مثل يوم 21 يناير الجاري منعطفاً مهماً في تاريخ مسلمي الفلبين، الذين قاوموا المستعمرين والإمبرياليين منذ الربع الأول من القرن الـ16 الميلادي.
شارك المسلمون، أمس الإثنين، في استفتاء شعبي على قانون “بانجسامورو”، الذي يمنح حكماً ذاتياً موسعاً لشعب مورو المسلم جنوبي الدولة الآسيوية.
في حال جاءت نتيجة الاستفتاء إيجابية فسيتم إلغاء منطقة الحكم الذاتي في “مينداناو” (جنوب)، ليتم بدلاً منها إنشاء منطقة “بانجسامورو” المتمتعة بحكم ذاتي واسع في “مينداناو”.
لن تقتصر النتيجة الإيجابية على هذا فقط، بل سيترتب عليها أيضاً إجراء استفتاء آخر، في 6 فبراير المقبل، لتقرير مصير مناطق أخرى تطالب بالانضمام إلى منطقة “بانجسامورو”.
نقطة التحول
رغم صعوبة المرحلة الراهنة والمقبلة لمسلمي مورو، فإن زعيم “جبهة تحرير مورو الإسلامية”، الحاج مراد إبراهيم، يصف الوضع بـ”الصعب غير المستحيل”.
فور إعلان نتائج الاستفتاء، في 22 يناير الجاري، ستتوافر إجابات بشأن أزمات عديدة قائمة في المنطقة.
لم يكن سهلاً أبداً وصول مسلمي مورو إلى محطة الاستفتاء.
نقطة التحول في تاريخ مسلمي المنطقة كانت مع قدوم المستعمرين والإمبرياليين والمبشّرين البرتغاليين/الإسبان، حيث بدأوا حركة تنصيرية استهدفت سكان المنطقة، وبينهم المسلمون.
أمام حركات التنصير الإسبانية والبرتغالية، حافظ المسلمون في جزيرة “مينداناو” على هويتهم الإسلامية طيلة قرون، وصمدوا في وجه الإسبان لأكثر من ثلاثة قرون، وأمام الأمريكيين لقرابة 50 عاماً، وفي مواجهة اليابانيين طيلة ثلاثة سنوات.
استعادة الاستقلال
حتى منتصف القرن العشرين، كان شعب مورو يعيش في دولة مستقلة خاصة، ومع إلحاقهم بالفلبين من جانب الإدارة الاستعمارية الأمريكية، باتوا “أقلية في كيان أكبر”.
بدأ شعب مورو، عبر مفاوضات سياسية، السعي إلى استعادة استقلاله، فيما سلكت مجموعات عديدة الخيار المسلح؛ بسبب تعثر المساعي السلمية.
بجانب مواجهتهم حركات التنصير، بدأ مسلمو مورو، في عشرينيات القرن الماضي، بمواجهة محاولات تغيير البنية السكانية في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، على أيدي الحكومة الفلبينية، المدعومة أمريكياً.
نتائج التغيير الديموجرافي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، عندما بات المسيحيون أغلبية في “مينداناو”، بعد أن كان المسلمون هم الأغلبية.
ولعبت جماعة “إيلاغا” المسيحية المسلحة دوراً كبيراً في إنجاز ذلك التغيير، عبر ارتكابها مجازر جماعية عديدة بحق مسلمي المنطقة بين عامي 1970 و1971، أبرزها مجزرة “مانيلي”.
اتفاق طرابلس
في العام التالي للمجاز، تأسست “الجبهة الوطنية لتحرير مورو”، بزعامة نور ميسواري، عام 1972، واستطاعت بأنشطتها المسلحة إخضاع دكتاتور الفلبين آنذاك، فرديناند ماركوس.
ففي ديسمبر 1976، تم توقيع اتفاق بين الحكومة والجبهة في مدينة طرابلس الليبية، بوساطة من الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي (1969 – 2011).
أبرز ما ساهم به الاتفاق هو تحول مسألة مورو إلى قضية دولية، حيث تدخلت فيها كل من منظمة التعاون الإسلامي وليبيا وماليزيا.
وبجانب مساهمته في إيجاد إدارة حكم ذاتي جنوبي الفلبين، أطلق الاتفاق أيضاً عملية سلام استمرت سنوات طويلة.
جبهة جديدة
لكن اتفاق طرابلس فتح في الوقت نفسه الباب أمام تشكيل “جبهة تحرير مورو الإسلامية”، التي انشقت عن “الجبهة الوطنية لتحرير مورو”؛ جراء خلافات بعضها حول اتفاق السلام.
لجأت “جبهة تحرير مورو الإسلامية” إلى السلاح كخيار للدفاع عن النفس ضد الهجمات التي استهدفت مسلمي مورو.
عُقدت لقاءات بين أطراف النزاع، وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، في 2012.
تنازلت “جبهة تحرير مورو الإسلامية” في المفاوضات، التي جرت بوساطة ماليزية، عن تأسيس دولة مستقلة في “مينداناو”، وتم الاتفاق على تأسيس منطقة حكم ذاتي تحمل اسم “بانجسامورو”.
انتخاب دوتيرتي
اكتسبت مفاوضات السلام زخماً بعد انتخاب الرئيس الحالي للفلبين، رودريغو دوتيرتي، حيث وعد خلال حملته الانتخابية بحل الأزمة.
عرضت “جبهة تحرير مورو الإسلامية” مشروع قانون “بانجسامورو” الأساسي على الرئيس دوتيرتي، وبعد مداولات، صدّق البرلمان، في يونيو 2018، على صيغة القانون النهائية، بما يمنح الحكم الذاتي لـ”مينداناو” والجزر المحيطة بها.
نتائج الحكم الذاتي
عند توقيع اتفاق طرابلس، كانت “الجبهة الوطنية لتحرير مورو” تطالب بحكم ذاتي يشمل قرابة 13 منطقة في نصف جزيرة “مينداناو”.
غير أن نقطتين سلبيتين في الاتفاق أخرتا حصول مسلمي الفلبين على الحكم الذاتي وقللتا المساحة الجغرافية لهذا الحكم.
النقطة الأولى هي عرض الحكم الذاتي على استفتاء شعبي، بعد مطالبة الجبهة بالحصول عليه بمرسوم تشريعي رئاسي.
أما النقطة السلبية الأخرى، فهي الغموض الذي يلف صياغة الاتفاق، وتأجيل حل قضايا ذات أهمية كبيرة.
وثمة جوانب إيجابية، منها اكتساب أزمة مسلمي مورو صفة دولية، والاعتراف بهويتهم، والحصول على الحكم الذاتي في نهاية المطاف.
منطقة “بانجسامورو”
في حال صدور نتيجة الاستفتاء بالإيجاب، سيتم إقامة منطقة “بانغسامورو” المسلمة المتمتعة بالحكم الذاتي الموسع في “مينداناو”، ثم التحضير لإجراء انتخابات ستؤدي بالمنطقة إلى مرحلة انتقالية.
سنويا، ستخصص حكومة الفلبين أموالا لإدارة الحكم الذاتي، وسيتم تقاسم الضرائب التي يتم جنيها من المنطقة (بين الحكومة والمنطقة)، شريطة أن يبقى الجزء الأكبر منها في المنطقة، فضلاً عن إنشاء محاكم تطبق أحكام الشريعة الإسلامية.
سيتمتع مسلمو مورو بحرية في إدارة شؤونهم الداخلية، لكنهم سيتبعون الحكومة المركزية في الشؤون الخارجية، مع منحهم بعض التسهيلات.
وستسلم “جبهة تحرير مورو الإسلامية” أسلحتها تدريجياً، بالتزامن مع إنجاز خطوات اتفاق الحكم الذاتي، لتكتمل العملية في عام 2022، وتتحول الجبهة إلى كيان سياسي خاضع لقانون الأحزاب.
ومن أبرز الملفات التي ستظهر مع تأسيس الحكم الذاتي هي كيفية التعامل مع المجموعات المعارضة لعملية السلام.