{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً {4} وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {5} قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً {6}}(الفرقان).
دعونا من هذه الترهات التي ردّدها – ولا يزال – الجاهليون القدماء والجدد، ولنفترض أن محمداً تلقى كتابه عن الآخرين من أهل الكتاب، فمن الذي أعطاه القدرة التي تتجاوز الحدود البشرية بكل المقاييس، على إخضاع الكتب الدينية السابقة بخصوص المعطيات المعرفية، للاختبار الدقيق الصارم في ضوء كشوف لم يزح عنها النقاب وتدخل دائرة الضوء إلاّ بعد ثلاثة عشر وأربعة عشر قرناً من اللقاء المزعوم بين محمد “صلى الله عليه وسلم” وبين أهل الكتاب!
إن الباحث الفرنسي المعاصر «موريس بوكاي» في دراسته المقارنة للكتب السماوية الثلاثة، والتي استغرقت عشرين عاماً، وصدرت ترجمتها العربية بعنوان «القرآن والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة» عن دار المعارف في القاهرة – 1978م، يمارس مهمته كما يقول بعقل علماني ملحد لا يؤمن بأي من الأديان ولا يسلّم بكتبها، ولكنه يخلص إلى جملة من الحقائق والاستنتاجات هذه بعضها: «لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة، باحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث، وكنت أعرف قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات، أن القرآن يذكر أنواعاً كثيرة من الظواهر الطبيعية، ولكن معرفتي كانت وجيزة، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أي مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث، وبالموضوعية نفسها قمت بالفحص نفسه على العهد القديم والأناجيل.
أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي سفر التكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا، وأما بالنسبة للأناجيل فإننا نجد نص «إنجيل متى» يناقض بشكل جلي «إنجيل لوقا»، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحةً أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة» (ص 13).
«لو كان كاتب القرآن إنساناً، كيف استطاع في القرن السابع الميلادي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق مع المعارف العلمية الحديثة، في الخلق وعلم الفلك، وعلوم الأرض والحيوان والنبات، والتناسل الإنساني التي تعكس التوراة أخطاء علمية ضخمة بشأنها؟ ليس هناك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو فعلاً النصّ الأوّل نفسه، ما التعليل الإنساني الذي يمكن أن نعطيه لتلك الملاحظة؟ في رأيي ليس هناك أي تعليل، إذ ليس هناك سبب خاص يدعو للاعتقاد بأن أحد سكان شبه الجزيرة العربية استطاع – يومها – أن يملك ثقافة علمية تسبق بحوالي عشرة قرون ثقافتنا العلمية فيما يخص بعض الموضوعات» (ص 145).
«كيف يمكن لإنسان – كان في بداية أمره أمياً – أن يصرح بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكوّنها، وذلك دون أن يكشف تصريحه عن أقل خطأ من هذه الوجهة» (ص 150).
«مقارنة العديد من روايات التوراة مع روايات الموضوعات في القرآن نفسه تبرز الفروق الأساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علمياً وبين مقولات القرآن التي تتوافق تماماً مع المعطيات الحديثة، وعلى حين نجد في نص القرآن معلومات ثمينة تضاف إلى نص التوراة، نجد فيما يتعلق بموضوعات أخرى فروقاً شديدة الأهمية تدحض كل ما قيل من ادّعاء – دون أدنى دليل – على نقل محمد “صلى الله عليه وسلم” للتوراة، حتى يعد نصّ القرآن» (ص 258 – 286).
هذه التأشيرات الأربع تكفي من بين عشرات غيرها لن يتسع لها المجال، والأفضل ألا يتسع، إذ ليس مقبولاً أن يضيّع المسلم الجاد وقته وجهده في الردّ على ترهات كهذه، وهي ترهات مارسها الجاهليون القدماء والطائفيون الجدد والتي يسميها القرآن باسمها الحقيقي: «الظلم والزور»!