قِيل، والعهدةُ على الراوي: إنَّ عابداً ممن كان قبلنا كان يتعبدُ في خيمته، فسمع جلبةً خارجَ الخيمة، فخرج فزعاً ليتدبر الأمر، فوجد نفراً من قومه يحملون عِصيّاً
قِيل، والعهدةُ على الراوي: إنَّ عابداً ممن كان قبلنا كان يتعبدُ في خيمته، فسمع جلبةً خارجَ الخيمة، فخرج فزعاً ليتدبر الأمر، فوجد نفراً من قومه يحملون عِصيّاً، ويطاردون سِرباً من الجراد وقع في فَيءِ خيمته، فعبس وجهه وشهر سيفه ونال منه الغضبُ مآربه وقال: جرادٌ احتمى بي أو بخيمتي فكيف أسلمه لكم؟ وجلس يحرسُه إلى أن تحركَ الظلُّ، وحَمِيَ الرملُ ومن ثَمَّ طار الجرادُ مغادراً، حينها قال لقومه: الآن وما تطلبون، فصار يُضرَبُ به المثل وُيقال: فلان أحمى من حامي الجراد، لله دره وما أروعه! ينهضُ شاهراً سيفه ليحميَّ جراداً لاذ بفيءِ خيمته، أيُّ خُلق هذا؟ وأيُّ جبلة فُطِرَ عليها ذاك الرجل؟
أما حكامنا وشعوبنا.. فـــ”تبّــــــاً لهم”، ويا ليتنا كنا سِرباً من الجراد وبهم نحتمي، فواقعي الأليم يشهد أنَّ المروءةَ ولَّتْ مدبرة، والأشرارُ طالتْ أعناقهم السماء، والكرامة والقدوة قد سُلبتْ من الصالحين إلا من رحم، وتحلى بها الفجرة، والصدق مهابٌ والكذبُ مروجوه كُثرٌ، والحقُّ أحنفُ وأغلى من حُمر النِّعم، واللؤم آمراً فيطاع، والجورُ يستفحلُ غالباً، والعلمُ مستوراً بل مطموساً، والجهلُ فاشياً منشوراً، والحدُّ على يد العفافِ يُقامُ، وتطولُ أيدي الخيانةِ وتطولُ، ونبصق الطهارة، ونستاكُ الإفكَ، يبيتُ الكرامُ في الخيامِ والعراء، ويعربد اللئامُ على ظهورنا، نقولُ لعدونا: اشدد على أخينا فإن بأسه شديد، نشيد الأسوار والجدرانَ، لتفضح معاصينا وعوراتنا، نهادنُ من بسياطه يلهب ظهورنا، ونتملق من يمقتنا، نحرص على حياة الهون، ونبيع فضيلة الجهاد وأواصر القربى، بثمنٍ بخسٍ، كراسي معدودات، نبتاع القهر، ونثني على من يقهرنا، نستكثر على إخواننا الهواء، ونغلق كوة النور التي تصلهم بالحياة، الكثير من ذوي القربى يبيح دمكَ ومالكَ لمجرد اختلافك معهم في أمرٍ ما، قاضي القضاة الذي يعلق فوق رأسه “العدل أساس الملك” يقضي بحبس شخص ما لمجرد إشارة بأصابعه أو حمل مسطرة، وكأن شعاره “الظلم أساس الملك”.
أهل غزة يعيشون البرد والظلام فهذا حلال ومباح، أما بني صهيون فنتصدق عليهم بالغاز والكهرباء ولا ننتظر منهم جزاءً ولا شكوراً، “حماس” التي تدافع عن شرفِ أمةٍ ووطنٍ مسلوبٍ نتهمها بالخيانة والإرهاب، أما “إسرائيل” المغتصِبة فلها حقُّ الدفاع عن نفسها بكل الوسائل حتى غير المشروعة منها، نخون ونتعمد الخيانة، فهذه، خيانة مع سبق الإصرار والترصد، فـــــ تبّـــــــاً للطواغيت، وتبّاً لنـــــا.
ومن نافلة القول؛ أنه أودع امرؤ القيس عند السموأل مالاً وسلاحاً ودروعاً، وقصد قيصر ليساعده في استرجاع ملك أبيه، ثم مات امرؤ القيس فجأة، فجاء الحارثُ الغساني – ملك كِنده -ـ يطلب السموأل بتركة امرئ القيس، فأبى السموأل أن يدفعها إلا لمستحقيها، وتحصن السموأل بحصنه حين رأى الشرَّ بادياً بعيون ملك كِنده، إلا أن الملكَ عثر على ابن السموأل خارج الحصن فقال له: إما أن تدفع إليَّ بالتركة أو أذبح ابنك، فقال له السموأل: إن ذبح ابني أمام ناظري لأهون عندي من أن تقول العربُ: لقد خان السموأل.
فذبحه الملك ومضى في سبيله، فصار يُضرب به المثل في الوفاء وتقول العرب: أوفى من السموأل، ولو كنتُ شاعراً لرثيتُ وفاء السموأل وواريته قبره وأقمت عليه مأتماً، لكن عزائي أن سرادقه سيخلو من الرجال إلا من رحم، فلسانُ حالِ الكثير يقول: لا حاجة لنا في الوفاء!
وأكاد أبكي حزناً على حكامنا وهم يبيعون الأرض ومن عليها في سبيل رضا من لا عهد لهم ولا ذمة، أو في سبيل تنصيب أولادهم، وصارت شريعتهم “إكرام المسلم حرقه”.
فأقول لهم: تبّــــــاً لكم.