تشهد منطقة شبه القارة الهندية اليوم تصعيدا هو الأخطر من نوعه، ورغم أنه ما زال مجرد تهديدات وحرب كلامية؛ فإن استمراره بهذه اللهجة والعنف قد يجعل المنطقة في مواجهة أسوأ السيناريوهات التي لا يرغب في رؤيتها أحد.
ويرى المراقبون أن استطلاعات الرأي حول الانتخابات الهندية التي على الأبواب كشفت أن شعبية حزب الشعب الهندوسي بقيادة رئيس الوزراء الحالي ناريندا مودي في الحضيض، وأن فرصة نجاحه مرة ثانية باتت ضئيلة جدا؛ الأمر الذي -فيما يبدو- حمله على استغلال النزاع مع باكستان حول كشمير، والصراع المحتدم في إقليم كشمير المتنازع عليه، وحوله إلى قضية وطنية ومصيرية، وشرع في تجييش المشاعر الوطنية والهندوسية ليقفوا معه صفا واحدا من أجل ضرب باكستان، وشنِّ حرب رابعة وتأديبهاعليها.
ولم تكتف الحكومة الهندية وحدها بهذا التجييش بل حركت أذرعها المتطرفة الهندوسية، وحرضتهم على ارتكاب أعمال العنف والاعتداء على السكان المحليين؛ وهو ما شرع فيه في الآونة الأخيرة حيث راحوا يطردون السكان الهنود من أصل كشميري من بيوتهم وأسواقهم في أنحاء مختلفة من الهند، ووصل الحال بالمجموعات الهندوسية المتطرفة أن قررت إنهاء تواجدهم في أحد أقاليم كشمير المتنازع عليها، وهي إقليم جامو حيث الأغلبية الهندوسية، وأشعلوا النيران في ممتلكات الكشميريين الذين يعيشون معهم منذ مئات السنين، وقرروا تطهير الإقليم منهم؛ في خطوة هي الأخطر من نوعها. وأعلن في الهند عن طرد الباكستانيين الزائرين لها فورا.
الحرب المباشرة لا يتحملها أحد
وكانت الأحزاب الهندية قد انقسمت في التعامل مع هذه التطورات؛ فإذا ما عاد حزب الشعب الهندوسي الحاكم ومعه حلفاؤه في الحكم الذين رفعوا النبرة الهندوسية المتطرفة وراحوا يحرضون الهندوس على الانتقام من المسلمين ومن السكان الكشميريين؛ فإن الأحزاب الوطنية والعلمانية لم تنجر مع ناريندا مودي في مزاعمه، واعتبرته يعيش الربع الساعة الأخيرة؛ لأنه لم يعد مقبولا في الهند ولا مقبولا شعبيا.
وفي رأي حزب الكونجرس الهندي -الخصم الرئيس للحكومة والمرشح الأكثر حظا بالعودة إلى السلطة في انتخابات 2019- فإن حزب الشعب الحاكم سيستغل النعرة الدينية لتجييش المشاعر الوطنية والدينية للهنود للاستفادة منها في الحفاظ على ما لديه من شعبية، وضمان ألا ينهزم في الانتخابات القادمة.
ورغم أن حزب الكونجرس لا يختلف عن حزب الشعب في رؤيته التقليدية عن كشمير كونها جزءا من الأراضي الهندية، ورفض التدخل الباكستاني فيها، لكنها ترفض استغلال أي أحداث عنف في كشمير سياسيا، وتوظيفها بطريقة يمكن أن يحقق منها مكاسب انتخابية وسياسية.
وكان عدد من قادة الأحزاب السياسية والشخصيات البارزة في الهند إعلامية وأكاديمية ومثقفة اعتبروا اللجوء إلى الحرب مع باكستان ستعني القضاء على مكاسب الهند، وعلى مكانتها واستقرارها.
فالحرب -في رأيهم- لم تخدم أحدا، ولن تحقق الاستقرار في المنطقة، وستجر المنطقة إلى المجهول بعد أن بات البلدان مكانتهما في القوة النووية في العالم اليوم.
ويشير عدد من القادة السابقين في الاستخبارات والقوات الهندية إلى أن ورقة الحرب لم تعد مجدية اليوم مع باكستان، وأن الحل الوحيد أمام الهند هو في الدخول في حوار مباشر مع باكستان، والبحث عن مخرج لصراعاتهم الإقليمية والحدودية، وأنها الحل الأفضل والأكثر واقعية، ويمكن من خلاله تحقيق الأمن والاستقرار في هذه البقعة من العالم.
وكانت الحكومة الهندية قد اتهمت باكستان بأنها سمحت لجماعة تدعى جيش محمد بتنفيذ هجوم مسلح في 14 فبراير2019، أسفر عن مقتل عدد كبير من الجنود الهنود، واتهمت باكستان مباشرة -ومن دون الانتظار- بأنها قدمت الدعم اللوجستي والعسكري للمهاجمين.
وكان جيش محمد المتهم بتنفيذ الهجوم قد أبلغ وسائل إعلام غربية بعد الاتهامات الهندية بأنه لا يقف وراء هذا الهجوم، ولا علاقة له به، وأنه من الشجاعة أن يتبنى أي عملية يقوم بها مقاتلوه، ولن يتردد في ذلك، وأن العملية الأخيرة لم يخطط لها على الإطلاق، وكذب الاتهامات الهندية التي تريد أن تستغل الأوضاع لتحقيق مكاسبها الانتخابية.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في أول رد له رسمي على التهديدات الهندية بشن عدوان على باكستان؛ قد اعتبر تهديدات رئيس وزراء الهند ناريندا مودي بشنه عملا عسكريا على باكستان بأنها حماقة سترتكبها الهند، وستدفع بسببها ثمنا غاليا إن هي حاولت استهداف السيادة الباكستانية.
وجاء في كلمة عمران خان أن باكستان إذا تعرضت لهجوم هندي على أراضيها، فإنها لن تعقد اجتماعا للنظر في كيفية الرد على العدوان الهندي؛ بل سترد مباشرة على الهند بنفس الطريقة والأهداف، وأنها جاهزة عسكريا ونوويا لكل الاحتمالات. وأكد أن الشروع في الحرب أمر سهل لكن عملية الخروج منها ستكون صعبة وباهظة للغاية.
ويؤكد قادة الجيش الباكستانيون السابقون -ومن بينهم الجنرال أسلم بيك، ومؤسس القنبلة النووية الدكتور عبد القدير خان- أن على الهند أن تتأكد أن باكستان عام 2019 ليست باكستان عام 1947، ولا باكستان عام 1965 ولا باكستان عام 1971، حينما اندلعت الحروب بين البلدين، وكان حينها الجيش الهندي أقوى بكثير من نظيره الباكستاني، وكان ضعف باكستان يومها أنها لا تملك السلاح النووي.
أما اليوم فلدى باكستان عشرات الرؤوس النووية ومئات الصواريخ الباليستية التي يمكنها أن تصل في جناح السرعة إلى العاصمة الهندية دلهي والعاصمة الاقتصادية بومباي، دون أن تتمكن الرادرات من كشفها.
وحذرت إسلام أباد الهند من أن أي محاولة للاعتداء عليها سيتم الرد عليها بالمثل وإحراق الهند برمتها.
وجددت الخارجية الباكستانية قولها بأن باكستان مستعدة اليوم لأي هجوم هندي، وستفشله في مهده، ولن تمنح الحكومة الهندية فرصتها في إظهار أنها قادرة على تأديب باكستان، ولن تمنحها فرصة لتحقيق مكاسبها الانتخابية والبقاء في السلطة.
ويبدو أن التهديدات لم تبق مجرد بالونات اختبار، ولا صيحات في الوادي؛ بل شرع البلدان في نقل معداتهما العسكرية على شطر الحدود بينهما، وذكرت تقارير إعلامية مطلعة أن مئات الدبابات والمدرعات والمدافع الثقيلة تصاحبها قوات كبيرة قد توجهت بالفعل إلى مناطق الحدود مع الهند، خاصة في المناطق المتنازع عليها في كشمير، والمناطق القريبة من العاصمة الهندية دلهي وإقليم البنجاب، وشرعت طائرات الاستطلاع تحلق فوق هذه المناطق في مقابل تحرك هندي مماثل على طول الحدود الشرقية مع باكستان؛ حيث تحدثت التقارير الإعلامية أن باكستان رصدت تحركا مريبا للقوات الهندية بكامل معداتها وتجهيزاتها الحربية وحتى طائراتها الحربية؛ حيث راحت تقترب من مناطق الحدود. ولا يعرف بعد النوايا الهندية من هذه التحركات، وهل هناك فعلا حرب جديدة تخطط لها الهند اليوم أم أنها مجرد عمليات تخويف وترغيب لا غير؟
الحرب بالوكالة هي المعمول بها اليوم
وما زال الخبراء في الصراع الهندي الباكستاني والمراقبون لهذا الشأن يقللون من لجوء البلدين إلى حرب رابعة بينهم، ويستبعدون فرضية أن تدخل الهند في حرب تقليدية مع باكستان، وتستولي على أراضيها، خاصة في إقليم كشمير الباكستاني الواقع على مرمى من كشمير الواقعة تحت السيطرة الهندية.
ويستبعد عامر رانا -رئيس معهد باكستان لدراسات السلام ورئيس معهد الدراسات الإقليمية البريكادير جنيد- حدوث الحرب ومخاطرة الهند بجر المنطقة إلى حرب جديدة؛ لأن توازن الرعب بات يهيمن على البلدين، وتمثله خير تمثيل الأسلحة النووية.
وفي رأيهم فإن البلدين يعرفان الخطر الذي تمثله الأسلحة النووية وخطورتها على شعب البلدين، إذ أن أقل ما سيلقى حتفه جراء استخدام النووي سوف يصل إلى مئات الآلاف من السكان في بضع ساعات، ناهيك عن الدمار المادي الذي ستلحقه الأسلحة النووية والآثار البيئية التي لن ينحصر تأثيرها على المنطقة فحسب؛ بل ستتضرر منها جميع الدول المجاورة، بما فيها منطقة الخليج؛ حيث ستتعرض البيئة لكارثة تشبه كارثة تشيرنوبيل الروسية التي أودت بحياة المئات من السكان وتلف الأراضي الزراعية ونفوذ المواشي.
ويرى الخبراء أن عقلاء البلدين سوف يمنعون الحرب، ويمنعون اللجوء إلى السلاح النووي؛ لأن الأضرار التي سيخلفها سوف تبقى لسنوات طوال وستعيد المنطقة إلى الصفر.