من مدينة كفر الدوّار بمصر أمام المدعوين للعُرس تخطب فيهم، دونًا عن أصحاب الحق من الرجال، ناصحة عريسها (زوج المستقبل) على الملأ نُصحَ الجاهلات المغيّبات، مرددة –في جرأة عجيبة وبطريقة حمقاء- كلام النسويات، ثم أعلنت رفضها أمام الجميع التوقيع على عقد الزواج حتى يقرّ العريس بشروطها، ومنها معاملة أهلها بالحُسنى، ورغم أن هذه الحادثة وغيرها تصدى لها المجتمع وأوسع صويحباتها نقدًا وتقريعًا غير أنها تنبئ عن تغلغل هذه الأفكار الساقطة في مجتمعاتنا وبيوتنا.
ولك أن تتخيّل بيتًا فيه امرأة كهذه؛ كيف ستكون العلاقة بين الزوجين؟ وماذا لو نشب خلافٌ بينهما، وهو أمرٌّ لا مفرّ منه؟ من يقوم بحلّ هذا الخلاف؟ ومن يقنع المرأة بأن هناك شرعًا وعُرفًا، وأن القوامة للزوج عليها، وأن له حق طاعته في المعروف، هذه الطاعة التي غابت عنها بالكليّة وظنّتها أمرًا يمكن التفاوض فيه أو التنازل عنه من جانب الزوج، وتخيّل أيضًا ماذا سيكون حال الأبناء المتخرّجين في هذا البيت إن قُدّر واستمرّ تحت قصف هذه الأفكار، وفي ظل التنازع والعنف بين الزوجين؟!
وقد جاءت قوانين الأحوال الشخصية في كثير من بلداننا العربية، التي في ظاهرها إنصاف المرأة، موافقة لتلك الأفكار الغربية المتحررة؛ لتصبّ الزيت على النار؛ حيث مكَّنت المرأة على حساب قوامة الرجل؛ ما جعله متربصًا بها طوال الوقت، وما أكثر أخطاء الزوجة التي يعدها الزوج فرصة للتنكيل بها؛ مثل عنادها، وإهمال نظافتها الشخصية ونظافة بيتها، وإفشاء سرهما لدى أهلها وصديقاتها، وعدم تحمّلها المسؤولية الجديدة وعجزها عن الفطام العائلي، وغيرها.
دستور الحياة الزوجية
والحقيقة أن الإسلام بريء من كلِّ هذه الادعاءات النسوية، حريص على إقامة بيوت سعيدة على غرار بيت النبي ﷺ الذي كان مثالًا للمودة والرحمة، والهناء والاستقرار، بل وضع الإسلام دستورًا للحياة الزوجية، ينص على حقوق وواجبات كلٍّ من الزوجين تجاه الآخر؛ فللزوجة الحق في المهر والنفقة والمهر، وحسن العشرة، والتحصين بالمداعبة والجماع، وللزوج الحق في القوامة والطاعة، وألا تمتنع عنه إن طلبها للفراش، وألّا تخرج من البيت إلا بإذنه، وأن تحافظ على عرضه وماله، وأن تقوم بخدمته ورعاية أبنائه.
والمرأة في الإسلام –على العموم- ذات شأن ومكانة لم تنلها امرأة في ملة أو مذهب آخر، لقد عرض القرآن الكريم كثيرًا من شؤون المرأة في أكثر من عشر سور، عُرفت إحداها بالنساء الكبرى (النساء) وعُرفت الأخرى بالنساء الصغرى (الطلاق)، بل بالغت شريعتنا في الرفق بها فوضعت عنها أحمال المعيشة، ولم تلزمها بالاشتراك في النفقة وتربية الأبناء خلافًا للشرائع والأنظمة الغربية التي سوَّت بين النوعين في الواجبات وميّزت الذكر في الحقوق.
المرأة في التصور الإسلامي
والمرأة في التصور الإسلامي أحد شطري النوع الإنساني؛ (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) (النجم: 45)، وهي كالرجل تمامًا في التكاليف الدينية؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97)، باستثناء بعض التكاليف؛ تخفيفًا عنها، ولو فعلتها فما عليها من حرج كالجهاد وحضور الجُمع والجماعات، وقد رتّب لها حقوقًا عدة: حق الميراث، الذمة المالية المستقلة، مشاركة الرجل في الحياة الاجتماعية، الحق في اختيار الزوج، حق المعاشرة باللطف، حق الخلع كما للرجل حق الطلاق، الحق في طلب العلم، الحق في الإجارة، الحق في العمل خارج البيت؟؟ إلخ.
لقد حطّم الإسلام أسطورة الذكر الذي طغى على الأنثى فحرمها حق الحياة الكريمة، مستغلًّا قوته العضلية وإمكاناته الجسدية؛ حيث أكد الشرع أن الحياة لا تكون إلا بالطرفين، ولا تطيب إلا بالمعاملة الكريمة القائمة على الحب والاحترام، خلافًا لما كانت عليه -ولا تزال- الحضارات الأخرى التي يصرُّ وكلاء الغرب على أن نقتدي بها؛ فالمرأة الغربية التي يتخذونها قدوة ويتباهون بما نالته من «حريات جنسية» صارت «سلعة بلا ثمن»، لقد أفرزت تلك الحريات مصائب استعصت على الحلّ، وأنتجت مجتمعات مختلّة تضج بالتفسّخ والألم، فلم تعد هناك أُسر، وإن وُجدت فهي بلا رسالة، وهناك مئات المليارات تُنفق على آثار انفلات المرأة بلا جدوى.