إن الإسلام دين مناط بالمحبة والرفق والسلام والتعاون والتعارف بين كل الشعوب والأجناس، رغم الأديان والفئات والمؤسسات، دين جاء لتوجيه الصفات الخيرية في الإنسانية نحو التآزر والبناء وتحقيق السعادة للجميع، فلا فقراء ومساكين يتضورون من إصابتهم بالوباء والك
نائب عميد كلية لواء الهدى بأريكود/كيرلا – الهند
إن الإسلام دين مناط بالمحبة والرفق والسلام والتعاون والتعارف بين كل الشعوب والأجناس، رغم الأديان والفئات والمؤسسات، دين جاء لتوجيه الصفات الخيرية في الإنسانية نحو التآزر والبناء وتحقيق السعادة للجميع، فلا فقراء ومساكين يتضورون من إصابتهم بالوباء والكوارث والحرائق.
فكيف صرنا قوماً بارداً في هذا الزمان الذي يحتال فيه الأعداء خططاً متنوعة محرّفة عبارة عن حملة الأعمال الإغاثية العديدة لترويج دينهم ودنياهم في كل صوب وحدب، متباعدين عن تعاليم القرآن والسُّنة، وأصبح أولادنا يعيشون كجيل الرسائل الهاتفية والإلكترونية يغطون نهاراً في نوم عميق، ويفيقون ليلاً، ويكتفون بالمكالمات والرسائل طول الليالي بدل القيام بأنشطة بناء مستقبل زاهر، وتحمل مسؤوليات قادمة على أكتافهم؟ ألم نتخذ – أمة رحمة – ظهورنا ظهرياً عن عدد عديد يتعايش عيشهم في الفاقة والضيق خاصة في عصر كثرت فيه أنواع من الكوارث والحروب وتفجير قنابل وأمراض في شكلها الجديد! ونعيش غافلين أو متغافلين عن هؤلاء الذين لا طاقة لهم ليتخطوا خطوة إلى الأمام في مسار الحياة بدون مساعدة من الخارج، والصورة الحيوية للمنكوبين في مثل هذه أمامنا بعيون دامعة وبرغبة عارمة في الإغاثة من الأطعمة والملابس لإعادة بناء حياتهم العادية!
فالدين المقبول المرضي عند الله الواحد المنان يعرفنا إله الرحمة؛ حيث قال تعالى:“وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ “ وفي مطلع قراءة القرآن قال: “الرحمن الرحيم”, ويؤيده حديث أخرجه البخاري: ” إن رحمتي غلبت غضبي”, والرسول صلى الله عليه وسلم الذي نعرفه, وعرفناه في القرآن الكريم رحمة ليس للبشر والجن فقط, بل للجميع وإلى ذلك يقول تبارك وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107}) (الأنبياء). ودليل المؤمن ومنهجه في جميع مناحي حياته أيضاً يصرح بكل صراحة أنه رحمة وشفاء؛ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً {82}) (الإسراء)، علاوة على ذلك كله قد غرس الله الرحمة والمحبة بين قلوب الخلائق لكي يتراحموا ويتشابكوا عند نزول قضاء الزمان (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم:21)، فالمفروض على كل فرد من أتباع هذا الدين أن ينظر إلى أخيه في الإنسانية حتى تقوم حياته قواماً.
الغرامة ورحمة الدين:
دين الرحمة والرأفة يوجب الغرامة للمحظورات على شكل حضاري لشدة حرصها على إطلاق سراح رقبة العاجزين والأخذ بأيديهم إلى جادة الصحيح.
(ا) كفارة اليمين: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ)(الأنبياء:89).
(2) كفارة الظهار: (فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (المجادلة:4).
(3) المحظورات في الحج: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ((المائدة:95)(8).
سورة “الماعون” وأهميتها:
هذه السورة الكريمة تعالج موضوعاً مهماً؛ حيث إنها تكذب من لا يحض على طعام المسكين ويمنع الماعون، ومن الملاحظ أنه تعالى يعاتب من لا يطعم بل من لا يحض أيضاً؛ لأن الإعراض عن الضعفاء والمساكين ليس من خصال المؤمن، وإضافة الطعام إلى المسكين تدل على أن ذلك الطعام حق المسكين؛ فكأنه منع المسكين بما هو حقه، وذلك يدل على بُخله وقسوة قلبه وخسة طبعه، ويردف الإمام الرازي رحمه الله قائلاً في تفسير سورة “الماعون”: تقوم هذه الآية بإلقاء الضوء أيضاً على الفضائل بحيث يستكثر الرجل في منزله مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ذلك، ولا يقتصر على الواجب، عن الحارث بن شريح قال: قال رسول الله صلى الله عليه والسلم: “المسلم أخو المسلم لا يمنعه الماعون”، قالوا: يا رسول الله، ما الماعون؟ قال: “في الحجر وفي الماء وفي الحديد”، قالوا: “أي الحديد؟ قال: “قدر النحاس وحديد الفأس الذي يمتهنون به”، قالوا: فما الحجر؟ قال: “القدر الذي من الحجار”(9)، وفي حديث آخر أخرجه القرطبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: “الماء والنار والملح”، قلت: يا رسول الله، هذا الماء فما بال النار والملح؟ فقال: “يا عائشة، من أعطى ناراً فكأنما طبخ بتلك النار، من أعطى ملحاً فكأنما تصدق بجميع ما طيب به ذلك الملح، ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد فكأنما أحيا نفساً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”، وعلى ضوء هذه الأحاديث النبوية والأقوال القاطعة يتثبت لدينا أن التبرعات العينية والمادية وإن كانت بأشياء قليلة لا نقيم لها وزناً مفروضة؛ لتخفيف جراح المصابين وإثلاج صدورهم.
ومن آية تسلط الضوء على ملاطفة الضعفاء وتراحمهم قول الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً {10}) (الإنسان)، يقول الإمام الرازي: “اعلم أن مجامع الطاعات محصورة في أمرين؛ التعظيم لأمر الله وإليه الإشارة بقوله: يوفون بالنذر، والشفقة على خلق الله وإليه الإشارة بقوله: ويطعمون الطعام، وهذه الآية عامة في حق جميع الأبرار لأن إطعام الطعام كناية عن الإحسان إلى المحتاجين ومواساتهم بأي وجه كان، وإن لم يكن ذلك بالطعام بعينه ووجه ذلك أن أشرف أنواع الإحسان بالطعام، وذلك لا قوام للأبدان إلا بالطعام ولا حياة إلا به”.
الإغاثة إلى:
المسكين:
- مشتق من السكن وهو عدم الحركة فكأنه بمنزلة الميت
- وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم، وهذا يتضمن الحض على الصدقة والمؤاساة وتفقد أحوال المساكين والضعفاء
وهو العاجز عن الاكتساب بنفسه.
الفقير:
الفقير في كلام العرب هو المفقور الذي نزعت فقره من ظهره من شدة الفقر، فلا حال أشد من هذه، وإليه يدل قوله تعالى: (لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ)(البقرة:273).
الغارم:
وإلى شدة أهمية للقائمين بمصالح عامة يشير الفقهاء: “ويعطى وجوباً من استدان لمصالح عامة مثل بناء القنطرة والمدارس، ويعطى الغارم ولو كان غنياً؛ لأنه لو اعتبر الفقر لقلت الرغبة في هذه المكرمة”.
وإن كان فقيراً فله حظان، فإن لم يكن مال وعليه دين فهو فقير وغارم فيعطى بالوصفين.
المنكوبين:
وفي تفسير الغارم يقول العلامة الشيخ مجاهد: ثلاثة من الغارمين؛ رجل ذهب السيل بماله، ورجل أصابه حريق فذهب بماله، ورجل له عيال وليس له مال فهو يدّان وينفق على عياله.
المنكوبون في الكوارث والزلازل والتسونامي (Tsunami) والبراكين والمجاعة والقحط والأعاصير وما إلى ذلك كلهم يستحقون المساعدة والمعونة حتى أحل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم الشحاذة مع شدة نهيها لغيرهم، ودليل ذلك حديث عن قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأل فيها قال: “أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمرك بها”، ثم قال: “يا قبيصة، إن المسألة لا تحل لأحد ثلاثة؛ رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش (أو قال: “سداداً من عيش)، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش (أو قال: سداداً من عيش)، فما سواهن من المسألة، يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا”.
الأسير (الناقص العقل):
رغم التعريفات العادية هناك تعريف آخر وهو كما في السطور التالية: يحتمل أن يراد بالأسير الناقص العقل لأنه في أسر خبله وجنونه، ولا يمتنع أيضاً أن يكون المراد هو الأسير كافراً كان أو مسلماً لأنه إذا كان مع الكفر يجب إطعامه فمع الإسلام أولى.
المرضى:
والمرضى أيضاً يستحقون التبرع من الوجهاء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالصدقة وأعدوا للبلاء الدعاء”.
من يريد النكاح:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة حق على الله عونهم؛ الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف”.
عند قلة الطعام (Food Shortage):
حدثنا إياس بن سكمة عن أبيه قال: “خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطاعاً فاجتمع زاد القوم على النطع، قال: فتطاولت لأحرزه كم هو؟ فحرزته كربضة العنز ونحن أربع عشرة مائة، قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعاً”، في تفسير هذا الحديث يرى الإمام النووي في شرح مسلم قائلاً: “وفي الحديث استحباب المواساة في الزاد وجمعه عند قلته”.
من لا لباس له ولا طعام:
يحث الرسول صلى الله عليه وسلم على توفير الإغاثة لهؤلاء المساكين بالتفات نظر الرحمة في قوله: “أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون”.
إسقاط الدين ( (Nullifying the Debt:
يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل إسقاط الدين واعداً ظل يوم القيامة: “من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله”.
وكفى لشفافية قلب يتمالك الرحمة والرأفة رسالة قصيرة تنتمي إلى الحنون ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم يأتي بها مسالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة“، والإمام النووي رحمه الله يقدم تبياناً وافياً لكلامه صلى الله عليه وسلم: في هذا الحديث فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زلاته ويدخل في كشف الكربة تفريجها من إزالتها بماله أو جاهه أو مساعدته”.
فهؤلاء عزيزي القارئ، تبخرت أحلامهم وانطفأت أفكارهم بخلاص من المأزق ومنفذ من دائرة المعاناة، بلمسة حانية تضمد جراح قلوبهم، وهم برجاء حار في أيدي النصرة والمساعدة من التبرعات والصدقات لإعادة بناء حياتهم الكئيبة الحزينة.