من الأمثلة المعاصرة التي تدلل على خطر الحرب النفسية
من الأمثلة المعاصرة التي تدلل على خطر الحرب النفسية:
في أوروبا استخدم الإسبان أساليب الحرب النفسية عام 1519م حيث استخدم “كورتيز” الإسباني الذي غزا المكسيك عام 1519م استخدم الخيل لنشر الإرهاب النفسي في صفوف أعدائه.
ومثل هذا يذكر في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ اعتمدتا على النواحي النفسية، بشكل كبير وملاحظ.. فقد شهدت الحرب العالمية الأولى تحول الحرب النفسية من وسيلة عرضية إلى آلة عسكرية رئيسة، وقيل: إن الدعاية بين الجانبين المتضادين، بأن القتال عنيف، فاحتلت الدعاية مكانة الصدارة في الحرب عن طريق وسائل الاتصال المختلفة، كما كانت جهود الحرب النفسية لكل من الدول المقاتلة، البديل المباشر غير السياسية في أيام السلم، حيث أنشأت وزارة الخارجية البريطانية عام 1914م مكتباً للدعاية، ولكن نتيجة للصعاب التنظيمية، أصبح لدى البريطانيين في نهاية الحرب وكالتان منفصلتان:
الأولى: تتكون من وزارة الاستعلامات، وإدارة المخابرات.
والثانية: لجنة خاصة لأغراض الحرب، وتقوم بأعمال الحرب النفسية، كما كان لأمريكا في الحرب العالمية الأولى هيئتان للدعاية، هما الوكالة المدنية للمعلومات، والوكالة العسكرية، وفيها قسم للدعاية والحرب النفسية.
كما استخدمت بعض الدول الإذاعات وسيلة فعالة في القيام بأعمال التشويش ضد إذاعات الدول المعادية، فسعت تلك الإذاعات إلى جذب انتباه عدد كبير من المستمعين والتأثير عليهم، وتطورت هذه الوسيلة إلى ما يمكن أن نسميه “حرب الإذاعات”، هذا بالإضافة إلى استخدام وسائل النشر في عمليات الدعاية، والحرب النفسية، بين الدول المتحاربة، حتى دعا الأمر الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت إلى إنشاء إدارة خاصة بمعلومات الحرب لتتولى السيطرة على كل الدعايات المحلية والخارجية والرد عليها (1).
وعرفت الحرب النفسية مجموعة تعريفات، منها:
الحرب النفسية: “حرب هجومية بخوضها جيش بأسلحة فكرية وعاطفية؛ من أجل تحطيم قوة المقاومة المعنوية، في جيش العدو، وفي السكان المدنيين، وتخاض هذه الحرب للتقليل من نفوذ العدو في أعين الدول المحايدة” (2).
وعرفت أيضاً بتعريف آخر، وهو تعريف أحمد بدر: “بأنها الكلمات والأفعال التي توهن من تصميم العدو على القتال بإضعاف روحه المعنوية، أو إجراءات تهدف إلى شل إرادة الخصم وتحطيم رغبته في القتال، بإيصاله إلى وضع لا يرى فيه أي أمل للنصر” (3).
أما أهداف الحرب النفسية، فيمكن إجمالها بالآتي:
– بث اليأس والإحباط في نفوس الصف المعادي، وخفض قوة العدو بإضعاف روحه المعنوية، حتى يقع في شرك الهزيمة، ويشعر بأن إمكانية الثبات أو النصر، أو حتى المواجهة مستحيلة.
– تغيير الفكر والاتجاه والقيم والمعتقدات، تغييراً من شأنه أن يحقق الكسب لمن يوجه الحرب النفسية، والخسارة لمن تمارس عليه.
– تشجيع أفراد القوات المعادية على الاستسلام.
– زعزعة إيمان العدو بمبادئه وأهدافه، وذلك عن طريق إثبات استحالة تحقيق هذه المبادئ أو الأهداف، وتصويرها على غير حقيقتها، وتضخيم الأخطاء التي تقع عند محاولة تحقيق هذه المبادئ.
– إضعاف الجبهة الداخلية للعدو، وإحداث ثغرات داخلها، وذلك عن طريق إظهار جوانب العجز والضعف على كل المستويات.
– إضعاف المعنويات، إذ إن الهدف الحيوي من الحرب، هو تحطيم الطاقات المادية والمعنوية للعدو.
– تفتيت وحدة الأمة، وإحداث الفرقة بين صفوفها، وتشجيع بعض أطرافها وأعضائها على الخروج على ما تجمع عليه الغالبية، وإثارة المخاوف بين أجزاء الأمة بعضها من بعض.
– كسب العدو فكرياً، وبث روح اليأس.
– تحشيد وتوجيه الحقد والكره على العدو، وتجميع الأمة وتعبئة مشاعرها على عدوها.
– إقناع الأتباع بعدالة القضية للاحتفاظ بمعنويات عالية.
– اكتساب صداقة المحايدين.
– بث فكرة الغلبة والنصر بين الأتباع، ومن يناصرهم.
– تعزيز وتمكين الصداقة، مع القوى أو التجمعات الحليفة، ومحاولة كسب قوى جديدة (4).
أما الدعاية فقد عرفها بعض المعاصرين من الباحثين بمجموعة من التعريفات، منها:
هي: “الاستخدام المخطط لأي نوع من وسائل الإعلام بقصد التأثير في عقول وعواطف جماعة معينة أو جماعة محايدة، أو جماعة صديقة لغرض إستراتيجي، أو تكتيكي معين”.
ومن مميزاتها أنها: “تجد طريقها في الكلمة والمطبوعة والصورة، وتناسب في تيار الحياة اليومية، وتسري في النفوس بلا ضجة، إلى أن تنتهي بتغيير الرأي والعقيدة والاتجاه، ثم اعتناق الرأي الذي يرسم” (5).
وهذه الدعاية تعمل عملاً خطيراً على نشر التخاذل بين صفوف الناس عامة، وصفوف الشريحة المستهدفة خصوصاً، مثل “صفوف الجيش مثلاً”، كما أنها تعمل على تثبيط المعنويات لإحداث الهزيمة في نفوس الناس، وأكثر ما تستخدم في حالات المواجهة مدنياً أو عسكرياً، وعلى مستوى الأفراد أو الجماعات، كما أنها تعمل على تحطيم الدوافع والبواعث للقتال (6).
الهوامش:
(1) راجع: (الرسول والحرب النفسية) (ص 47)، للخربوطلي، و (حياة محمد B ) (ص 17)، لهيكل، نقلا عن الحرب النفسية (ص28) د/ نوفل.
(2) لا يوجد في الإسلام مصطلح (رجال الدين) بالمعنى الكتابي أو الكهنوتي للمصطلح، عندنا (علماء الدين) نعم، ولهم أحكام معينة في أصول التعامل معهم، من حيث المكانة، أو من حيث المنهجية، كذلك يمكن أن يكون عندنا (رجل دين) بمعنى حامل الدين وملتزم به وداعية إليه، وعامل من أجله، ومضح في سبيله.
(3) (الخطر اليهودي) (ص 186).
(4) (الإمام البخاري) ص 71 – 72 د. تقي الدين الندوي.
(5) (شيخ الإسلام أحمد بن تيمية) (ص 297) إبراهيم محمد العلي.
(6) (الحرب النفسية) (ص 42) د/ محمد المخلف.