خلال الأسبوع الماضي صرح الرئيس الأمريكي ترمب لقناة “Fox news” بأنه من الصعب أن يندمج المسلمون في الحضارة الغربية.
كذلك رفضت الإدارة الأمريكية التقرير الصادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) التابعة للأمم المتحدة لاتهامه الكيان الصهيوني بممارسة الفصل العنصري واضطهاد الفلسطينيين، وضغطت على الأمم المتحدة لسحب التقرير.
ومحاولتنا للفهم تستند إلى الخلفية التاريخية والثقافية للحضارة الغربية عموماً والتجربة الأمريكية كأحد تجلياتها.
فالغربيون الأوائل الذين غامروا بالذهاب للقارة الجديدة، اعتبروا أنفسهم يحملون مشعل الحضارة للهنود الحمر، وواجب على الهنود الحمر قبول الهدية، والانسلاخ من ثقافتهم وحضارتهم، بل والتنازل عن أرضهم للمتحضرين الذين يحسنون استغلالها، كل ذلك من أجل “الاندماج”!
ولما رفض الهنود هدية الغرب ورفضوا الانسلاخ من ثقافتهم وهويتهم بدعوى الاندماج، كانت الإجابة الأمريكية على رفض هدية التحضر والاندماج هي الفصل بين الأعراق والإبادة، وهو ذات القرار الذي اتخذته النازية في ألمانيا، وهو ذات القرار الذي اتخذه الصهاينة في فلسطين، بما يجعلنا نؤكد أن الإبادة والفصل العنصري يعود بأصله إلى جذور الحضارة الغربية ذاتها.
وفي سبيل السيطرة على الهنود الحمر لم يتورعوا في نشر الأوبئة والخمر والقتل، بل مارسوا قتل ملايين من قطعان الجواميس المعروفة باسم “البيسون” والتي كانت تمثل محور حياة الهنود غذاءً وكساءً ونشاطاً زراعيًا من أجل تجويعهم وإخضاعهم.
وبعد أن نالوا ما أرادوا، قاموا مشكورين بما عهدناه منهم كحضارة غربية راقية بالمحافظة على المئات المتبقية من تلك الجواميس في محميات طبيعية!
وقاموا كذلك بتخليد اسم قبيلة “شيروكي” الهندية كعلامة تجارية لإحدى ماركات السيارات الأمريكية!
وقامت شركة “جنرال موتورز” مشكورة بتخليد اسم أحد زعماء المقاومة الهندية “بونتياك” كعلامة تجارية لإحدى سياراتها الفارهة!
تماماً كما يحاربون الحرية لنا نحن “الأغيار” وينصبون في بلادهم “تمثال الحرية”!
وكما دمروا العراق من أجل إنقاذ العالم من “أسلحة الدمار الشامل”!
وكما هاجموا دولة فقيرة صغيرة اسمها الصومال بحملة اسمها “إعادة الأمل”!
هذه هي الازدواجية الغربية المتأصلة تأصل مرض فصام الشخصية!
تلبس ثوب رسول الديمقراطية وهي الراعي الرسمي للطغاة، تشعل الفتن والحروب وتنشئ محاكم دولية لجرائم الحرب.. تريق دماء الشعوب وتقيم مأتماً للقتلى وخياماً للاجئين وقوافل للإغاثة!
ألمح تولستوي إلى هذا المرض في كتابه “ما هو الفن؟!” بقوله عن الفن الغربي: إن المبدأ الأخلاقي قد اضمحل في الفن وأسلم مكانه للجمال.
بمعنى الاهتمام بالمظهر والشكل على حساب الجوهر والمضمون، وهو ما ذكره مالك بن نبي على أنه اختلال في سلم القيم للحضارة الغربية بطغيان الذوق الجمالي على المبدأ الأخلاقي.
هذه هي الخلفية التاريخية والثقافية التي تعيننا على وضوح الرؤية في تقييم المواقف الأمريكية والغربية في صراعهم معنا، سواء بشكل مباشر أو مع وكلائهم من الصهاينة.
ملاحظة: لمزيد من المعلومات حول التشابه بين أمريكا و”إسرائيل” يرجع لكتاب الباحث الفلسطيني محمد شعبان صوان بعنوان “أمريكا الإسرائيلية وفلسطين الهندية الحمراء”.