“كان بودي أن أبكي.. لكني ضحكت”، كلمات للشاعر الكبير نزار قباني في قصيدته الشهيرة “الخطاب”، قالها منذ سنوات طويلة مضت مختصراً بها مأساة الضاحكين في أوطاننا وهم مترعون بالبكاء.
حيلة نفسية دفاعية أتقنتها الشعوب العربية الساخرة والضاحكة قهراً، تضحك الشعوب ضحكاً كالبكاء، كما وصفه شاعر العرب الأكبر المتنبي في قصيدته واصفاً حال مصر تحت حكم العبد كافور الإخشيدي:
وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا
وتحسب الشعوب العربية في رقصها بالميادين فرحة، لكنها في حقيقتها تجسد البيت القائل:
لا تحسبوا ضحكي بينكم فرحاً فالطير يرقص مذبوحاً من الألم
لم يقرأ الممثل الأمريكي خواكين فينيكس بطل فيلم “الجوكر” كل هذه الأبيات بالطبع، وهو يقدم فيلمه صاحب أضخم إيرادات في تاريخ السينما، الذي بات إرهاصاً لثورات تطل برأسها في مختلف أنحاء العالم، من أمريكا اللاتينية للشرق الوسط.
دق الفيلم ناقوس الخطر ضد الأنظمة القمعية والطبقة الرأسمالية والليبرالية الجديدة، من خلال تقديم بطل مسحوق يعبر عن قهره المكتوم بضحكات هستيرية.
يدفع الفيلم للحياة بأبطال لم يكن من الوارد أبداً أن تصدر منهم أي بطولات، أشخاص يبدون عاديين جداً، مرضى ومضطربين، تفاجئنا تحولاتهم العنيفة والصادمة، لنجد أننا أمام ثورة فوضوية عشوائية تنفجر فجأة لتفضي إلى تحولات كبيرة للشعوب والمجتمعات، إن لم تنتبه الأنظمة والمجتمعات لإرهاصاتها.
وفوراً وُلد “الجوكر المصري”، ممثلاً في شاب يرسم على وجهه قناع الجوكر المهرج، حاملاً عبر شاشة محمول صغيرة رسائل مزلزلة، وبقوة صادمة واثقة يؤكد: “ثورتنا مبدعة، سلمية، خشنة”، عبر كلمات مقتضبة وحاسمة.
بات الشاب المصري تامر جمال الشهير بشخصية عطوة كنانة الكوميدية، بقناع المهرج البسيط، قيادة ثورية بالنسبة للكثيرين تجيد تكتيك الثورات، ليثير مخاوف اللجان الإلكترونية للنظام من ثورة قادمة منظمة، بترتيبات دقيقة محكمة معلنة.
“فقدان واحد من السباع يمثل طعنة في قلبي”، يقولها “الجوكر المصري” كقيادي قوي، تعنيه سلامة الناس، وحالم بالعدالة الاجتماعية.
يبدو “الجوكر المصري” الحديث مثل شخصية علي الزيبق على مسرح التاريخ بتلونه وأدائه الثوري الممنهج والمربك، مثل آخرين ظهروا على مسرح التاريخ الإسلامي، وقاموا بحركات ملهمة ومؤثرة أذهلت الشعوب وأربكت الأنظمة.