وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها واجب شرعي، حيث جاء الأمر صريحاً بالاعتصام وعدم التفرق، قال الله عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103)، وجعل الوحدة طريق النصر والتمكين فرغَّب فيها، ورهَّب من الفرقة وجعلها طريق الفشل والضياع، فقال عز وجل: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 64)، ويعد واقع الأمة الحالي تصويرًا لتلك الآية، فقد أدى تفرقها إلى فشلها وتكالب الأعداء عليها، ولذا فإن تحقيق وحدتها من أولى الأولويات وأجلِّ الوسائل، وهي عقيدة لا بد من الحرص على غرسها في نفوس الأطفال تربويًا لحفظ فطرتهم من أن تلوثها أسباب الفرقة.
وأطفال اليوم هم حماة الدين غدًا، هكذا نظر السلف الصالح إليهم، قال رجل للأعمش: هؤلاء الغلمان حولك! قال: اسكت، هؤلاء يحفظون عليك أمر دينك(1)، والنظر بتلك النفسية للأطفال يحث المسؤولين عنهم على أن يبذلوا قصارى جهدهم في تعليمهم وتدريبهم على كل ما يعينهم على حماية الدين مستقبلًا، ومن أهم ما يتعلمونه وحدتهم مع إخوانهم المسلمين.
وهناك عدة وسائل لغرس عقيدة وجوب وحدة المسلمين، من أهمها:
1- الاعتصام بكتاب الله تعالى:
إن القرآن الكريم هو الرابط بين قلوب المسلمين والموحد لوجهتهم، وقد أمر بالتوحد ونهى عن التفرق في أيما موضع منه، تارة بالأمر بالمباشر كما في قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، وتارة بتوجيه الخطاب للمسلمين وكأنهم نفس واحدة كما في قوله تعالى: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) (الحجرات: 11).
فالقرآن أهم وسيلة لتربية النفوس عمومًا ونفوس الأطفال خصوصًا على عقيدة وجوب وحدة الأمة، فلا بد من قراءته وفهمه، وتدبر آياته، والعناية بتطبيقه في الواقع بواجبات عملية حتى تتحقق ثمرته.
2- تعلم سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم:
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية هي التطبيق العملي للقرآن، وقد روي فيها الكثير مما يحث على وحدة المسلمين، فمن القولية ما روي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(2)، ومن العملية مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وأمثال ذلك كثير.
3- ضبط المعايير والتصورات:
بعد تعلُّم ما أمر به الكتاب والسُّنة تنضبط معايير العبد في التقييم، وتصح تصوراته عما يرضي ربه عز وجل، فتجده لا يساوي بين من أسلم وجهه لله مهما تواضعت أحواله واختلف جنسه أو لونه أو بلده، وغيره مهما بلغ غناه ورفاهيته ومنصبه، وتجده لذلك حريصًا على إخوانه، يحب لهم ما يحب لنفسه، ويصبر نفسه معهم في مراضي الله، ويتمثل فيه ما أُمر به من أن المسلمين تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم.
ومتى نشأ صغار المسلمين على هذا فلا يُنتظر لهم إلا التوحد المستوجب لكل خير عاجل وآجل.
4- فقه مقاصد العبادات:
ومتى علم الطفل أن عبادات مثل الصلاة والحج والعمرة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها هي عبادات تقوم على الاجتماع؛ شعر بتوحده وجدانيًا مع إخوانه تحت مظلة التوحيد، فكان معهم بروحه وجسده، لتحقيق هدف واحد مشترك وهو رضا خالقهم عز وجل.
ويجب الحرص على تعليم الأطفال هذا المقصد عند تعليمهم تلك العبادات، حتى تتشربه نفوسهم شيئًا فشيئًا ويتم المقصد.
5- التغذية الفكرية السليمة:
إن تربية التفكير السليم وتدريب الأطفال على حل المشكلات وسيلة مهمة في سبيل وحدة هذه الأمة، ويستعان في ذلك بمعرفة ما قصه القرآن من الصراع بين الحق والباطل، والسنن الكونية، وأسباب النهوض والسقوط، وأساليب الحوار، وتأسيس ملكة النقد، وذلك ليكون الطفل قادراً على اختيار وِجهته على بصيرة، مهما تقلبت الأحوال واضطربت.
ومن ذلك سيعلم أن التوحد بين المسلمين هي الوسيلة الأَولى والغاية الأسمى التي يجب أن يعتضد بها.
6- توظيف مواهب الطفل وقدراته في نصرة الدين:
لا بد من ربط الطفل بحال أمته بتوجيه قدراته وإمكاناته ومواهبه لغايات عظيمة تخدم الدين، وهذا من الهدي النبوي، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أصحابه، فلما وجد نجابة في عبدالله بن عباس في صغره وجهه إلى العلم، فقد روى أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ الخَلَاءَ، فَوَضَعْتُ له وَضُوءًا قالَ: «مَن وضَعَ هذا؟»، فَأُخْبِرَ فَقالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ»(3)، ووجد قدرة عند زيد بن ثابت في تعلم اللغات فوجهه إليها، فقد قال: أمرَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن أتعلَّمَ لَهُ كتابِ يَهودَ قالَ: «إنِّي واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابي»، قالَ: فما مرَّ بي نِصفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم(4)، وكان حسان بن ثابت شاعرًا مجيدًا فوجهه إلى هجاء المشركين، فقال له النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «اهْجُ المُشْرِكِينَ؛ فإنَّ جِبْرِيلَ معكَ»(6).
وقد وهب الله تعالى عباده مواهب كثيرة ومهارات عدة حتى تتكامل مع مجموعهم نصرة الدين، فليلتفت لذلك المربون ويهتموا به غاية الاهتمام حتى تتوحد الأمة على مراد خالقها.
7- التربية بالقدوة:
يجب أن يرى الطفل في أبويه الأسوة الحسنة، فيري اهتمامهم بتتبع أحوال المسلمين، ومسارعتهم في فك كرباتهم، ومشاركتهم بأفراحهم وأحزانهم، والدعاء لهم، والرحمة بهم، واللين بين يدي إخوانهم، بحيث يكون الآباء أنموذجًا عمليًا لما يزرعونه في أطفالهم بالأقوال.
8- الصحبة الصالحة:
من أشد ما يُعين على تثبيت المعاني في القلوب وعدم الغفلة عنها وجود الصحبة الصالحة التي تتبنى نفس الهمّ، فإن حصلت صحبة الخير تواترت على تذكير من حولها به طوال الوقت، ولذا تجب عناية الآباء بتوفير الصحبة الصالحة لأبنائهم حتى تعينهم على اتباع أوامر الله عامة وتثبيت عقيدة وجوب وحدة المسلمين فيما بينهم خاصة.
إن الوسائل التربوية لا تعد ولا تحصى، وعلى كل أسرة أن تتخير ما يناسبها وفقًا لظروفها وأحوالها وعلمها بطبيعة طفلها، ولكن تبقى هذه الوسائل المذكورة مما لا يستغني عنه المربي، وكلما زادت همة المربي وتقديره لدوره وقيمة ما يغرسه في طفله من عقائد وأثرها عليه؛ استغل كل فرصة فنوَّع بين الوسائل لتثبيت المعاني بطرق مبتكرة كي لا تمل نفس الطفل، ويكفي المربي شرفًا أن يكون ممن لا ينقطع عمله عند موته بفضل تربيته ولدًا صالحًا ينفع الله به الأمة.
__________________
(1) حلية الأولياء (5/ 52).
(2) رواه البخاري، ومسلم.
(3) رواه البخاري، ومسلم.
(4) أخرجه أبو داود، والترمذي واللفظ له، وأحمد باختلاف يسير، وصححه الألباني.
(5) رواه البخاري، ومسلم.