افتتح حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح صباح اليوم دور الانعقاد الثاني لمجلس الأمة الخامس عشر، بحضور سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ونواب المجلس.
وافتتحت الدورة بتلاوة آيات قرآنية من سورة “الإسراء”، تلاها النطق السامي لسمو الأمير حفظه الله ورعاه، أكد فيها أن الالتزام بالدستور في الكويت ثابت، والإيمان بالعمل البرلماني راسخ، قائلاً: “أنا من يحمي الدستور ولن أسمح بالمساس به”؛ لأنه الضمان الأساسي بعد الله سبحانه وتعالى للوطن.
وأضاف سمو أمير البلاد خلال افتتاحه دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الخامس عشر في مجلس الأمة، اليوم الثلاثاء، أن التطورات والتحديات الإقليمية جعلت من تصويب العمل البرلماني استحقاقاً وطنياً لتعزيز أهم مكتسباتنا الوطنية.
وأكد سموه أن على الجميع أن يدركوا أن الهدف الأوحد لدولة الكويت من الوساطة الخليجية إصلاح ذات البين وترميم البيت الخليجي “الذي هو بيتنا وحمايته من الانهيار”.
وقال: إن وساطة الكويت ليست مجرد وساطة تقليدية يقوم بها طرف بين طرفين “نحن لسنا طرفاً بل طرف واحد مع شقيقين”، مشيراً سموه إلى أن الأزمة الخليجية “خلافاً لتمنياتنا وآمالنا تحمل في طياتها احتمالات التطور، ويحب أن نكون على وعي كامل بمخاطر التصعيد بما يعنيه ذلك من تداعيات إقليمية ودولية تعود بالضرر على الخليج وشعوبه”.
ولفت سموه إلى أن التاريخ وأجيال الخليج القادمة والعرب لن تغفر لكل من يسهم ولو بكلمة واحدة في تأجيج هذا الخلاف، أو يكون سبباً فيه، مشدداً على أن مجلس التعاون هو بارقة أمل وواعدة في ظلام العمل العربي والشمعة التي تضيء النفق الطويل ونموذج يجب أن يحتذى في التعاون.
وأكد سموه وجوب الالتزام بنهج التهدئة وتجنب التراشق سعياً إلى تجاوز هذه الأزمة “فما يجمعنا أقوى مما يفرقنا.. فلنتق الله في أوطاننا ونسأل الله تعالى أن تهدأ النفوس لأن مجلس التعاون قلعة راسخة وراية عز وأمان وازدهار”.
وقال سموه: مجلس التعاون الخليجي الشمعة التي تنير الطريق الطويل عبر التعاون البناء.
وقال: مسيرتنا الوطنية التي تسعى للتنمية المستدامة تهددها مخاطر خارجية صعبة.
وقال سموه مخاطباً النواب: إنني على ثقة بإدراككم ووعيكم بالمخاطر والتحديات الماثلة وحمل المسؤولية.
ولفت سموه إلى أن البعض اتخذ وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة الفتن والبغضاء ما يستوجب اتخاذ الإجراءات المناسبة ضدها.
وخاطب سموه المواطنين قائلاً: غايتي في هذه الدنيا ورسالتي في هذه الحياة أن أعمل ما استطعت إلى ذلك سبيلاً لرفعة الوطن الكريم.
وفي كلمة لرئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم قال فيها: الأزمة الخليجية هي الشغل الشاغل لنا، وما تعرض له مجلس التعاون الخليجي من اهتزاز أمر صادم لنا.
وأضاف: مجلس التعاون أعظم منجز تاريخي، وهو حصننا المنيع وأسرتنا الكبيرة.
وتابع: كنت يا سمو الأمير سبّاقاً؛ إذ ما كادت الأزمة الخليجية تلقي بظلالها حتى سارعت إلى العمل على احتوائها وأعلنت الوساطة التي حظيت بدعم دولي.
وأوضح الغانم: لسنا نفترض ألا يقع خلاف بين الأشقاء، لكننا نفترض إن وقع أن نبادر إلى معالجة أسبابه وسد منافذه وأبوابه حتى تعود المياه إلى مجاريها.
وقال: هناك العديد من الاستحقاقات التي أصبحت هماً يشغل بال المواطنين وهاجساً لا يغيب عن خاطرهم.
وأضاف الغانم: علينا إيقاف الهدر وتطوير العمل المؤسسي والبنية التحتية والارتقاء بالخدمات.
وقال الغانم: رسالتنا إلى شعبنا الكريم أولاً وحدتنا الوطنية وهي خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه.
وأشار إلى أن نواب الأمة معنيون بالتعاون مع السلطة التنفيذية بما يخدم مصلحة المواطن، وقال: نواب الشعب هم وكلاؤه المراقبون لحكومته، وهم معنيون بتجديد روح التعاون مع السلطة التنفيذية.
كما أشار الغانم في كلمته إلى أن سمو الأمير لم تنسه هموم مجتمعه العربي وعالمه الإسلامي، فلم يغب عن نظره ما يحدث في سورية والعراق والروهنجيا وغيرها، وكذلك لم يفارق دائرة اهتمامه المسجد الأقصى السليب، ومسرى الرسول الحبيب، الذي حل من نفسه، محل نبضه من قلبه.
وقال: وحين قمنا نحن ممثلي مجلس الأمة، أبناءَ الشيخ صباح الأحمد، وتلاميذ مدرسته بما يمليه علينا واجبنا الإيماني، وضميرنا الإنساني، وإباؤنا العربي، من نصرة قضية الروهنجيا والتصدي الرادع، لممثل الكنيست المتطاول، حين قمنا بذلك تلقينا على الفور، رسالة عزيزة كريمة، هي أغلى رسالة تصلنا، من أغلى إنسان ارتبطت به مشاعرنا، نزلت برداً وسلاماً على قلوبنا، وأشعرتنا كم هو إنسان عظيم من أرسلها إلينا، ومنَّ بها علينا، إنها رسالة سمو أمير البلاد، التي عكست دقة متابعته، وكريم عنايته، وعظيم تفاعله، ونبل نفسه.
وفي كلمته، أكد سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك أنه لا انتماء إلا للكويت، وهي وطننا ونتعاون جميعاً على بنائها.
وقال المبارك: التحديات المحيطة حولنا تطال الوطن العربي بأكمله، والكويت في قلبه، وقال مخاطباً الأمير: نعاهد الله ونعاهد سموكم على الحفاظ على الكويت وشعبها.
وأشار إلى التطورات الإقليمية من حولنا وما لها من انعكاسات على أمن البلاد تتطلب منا التماسك والتكاتف والعمل معاً على حماية وحدتنا الوطنية من مخاطر الفتن.
وقال: لا بديل عن التعاون الجاد بين المجلس والحكومة لتحقيق المصلحة العامة، مؤكداً أننا مستمرون في مواجهة مرحلة عصيبة ما يستوجب منا المزيد من الحكمة، وعازمون بصدق على استمرار التعاون البناء بين الحكومة والمجلس.
ولفت إلى أن اختيار الكويت عضواً دائماً في مجلس الأمن يعكس تقدير واحترام العالم لجهودها.
وبين أن الساحة المحلية لن تكون بمنأى عما يحدث في منطقتنا، والواقع الجديد يستوجب قراءة واعية وفكراً جديداً وعملاً جاداً لتحقيق الإنجازات المنشودة لمجتمعنا.
وأكد أن الكويت ستظل كعهدها في سياستها الخارجية الراسخة وفي مقدمتها احترام سيادة الدول واحترام حسن الجوار وحقوق الإنسان.
نص النطق السامي لسمو الأمير:
بسم الله الرحمن الرحيم (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) صدق الله العظيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..
إخواني وأبنائي رئيس وأعضاء مجلس الأمة المحترمين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أحيكم بتحية من عند الله طيبة ومباركة ويسرني أن نلتقي اليوم لافتتاح دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الخامس عشر لمجس الأمة ضارعا إلى الله العلي القدير أن يلهمنا جميعا السداد ويهدينا سواء السبيل ويهيئ لنا من أمرنا رشدا ويوفقنا لأداء واجبنا لرفعة الوطن وخير المواطنين.
الإخوة رئيس وأعضاء مجلس الأمة المحترمون..
إن مسيرتنا الوطنية التي تحث الخطى سعيا إلى تحقيق التنمية المستدامة الشاملة تهددها أخطار خارجية جسيمة وتعترضها تحديات داخلية صعبة.
أما الأخطار الخارجية فهي الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة والصراعات الطائفية التي تدور رحاها غير بعيد عنا بل أصابنا بعض آثارها.
ونحن في الكويت هذا البلد الآمن نحمد الله ونشكره على نعمة الأمن والأمان والاستقرار والرخاء التي ننعم بها والتي يتوجب علينا دائما استذكارها والمحافظة عليها وعلينا أن لا نغفل لحظة واحدة عن النيران المشتعلة حولنا والمخاطر التي تهدد مسيرتنا والكوارث التي تطرق أبوابنا.
واجبنا جميعا وعلى وجه الخصوص أنتم في مجلس الأمة العمل على حماية وطننا من مخاطر الفتنة الطائفية وتحصين مجتمعنا ضد هذا الوباء الذي يفتك بالشعوب حولنا واجبنا جميعا الحرص على وحدتنا الوطنية وصيانتها وتعزيزها فهي عماد الجبهة الداخلية ودرعها الواقي وسورها الحامي.
الأخوة رئيس وأعضاء المجلس المحترمين إن الأمن هو الأساس الذي تعتمد عليه وتنتظم حوله سائر الاهتمامات والخدمات وإذا انعدم الأمن تتعطل الحياة العامة.
فليكن أمن الكويت واستقرارها هو الهم الأول والشغل الشاغل لنا جميعا ولتكن وحدتنا الوطنية غايتنا الأولى وهدفنا الأعلى.
قد تختلف مشاربنا وتتنوع أصولنا وتتعدد طوائفنا ولكن الوطن والولاء والانتماء واحد هو الكويت.
وأما التحدي الثاني الذي يعترض مسيرتنا الوطنية فهو ضرورة بل حتمية إصلاح اقتصادنا الوطني الذي يعاني اختلالات هيكلية صارخة أولها الاعتماد على مورد طبيعي وحيد وناضب هو النفط والأعباء والتداعيات التي يفرضها سوق النفط وتقلباته ارتفاعاً وانخفاضاً رواجاً وكساداً.
ولذا فإن برنامج الإصلاح الاقتصادي يجب أن يحقق تنويع مصادر الدخل وتعزيز الإيرادات غير النفطية وينصرف إلى تطوير العنصر البشري الكويتي تعليماً وتدريباً وتأهيلاً ويستهدف ترشيداً حقيقياً جاداً للإنفاق العام ومعالجة مواطن الهدر فيه وتحسين كفاءة الأداء الحكومي لبناء مستقبل جديد واعد لكويتنا التي نتمنى وأن نتعاون كلنا على بنائها وترسيخها ورفع قواعدها.
وبالنظر إلى هذه التطورات والمستجدات الاقتصادية فإنه من المستغرب بل المستهجن أن نشهد طروحات ومشاريع لا تخدم جهود إصلاح الاقتصاد الوطني بل تعارضها وتوهنها وتضر بمصالح البلاد.
إخواني وأبنائي.. أمام تطورات العصر وتحدياته وإزاء ما أستشعره من قلق المواطنين تجاه حاضر وطنهم ومستقبله أصبح تصويب مسار العمل البرلماني استحقاقاً وطنياً لا يحتمل التأجيل وعليكم مسؤولية المبادرة لإجراء هذا التصويت من أجل صيانة وتعزيز أهم مكتسباتنا الوطنية.
لقد أكدت بأنني من يحمي الدستور ولن أسمح بالمساس به فهو الضمان الأساسي بعد الله لأمن الوطن واستقراره فالتزامنا بالدستور ثابت وإيماننا بالنهج الديمقراطي راسخ وأنني على يقين بأنكم جميعاً مجتهدون وحريصون على مصلحة وطنكم ولكنكم بما تحملونه من أمانة المسؤولية وثقة أهل الكويت الكرام مطالبون بوقفة تأمل وتقويم لمسيرتنا الديمقراطية ومعالجة سلبياتها ومظاهر الانحراف فيها بما انطوت عليه من هدر للجهد والوقت وتبديد للإمكانيات والطاقات وبما حملته من بذور الفتنة والشقاق، عليكم أن تتبصروا خطواتكم قبل أن تضل الرؤية وتغيب الوجهة وترتبك معايير الحق والباطل وتضيع المصلحة العامة.
نقولها بكل إيمان وإصرار: نعم للمراقبة المسؤولة نعم للمساءلة الموضوعية نعم للمحاسبة الجادة التي يحكمها الدستور والقانون وتفرضها المصلحة الوطنية كما آن للممارسة النيابية أن تنضج وآن للجميع أن يدركوا خطورة الأوضاع الراهنة سياسياً وأمنياً واقتصادياً وأن ينعكس هذا الوعي على ممارساتهم قولاً وعملاً.
الإخوة رئيس وأعضاء المجلس المحترمون..
خلافا لآمالنا وتمنياتنا، فإن الأزمة الخليجية تحمل في جنباتها احتمالات التطور وعلينا جميعاً أن نكون على وعي كامل بمخاطر التصعيد بما يمثله من دعوة صريحة لتدخلات وصراعات إقليمية ودولية لها نتائج بالغة الضرر والدمار على امن دول الخليج وشعوبها.
ولذلك يجب أن يعلم الجميع بأن وساطة الكويت الواعية لاحتمالات توسع هذه الأزمة ليست مجرد وساطة تقليدية يقوم بها طرف ثالث بين طرفين مختلفين نحن لسنا طرفاً ثالثاً بل نحن طرف واحد مع الشقيقين الطرفين هدفنا الأوحد إصلاح ذات البين وترميم البيت الخليجي الذي هو بيتنا ونتحرك لحمايته من التصدع والانهيار، إن التاريخ وأجيال الخليج القادمة بل أجيال العرب جميعاً لن تنسى ولن تغفر لمن يسهم ولو بكلمة واحدة في تصعيد وتأجيج هذا الخلاف ويكون سبباً في انهيار هذ الصرح الجميل.
إن مجلس التعاون الخليجي بارقة أمل واعد في ظلام الليل العربي الشمعة التي تضئ النفق الطويل الذي يرقد فيه العمل العربي المشترك ونموذج جدير بأن يحتذى للتوافق والتعاون البناء في الوطني العربي الكبير، وإن تصدع وانهيار مجلس التعاون هو تصدع وانهيار لآخر معاقل العمل العربي المشترك، وهنا أدعو إخواني المواطنين إلى التزام نهجنا في التهدئة وتجنب التراشق العبثي سعياً لاحتواء هذه الأزمة وتجاوزها بعون الله، فإن ما يجمعنا أكبر وأقوى بكثير مما قد يفرقنا، فلنتق الله في أوطاننا، ولندعُ الله جميعاً بأن تصفو القلوب وتهدأ النفوس وتلتئم الجروح ليكون مجلس التعاون الخليجي صرحاً شامخاً وقلعة راسخة وراية عز وأمان وازدهار.
الإخوة رئيس وأعضاء المجلس المحترمون..
من المؤسف والمؤلم أن البعض أساء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي – تحت ذريعة حرية الرأي والتعبير – وهو ما لا نقبل المزايدة بشأنه واتخذوها وسائل لبث الأحقاد والسموم وإثارة الفتن والعداوة والبغضاء وتأليب الرأي العام والإساءة إلى حكومات وشعوب الدول الأخرى فصارت هذه النعمة نقمة وخطرا يهدد الأمن الاجتماعي وقيم المجتمع وأخلاقه ويوهن الوحدة الوطنية ويصدع الجبهة الداخلية.. ما يستوجب الإسراع بوضع حد لهذا التخريب المبرمج عبر الآليات المناسبة في إطار القانون وبما يحفظ لمجتمعنا ثوابته ومكتسباته.
أود في الختام أن أوجه من هذا المنبر كلمة إلى أحبائي أهل الكويت أتحدث إليهم حديث الأب المحب لأبنائه.
غايتي في هذه الدنيا ورسالتي في هذه الحياة أن أعمل – ما استطعت إلى ذلك سبيلاً – لرفعة هذا الوطن الكريم وإسعاد أبنائي أهل الكويت هذا الشعب الوفي الذي كان للنوائب درعاً لوطنه والذي كان في الملمات سنداً لقيادته وذلك رداً لجميله وتقديراً لوفائه.. (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
إنني على ثقة تامة بإدراككم ووعيكم بالمخاطر والتحديات الماثلة وبحرصكم على حمل الأمانة الغالية والمسؤولية الجسيمة وتجسيد التعاون المأمول بين المجلس والحكومة لفتح صفحة جديدة ترتقي لمستوى الآمال والطموحات التي يعلقها عليكم أهل الكويت وتتجاوز كل العثرات لتظل كويتنا الغالية كما عهدناها منارة للحضارة وواحة للعز والأمن والازدهار أسأل الله لكم جميعاً السداد والتوفيق، إنه نعم المولى ونعم النصير، (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا).