انعقد في العاصمة الصينية بكين، في 4- 6 سبتمبر 2024م، المنتدى الصيني الأفريقي في دورته التاسعة، وشهد حضوراً مكثفاً من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، وهذا المنتدى يمثل إحدى أهم الأدوات والوسائل التي يتعزز فيها الوجود الصيني في أفريقيا في ظل الصعود الصيني عالمياً كقوى عظمى منافسة في المجال الدولي، وأحد الكبار على الساحة الدولية.
وقد شارك السودان في هذا المنتدى بوفد رفيع المستوى بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، يرافقه وزراء الخارجية والمالية والنفط، والمدير العام لمنظومة الصناعات الدفاعية، وهو وفد يعكس أهمية العامل الاقتصادي، بالإضافة للبعد الدبلوماسي، وهو منبر له أهميته الكبيرة على خلفية الحرب التي يخوضها السودان ضد المليشيا المتمردة منذ مايو 2023م وحتى الآن، وفي ظل سياسة السودان للتوجه شرقاً لكسب حلفاء جدد على الساحة الدولية.
والسودان من أوائل الدول التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع الصين الشعبية منذ خمسينيات القرن الماضي عندما اعترف السودان بدولة الصين الشعبية في الوقت الذي كانت الدول الغربية تضرب عليها حصاراً دبلوماسياً وتأبى الاعتراف بدولة يمثل سكانها حوالي ربع البشرية.
وفي التاريخ الأبعد قليلاً، يكنّ الصينيون احتراماً عميقاً ويشعرون بتقدير خاص للسودانيين منذ القرن التاسع عشر، عندما تمكّن الثوار أنصار المهدي في السودان من قطع رأس غردون باشا، الحاكم العام في أواخر حكم أسرة محمد علي للسودان، عندما استرد السودانيون الخرطوم في يناير 1885م، وكان غردون قد أذاق الصينيين الأمرّين عندما كان حاكماً للصين قبل مجيئه للسودان ليلقى حتفه على يد السودانيين.
وتسعى الصين للتغلغل في القارة السمراء على حساب الوجود الغربي فيها الذي بدأ يترنح ويتراجع، ويساعد الصين على ذلك عدة عوامل، منها أن الصين ليس لها تاريخ استعماري في أفريقيا، ولم تتورط باحتلال الدول وإذلال الشعوب، وأن الصين ليست لها أي دوافع أيديولوجية ولا تحاول أن تفرض منهجاً فكرياً معيناً، رغم أنها تُحكم بواسطة الحزب الشيوعي الصيني، فإنها لا تسعى لفرض النظرية الماركسية كما كان يفعل الاتحاد السوفييتي سابقاً، ولا تحاول أن تدّعي أنها تحاول فرض الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان كما تزعم الولايات المتحدة.
وحديثاً، توطدت العلاقات السودانية الصينية في تسعينيات القرن الماضي أوائل حكم الرئيس السابق عمر البشير الذي قام بطرد الشركات الأمريكية التي كانت تنقب عن النفط في السودان، واستبدل بها الشركات الصينية التي نجحت في استخراج النفط السوداني بكميات تجارية، وانفتحت من هناك آفاق التعاون السوداني الصيني وتمددت في مختلف المجالات.
ويمكن أن يقال: إن السودان بتعاونه مع الصين قد فتح آفاقاً للصين للدخول عبر السودان إلى القارة الأفريقية فتمددت الصين انطلاقاً من السودان شرقاً في اتجاه إثيوبيا وجيبوتي، وغرباً باتجاه تشاد وغيرها من دول غرب أفريقيا.
وعلى هامش انعقاد المنتدى الصيني الأفريقي التاسع ببكين، استثمر السودان هذه السانحة في المجال العسكري، وهو من أكبر إنجازات المنتدى بالنسبة للسودان من الناحية العملية، فقد أوردت «وكالة السودان للأنباء» الحكومية على موقعها، في 6 سبتمبر 2024م: «شهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان اليوم بالعاصمة الصينية بكين على هامش مشاركته في قمة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي مراسم التوقيع على اتفاق بين منظومة الصناعات الدفاعية وشركة بولي (POLY) الصينية للتعاون الإستراتيجي في المجالات الحيوية والدفاعية، بحضور سفير السودان لدى الصين السفير عمر صديق وقيادات المنظومة والشركة الصينية.
ويأتي هذا الاتفاق في إطار الإسناد الدفاعي الفاعل في شتي المحاور العسكرية، وأن هذه العقود من شأنها المساهمة في استدامة الجاهزية الدفاعية والأمنية بالدولة، حيث وقع عن جانب المنظومة الفريق أول ميرغني إدريس سليمان، المدير العام لمنظومة الصناعات الدفاعية، فيما وقع عن جانب الشركة خويان جيمن، المدير العام لشركة بولي، الذي أكد بدوره أن هذا الاتفاق مع السودان يعزز مبدأ الشراكة الإستراتيجية التي تربط بين الصين والسودان.
وهو اتفاق له دلالته في ظل الحرب التي يخوضها السودان ضد المليشيا المتمردة منذ مايو 2023م، كما ضمن السودان الدعم الدبلوماسي الصيني الداعي لوحدة وأمن السودان في مقابل القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لعكس ذلك».
فقد أوردت «وكالة السودان للأنباء» هذه المعاني على لسان الرئيس الصيني نفسه على موقعها، في 6 سبتمبر: من جانبه أكد تساي تشي دعم بلاده للسودان في المحافل الدولية والإقليمية ورفضها للتدخلات الخارجية في شؤون السودان الداخلية، وقال: سندعم وحدة وأمن السودان.
وعبر تشي عن تقديره وشكره لرئيس مجلس السيادة على تلبية الدعوة للمشاركة في قمة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي، معبراً عن ارتياحه لمستوى العلاقات بين البلدين، لافتاً إلى أزلية علاقات الصداقة التاريخية والعميقة بين السودان والصين، مؤكداً تطلع بلاده لدفع وتعزيز علاقات التعاون في كافة المجالات، والمساهمة في إعادة إعمار وتعمير السودان بعد انتهاء الحرب.
يمكن القول: إن السودان قد خطا خطوات واسعة باتجاهه شرقاً وتعزيز التعاون مع الصين التي ردت التحية بأحسن منها، وأن ذلك سينعكس إيجابياً على السودان في ظل الحرب التي يخوضها ضد المليشيا المتمردة.
وعلى الصعيد الأفريقي، أوردت «الجزيرة نت»، في 6 سبتمبر، جملة من الفوائد التي تجنيها القارة السمراء من منتدى التعاون الصيني الأفريقي، فقد أوردت: يمثل منتدى التعاون الصيني الأفريقي الإطار العام الذي تتم فيه مناقشة المشروعات، خاصة مشروعات البنية التحتية، باعتبارها اللبنة الرئيسة التي ترتكز عليها مبادرة «الحزام والطريق»، وتُعد هذه المبادرة الرد الصيني على الإستراتيجية الأمريكية «Pivot to Asia» (التحول الأمريكي نحو آسيا)، من خلال إعادة رسم خرائط التجارة حول العالم، حيث تمثل أفريقيا النقطة المركزية، بطرق تضع الصين في مركز جيوسياسي متقدم على حساب الولايات المتحدة أو أوروبا.
منذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي، تمت عملية بناء أو تحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، و100 ألف كيلومتر من الطرق السريعة، و1000 جسر، ونحو 100 ميناء في عدد من دول القارة.
تصاعد حجم القروض الصينية
يُلاحظ منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي عام 2000م، تصاعد حجم القروض الصينية الموجهة لتمويل قطاعات البنية التحتية، التي تشمل الطرق والسكك الحديدية والموانئ ومحطات الطاقة.
وواضح هنا أن الصين تمضي بخطى حثيثة ومشاريع حقيقية على الأرض الأفريقية، وهو أمر له آثاره المستقبلية وتداعياته السياسية والإستراتيجية في ظل الصراع الدولي على القارة السمراء.