تهمة صدمت الكثيرين
يوماً بعد يوم تتكشف أمام الجميع أبعاد قضية مرسي والانقلاب عليه فقد رد قائد الانقلاب – الذي يتربع على عرش السلطة في مصر بعد أن أصبح رئيساً بانتخابات قاطعها أغلب مؤيديه قبل معارضيه – أن ما قام به من عزل لأول رئيس شرعي منتخب محمد مرسي كان بسبب سياسات الأخير, وعدم قدرته على تلبية مطالب الشعب, ثم بدأ عنقود التهم يتوالى؛ إعلامياً قبل أن يكون قضائياً, ووصلنا إلى تهمة مثيرة وغريبة تمثلت في “التخابر مع حركة المقاومة الإسلامية حماس”.
تهمة صدمت الكثيرين؛ لأن حماس التي ظل المصريون يرددون أناشيد تمجد فيها, وفي موقفها تجاه العدو الصهيوني أصبح التعامل معها خيانة والتواصل معها تخابراً .
إلا أن الإعلام نجح بشكل أو بآخر في إيصال عدة رسائل أدت في النهاية إلى اقتناع البعض بهذه الفرضية الخبيثة, ومن هذه الفرضيات
– حماس تحصل على الغاز المصري: وهو الادعاء الذي استخدم كهدف رئيس يتمثل في إلهاء الناس عن الفاعل الأساسي الذي كان متسبباً في كارثة الغاز في مصر والمفتعلة أيام حكم مرسي.
– حماس دخلت الحدود المصرية وهربت مساجين: وهذا الادعاء والذي يحاكم فيه الرئيس مرسي, استهدف إبراز حماس على أنها مجرمة إرهابية, لا يهمها قانون أو عرف, وربما كان ذلك للاستفادة منه عندما تحين لحظة اجتياح غزة من قبل النظام المصري.
– حماس ترغب في دعم موقفها السياسي على حساب شعبها؛ حيث ظلت القنوات كلما جاءت سيرة حماس تتناولها على أنها مجموعة من المنتفعين ليس لهم شاغل سوى الكرسي مثال ما عرضه وهي تصريحات اشترك في تداولها إعلاميون وكتاب وبرلمانيون محسوبون على النظام الانقلابي الحالي “انظر تصريح عادل شعلان، عضو مجلس الشعب السابق بتاريخ 16 يوليو 2014م، وأيضاً أحمد العناني عضو الهيئة العليا لحزب المصريين الأحرار بتاريخ 15 يوليو 2014م”.
– حماس تتحالف مع الكيان الصهيوني, وتريد فقط إحراج العرب ومصر خاصة في مقابل أنها تحصل على مساعدات ومعونات تحت ذريعة إنقاذ شعبها وحقيقة هذه التهمة كانت الأسوأ والأغرب في نفس الوقت.
ولذلك فإن محاكمة مرسي بتهمة التخابر مع حماس لم تكن ذات صدى أو أثر سوى على قطاع معين من الشعب والغالبية للأسف تأثرت بالإعلام المصري خاصة في ظل دعم بعض وسائل الإعلام في دول عربية أخرى لهذه الإدعاءات.
تساؤل
لكن التساؤل المطروح هو لماذا حوكم مرسي بهذه التهمة؟ لماذا يسعى الانقلاب للترويج لتهمة كهذه برغم أن النظام المصري حتى في أيام مبارك؛ الأب الروحي للنظام الحالي لم تكن المواجهة مع حماس بهذا الشكل ولم يكن من الممكن اتهام أحد بهذه التهمة؟
هذا التساؤل يرد عليه بأن:
– النظام الانقلابي أراد خلق حالة من العداء الشديد ضد فكر بأكمله في جميع أركانه, وأوضح أنه أراد نهجاً أكثر مواجهة ودموية من الأنظمة السابقة التي أرادت تدميرها, والقضاء على فكر الإخوان, ولذلك هو يواجه الإخوان في “غزة وليبيا وتونس …”
– لا يخفى على أحد حجم وقوة النظام الأمريكي وحليفته وفتاته المدللة إسرائيل في تشكيل وتكوين الأنظمة في العالم العربي, وبالتالي فهو بمثابة تقديم بادرة للعمل المشترك مع هاتين القوتين عبر سحق الإخوان فكرة, وتدمير حماس المقاومة, وقد تحدث الكثيرون عن أن من يدير الموضوع هم الصهاينة, وهذه التهم دليل على ذلك وإلا كيف لمصر بتاريخها في المساعدة لتأسيس المقاومة وهي التي قادت العرب من أجل قضية فلسطين أن تحاكم اليوم أحد رؤسائها بأنه كان يدعم تلك المقاومة إنها تهمة لا يمكن أن يضعها سوى الصهاينة.
– لقد أذيع ونشر الكثير من الأخبار التي تناولت التواصل المستمر بين قيادات من النظام المصري الحالي قامت بزيارة للكيان, وذلك قبل وأثناء تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر, وكان واضحاً في مواقف عدة أن مصر تريد علاقات مفتوحة مع الكيان, وأن تطوي صفحة القطيعة متناسية دماء أبنائها, ومتناسية النظرة العربية للكيان كمحتل مغتصب, وأنه تهديد أمني وأكبر مثال على ذلك السعي للحصول على الغاز الإسرائيلي والحديث الدبلوماسي المنمق عن الكيان, بل وحديث الصحف عن دعم صهيوني للسيسي في المحافل الغربية خاصة الضغط لصالح صفقات سلاح, واعتراف دولي بالانقلاب.
المقاومة تضبط البوصلة
إن ما شهدته الأيام الماضية من انحطاط إعلامي تجاه ما تقوم به المقاومة ومحاولة تشويهها وإضعافها لم يكن أمراً عفوياً, بل سياسة وإستراتيجية وجدت للأسف من يقوم على تنفيذها من أبناء العالم العربي والإسلامي، إلا أن القسام وبتوفيق إلهي استطاعت عبر إستراتيجيتها وقدرتها أن تضبط البوصلة وتصحح المفاهيم وقد نجحت فعلياً أن ترسم البسمة والأمل على وجوه الكثيرين وتأكد على أن المقاومة حق وليست إرهاباً.
وما حدث خلال الأيام الماضية ومنذ العدوان الأخير الذي وقع على غزة منذ أكثر من أسبوعين, فقد تكشفت الكثير من الحقائق خاصة عن علاقة الرئيس مرسي بحركة حماس, ولماذا تحول لمتهم في قضية هي بالنسبة للمسلمين والعرب أمر شرعي ضروري ليس علي مرسي فقط بل على كل الحكام:
– قوة المقاومة وعدتها وعتادها دفعت نحو تحقيق نتائج وانتصارات جعلت حماس تحسم المعركة حتى الآن لصالحها.
– قوة المقاومة وما وصلت له من إعداد وعتاد أثبت أن فترة حكم مرسي كانت نصراً للأمة؛ حيث منحت المقاوم القدرة على المواجهة وإحراج بل وإذلال العدو.
– لم يعد أكثر المتطرفين ضد حماس يستطيع أن يرسم تلك الصورة التخاذلية المقيتة عن المقاومة وحماس منها فقط أثبتت حماس أنها تقاوم عدواً متغطرساً, وأنها تملك السبل والطرق لإذلاله.
– اضطرت مصر التي أعلنت عبر محاكمها حماس جماعة إرهابية والإخوان فكر خطر على الأنظمة أن تتواصل مع حماس, وتقبل بشروطها في المبادرة المعيبة التي صاغتها وبعدها عادت لتطلب الجلوس من أجل إرضاء حماس.
وأخيراً أختم بمقولة د. سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية في تعليقه الساخر الواقعي على الأحداث؛ حيث قال: ” المضحك في الأمر أن الذين يدعمون إسرائيل علناً هم أنفسهم الذين يتهمون المعارضة بالعمالة للصهاينة !”