تولى الرئيس الأمريكي المنتخب «دونالد ترمب» رسمياً في العشرين من يناير المنقضي مهام منصبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وقد تزامن مع هذا التنصيب وسبقه العديد من المظاهرات والاحتجاج الضخمة التي شهدها الشارع الأمريكي؛ احتجاجاً على سياسات «ترمب» الإقصائية وتصريحاته العنصرية تجاه بعض مكونات المجتمع الأمريكي، إذ إنه سبق أن أعلن عزمه منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة باعتبارهم يشكلون خطراً على المجتمع الأمريكي، بحسب زعمه.
حول «الإسلاموفوبيا» وتصاعد الخطاب العنصري ضد مسلمي أمريكا، مع فوز «ترمب»، وأولويات العمل الإسلامي لمواجهة هذه التحديات، كان لـ«المجتمع» هذا الحوار مع د.صبري سُميْرة، أستاذ العلوم السياسية، والمحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية.
* بداية؛ هل ترون أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» تصاعدت داخل المجتمع الأمريكي منذ دخول «ترمب» سباق الرئاسة والتي انتهت بفوزه؟ وهل فعلاً بإمكانه كرئيس تطبيق تصريحاته الإقصائية ضد المسلمين؟
– حقيقة يجب أن نوضح أن «ترمب» ليس هو من بدأ مرحلة العداء والكراهية ضد المسلمين، وليس هو من وضع إستراتيجية لـ«الإسلاموفوبيا»، وإنما هو استغل هذه الحالة الموجودة من العداء للمسلمين والتي هي حقيقة تراكم لسياسة رؤساء سابقين، وهي تراكم لتفاعل اجتماعي وثقافي وأمني وسياسي مع وجود المسلمين في أمريكا، فالأمريكيون نظرتهم للمسلمين في أغلبها عنصرية، وتاريخياً وإعلامياً تجد صورة العربي والمسلم أنه متخلف وعنيف ويجري وراء شهواته ولا يزال يركب الجمال في الصحراء!
ومع هجمات 11 سبتمبر، دخل المسلمون مرحلة جديدة من الكراهية، حيث ارتفع منسوب العداء و«الإسلاموفوبيا»، وأصبح كل عنف أو شر يقع، وكل خطأ في العالم أو في أمريكا ينسب مباشرة للمسلمين والشرق أوسطيين.
وتجد أن الشيء الوحيد الذي ذكره «ترمب» أثناء مراسم تسليم السلطة رسمياً، ويتعلق بالشؤون الخارجية بصورة مباشرة، هو محاربة ما سماه الإسلام المتطرف، وهذا مؤشر إلى أي مدى وصلت الأمور.
فتصريحات «ترمب» المعادية للمسلمين ليست بداية حالة العداء للمسلمين، وإنما هو استغل حالة الكراهية لكي يجيّش مجموعة كبيرة من الأمريكيين الذين هم على درجة كبيرة من الجهل بالإسلام، ولديهم دوافع عنصرية سواء كانت عرقية أو دينية.
وأعتقد أن «ترمب» ليس قادراً على تنفيذ تهديداته ضد المسلمين، لكن قد يحدث فعلاً تضييق، لكن ليس بالصورة الكبيرة التي يتم ترويجها.
وقد ساهم طرح «ترمب» في حملاته الانتخابية ضد المسلمين في زيادة حالة العداء ضدهم، ورفع مؤشر حوادث الكراهية، إلا أنه حقيقة لا يمكن إغفال المنصفين من الأمريكيين ومن يدافعون عن المسلمين، وهذا قد فتح الباب إيجابياً للتعرف على الإسلام والمسلمين.
أما بالنسبة لتقبل الأمريكيين للإسلام، فالأمريكيون في المدن الكبرى مثل شيكاغو ونيويورك وغيرهما أكثر تقبلاً للمسلمين؛ لأن مثل هذه المدن فيها عرقيات مختلفة وأقليات متعددة، والقضايا التي تجمع الناس فيها هي قضايا حضارية؛ مثل الاقتصاد والثقافة والشباب ومكافحة الجريمة، أما المدن النائية والولايات الجنوبية والتي يندر فيها وجود المسلمين، فتجد حالة العداء والخوف من المسلمين فيها أكبر، وبالتالي تجد أن من المدن التي فيها اختلاط بالمسلمين نسبة العداء لهم أقل مقارنة بالمدن التي ليس فيها تواجد للمسلمين، وحل هذا يكون بالوصول إلى هؤلاء وتعريفهم بحقيقة الإسلام.
* ما صورة المسلمين في الإعلام الأمريكي؟ وهل ترى أن الإعلام قد يكون مؤشراً لمعدل «الإسلاموفوبيا» والعنف ضد المسلمين؟ وهل يملك المسلمون منافذ إعلامية أو تتاح لهم مساحات في الإعلام لتصحيح صورة الإسلام؟
– الإعلام الأمريكي حقيقة يغذي حالة الكراهية و«الإسلاموفوبيا» بالعديد من الأخبار المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، وعن الصراعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، ويقدم صورة العربي والمسلم أنه متخلف وعنيف ويجري وراء شهواته ويركب الجمال.
ولقراءة التناول الإعلامي فهناك احتمالان؛ الأول: أن الإعلام يعكس حالة الكراهية ضد المسلمين، والثاني: أنه قد يكون في الوقت نفسه الإعلام، وهو الممول من تيارات معادية للمسلمين، موجه لصنع هذه الحالة من العداء و«الإسلاموفوبيا» وتغذية خطاب الكراهية.
وللمسلمين محاولات في مجال الإعلام، لكنها حتى الآن متواضعة ولم تصل للمستوى الذي يمكنها من التأثير في المجتمع الأمريكي.
* لوحظ في اختيار «ترمب» لشخصيات ضمن فريقه الرئاسي أنهم من ذوي التيارات المتشددة التي صدرت عنها تصريحات عنصرية ضد المسلمين، فهل يعني هذا أن السنوات القادمة ستشهد مزيداً من حالات الكراهية والتضييق على مسلمي الولايات المتحدة؟
– على الأقل نصف من اختارهم «ترمب» في فريقه لهم مواقف سابقة معلنة ضد الإسلام والمسلمين، وتصريحات موجهة ضد ما يسمونه بالعنف الإسلامي أو التطرف الإسلامي، وهؤلاء المساعدون قد يبدو عليهم العنصرية، أو يقول بعضهم: إنه ضد الإسلام والمسلمين أو ما يسمونه بالإسلام المتطرف، لكن إلى أي مدى ممكن أن ينعكس ذلك على أرض الواقع هذا ما ننتظره، فالصورة ليست واضحة، وقد نفاجأ بأن التوقعات السلبية العالية لم تحدث.
وهذا الفريق الذي جاء به «ترمب» قد يساعد في زيادة حالة الكراهية ضد المسلمين، لكنها حسب اعتقادي لن تخرج عن الحد المقبول، وهي ستزيد أيضاً من حالة التقارب مع المسلمين والتضامن معهم.
«ترمب» بخلفيته وبحكم أنه غير سياسي وغير عسكري وغير حزبي، بل رجل أعمال يتقن بيع بضاعته، فهو سيدرس مصالح أمريكا، لكن كثيراً من تهديداته الخارجة عن السياق غير قابلة للحدوث.
* ألا يشفع لمسلمي أمريكا كونهم من الطبقات الأكثر تعليماً وأنهم أكثر تسامحاً وقبولاً للمساواة بين المرأة والرجل، وكذلك إسهاماتهم في المجتمع مثل «فضل الرحمان خان» ذلك الأمريكي المسلم من أصل بنجالي والذي عرف في أمريكا بـ«آينشتين المعمار الهندسي» ويعود له الفضل في ثورة ناطحات السحاب، وغيره من المسلمين؟
– حقيقة تنوع وثراء الجالية المسلمة تجعل العبء والمسؤولية عليهم أكبر، وتزيد من درجة حرجهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين، فكيف وهم على هذا المستوى من القدرات والمكونات؟ لماذا لم ينعكس ذلك على صورتهم مقارنة باليهود؟ حقيقة اليهود أحسنوا طرح الرؤية والمشروع لجاليتهم اليهودية، ووصلوا إلى مواقع صنع القرار المختلفة وفي كافة المجالات، لكن في المقابل لم يتبنَّ المسلمون رؤى حقيقية أو مشروعاً واضحاً وبرامج قابلة للتطبيق العملي، وإعداد قيادات أمريكية من المسلمين، في السياسة والمحاماة والفن والإعلام وغيرها كأمريكيين وليسوا كمسلمين، وبالتالي فالمسلمون مجتمع مليء بالطاقات لكنه يفتقد القيادة التي تمتلك رؤية متماسكة وواضحة.
ومن مشكلات المسلمين والتي يجب تخطيها الصراعات والمشكلات والخلافات، فهم يجلبون معهم مشكلات العالم الإسلامي، إضافة إلى مشكلات الواقع الأمريكي دون طرح حلول ناجعة لهذه المشكلات .
* برأيك بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب، ما أولويات العمل الإسلامي في أمريكا ودور المسلمين وخطواتهم الموضوعية لمواجهة«الإسلاموفوبيا»؟
– يجب على المسلمين تبني رؤى وبرامج عملية للتعايش وإعداد قيادات أمريكية من المسلمين، في السياسة والمحاماة والفن والإعلام وغيرها كأمريكيين وليسوا كمسلمين، ويجب حقيقة دعوة متخصصين مسلمين من أصحاب الفكر في علم الاجتماع والسياسة والاقتصاد وحقوق مدنية وغيرها، لوضع خطة علمية واقعية لمواجهة «الإسلاموفوبيا»، من خلال تحديد عدد من الأمور؛ كأن يفهم المسلمون أولاً: من هم؟ وما دورهم؟ وماذا يريدون؟ ولمن انتماؤهم؟ مهم جداً القراءة والفهم والتخطيط.
ولمواجهة «الإسلاموفوبيا» أيضاً، يجب أن يكون للمسلمين في الولايات المتحدة برنامج ومشروع وخطة إستراتيجية تحدد مظاهر «الإسلاموفوبيا» ومجالاتها ونسبها، ثم يتم تحديد كيفية مواجهتها بالطرق المناسبة لكل حالة بحالتها، إلى جانب طرق مواجهة عامة تناسب المجتمع الأمريكي وفئاته الحية.
جانب آخر مهم؛ وهو دعوة المختصين والمسؤولين سواء في العالم العربي أو نظرائهم من المسلمين في أمريكا، وتقديم أطروحات وأبحاث وبرامج لكيفية مكافحة «الإسلاموفوبيا» في أمريكا والعالم، وتعزيز الدفاع عن وجود المسلمين في أمريكا، وخدمة قضايا المسلمين والعرب في العالم؛ من خلال وجود الجالية المسلمة والعربية في أمريكا، عندما تكون هذه الجالية قوية وفعالة ومؤثرة في المجتمع الأمريكي.