– النشار: الأسرة لا تستطيع مراقبة الطالب بشكل مستمر مثلما تفعل المدرسة
– مجاهد: مرحلة تقييم الطلاب هي الأصعب حتى الآن خلال تطبيق منظومة التعليم عن بُعد
– عبدالحميد: أهم ميزة للتعليم عن بعد التقليل من كثافات الطلاب في المدارس فهو مطلب تربوي مهم
رغم أن فكرة “التعليم عن بُعد” أو “التعليم الإلكتروني” ظهرت على استحياء منذ سنوات مع انتعاش تكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنت، خصوصاً في الدول الغربية، فقد أصبحت ضرورة ملحه وسياسة تعليمية أساسية مع انتشار جائحة كورونا، وغلق المدارس والجامعات.
ومنذ التحول السريع نحو التعليم عن بُعد، في منتصف مارس 2020، بدأت المدارس والجامعات بتقييم كفاءة منصات التعليم عن بُعد والتخطيط لإحداث تغييرات بها، ليس فقط لتجاوز فترة كورونا، وإنما لتبقى كأسلوب تعليم جديد له مزاياه العديدة مثل عيوبه.
وأبرز تلك التغييرات التي جرت هي التوسع في استخدام وسائط التفاعل مثل مقاطع الفيديو، و”الفيديو كونفرانس”، وزيادة عدد المواد التي تقدمها المنصات بالتفصيل، وإتاحة أوقات محددة للنقاش مع أولياء الأمور والطلاب، إضافة إلى المزيد من الدعم التقني والتدريب للمدرسين.
ودفع انتشار فيروس كورونا بالعديد من دول العالم الحكومات المختلفة لتطبيق منظومة التعليم عن بُعد بشكل سريع سواء للتعليم الجامعي أو ما قبله، لضمان استمرار العملية التعليمية بصورة منتظمة وعدم تأثر الطلاب تعليمياً بسبب هذه الجائحة.
ولأهمية “التعليم عن بُعد”، استطلعت “المجتمع” آراء خبراء مصريين حول كيف يمكن أن تستفيد الدول العربية والإسلامية من إيجابيات هذا النظام وتتلافى سلبياته؟
إرهاق للأسر
يقول الخبير التعليمي المصري د. مصطفى النشار: إن الأسرة لا تستطيع مراقبة الطالب بشكل مستمر مثلما تفعل المدرسة، وقد يصبح التعليم من المنزل مرهقاً أكثر للأسر ويشكل أعباء أخرى عليها، وإن كان دورها مطلوباً لمراقبة الطالب ومتابعته جيداً ومعرفة مدى استيعابه خاصة خلال مرحلة ما قبل قدوم فترة الاختبارات.
ويضيف: فالأطفال في المراحل الأولى من التعليم في حاجة إلى الإشراف المستمر من قبل آبائهم حيث يحتاج الطلاب الصغار إلى المساعدة في التعليم عبر الإنترنت، وذلك من خلال مساعدتهم في تشغيل الأجهزة الإلكترونية، وتسجيل الدخول إلى التطبيقات التي يتم من خلالها متابعة الدراسة، وقراءة الإرشادات الخاصة بها.
وبحسب إحصاءات أُجريت في الغرب، تبين أن 81% من أولياء الأمور يرون أن “التعليم عن بُعد” سيكون مرهقاً لهم لأنهم سيحلون عملياً مع الأساتذة في المنزل، وسيتضمن هذا النوع من التعليم بشكل أساسي تدخلاً منهم وخاصة إذا كان لديهم أطفال من صغار السن.
إذ يمكن للطلبة الأكبر سناً استخدام تطبيقات مثل “مايكروسوفت تيمز” و”جوجل هانج أوتس” و”زووم”، دون مساعدة من أولياء الأمور، وهو ما لا يتحقق في حالة التلاميذ الأصغر سناً، الذين يحتاجون على الأقل لمن يجهز لهم أجهزة التاب أو اللاب ليتواصلوا مع مدرسيهم ويستفيدوا من التعليم عن بُعد، فضلاً عن إلزامهم بالجلوس للمذاكرة والسلوك الجيد.
تقييم الطلاب مشكلة
ويرى نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفني د. محمد مجاهد، أن المشكلة الرئيسة التي تواجه العديد من الدول العربية خلال تطبيقها لمنظومة التعليم عن بُعد هي مرحلة التقييم للطالب من خلال الامتحانات الافتراضية.
يقول مجاهد: مرحلة تقييم الطلاب هي الأصعب حتى الآن خلال تطبيق منظومة التعليم عن بُعد، فالجميع لا يستطيع تقييم الطلاب من خلال اختبارات افتراضية لصعوبة تنفيذها وضمان سلامة مراقبة الطلاب بصورة محكمة، والكل يلجأ للاختبارات المباشرة.
ويشير إلى صعوبة التقييم وتطوير المعايير، وخفض مستوى الإبداع والابتكار في إجابات الامتحانات، إذ سيكون على الطالب أن يجيب بإجابة البرنامج نفسها وليس هناك مجال لمناقشة الإجابة أو فهمها بطريقة مختلفة.
فرص أكبر للتطور والتقدم
ويرى خبراء التعليم أن أكبر ميزة للتعليم عن بُعد هي أنه يوفر الوقت الكافي لقيام الطلاب بأبحاث ذات مدة أطول وطرح الأسئلة، والتواصل فترات أطول مع المدرسين، بدلاً من ساعات الدراسة المعتادة في المدارس والجامعات، واستخدام التكنولوجيا في تعلم المناهج، وتوفير الوقت الضائع بالذهاب والعودة من المدرسة، وما يتبع ذلك من إرهاق بدني.
كما أن هذا النوع من التعليم ينمي مهارات الطالب ويقوي علاقة الطالب بالعالم الحقيقي، لأنه يطلع خلال التعليم عبر الوسائل التكنولوجية على أفكار وأشكال مختلفة من التعليم سواء في صورة فيديوهات أو تفاعلات، أو تطبيقات ذكية.
وترى أسماء عبدالحميد، أستاذة تكنولوجيا التعليم، أن أهم ميزة للتعليم عن بُعد خصوصاً في الدول ذات الكثافة الطلابية في الفصول مثل مصر، هو التقليل من كثافات الطلاب في المدارس؛ فهو مطلب تربوي مهم، والتعليم عن بُعد يحل هذه المشكلة جزئياً حيث يوفر التعليم لكل داخل منزله بدون تزاحم أو عدم توافر مقاعد التعليم.
وعن مزايا التعلم عن بُعد الأخرى، ترى أبرزها أنه يوفر المادة العلمية للطلاب طوال الوقت، ويسمح بالتواصل بين المعلمين والطلاب طوال الوقت، فلا يعد التواصل بينهم يقتصر على ساعات اليوم الدراسي.
ضعف الإنترنت والفقر مشكلة
مثل أي عمل يجري استخدام التكنولوجيا الحديثة فيه، من الطبيعي أن يتأثر بعيوب هذه التكنولوجيا، مثل المشكلات الفنية أو التقنية، أو ضعف الإنترنت أو انقطاعه أو تعطل البرامج، خصوصاً تطبيقات الفصول المرئية الباهظة الثمن، التي تتكرر بها المشكلات التقنية مما يؤثر على كفاءتها.
وهو ما طرح تساؤلات أولياء أمور في مصر عن البنية التحتية المعلوماتية في مصر، هل هي مؤهلة لذلك؟ وهل المدارس في مصر بها سيرفرات إنترنت قوية يمكن لعدد كبير من الطلبة الدخول إليها في وقتٍ واحد؟ كذلك قوة الإنترنت في البيوت، فإن لم تكن هذه العوامل موجودة، فلن تتم عملية التعليم عن بُعد أو ستتم بصعوبة.
فهذا النوع من التعليم يؤثر بشكل كبير على الطلاب ذوي الدخل المنخفض، فلا يوجد داخل كل منزل أجهزة كمبيوتر أو إنترنت عالي السرعة؛ مما يظهر الفوارق الكبيرة بين الأطفال حسب الدخل والعرق ومستوى تعليم الآباء.
لذلك، فإن أكثر من يمثل مشكلة في التعليم عن بُعد هو توافر هذه التكنولوجيا، والأهم التفاوت بين الطلاب وأسرهم من حيث الغنى والفقر الذي ينعكس على توفير إنترنت أسرع ووسائل تكنولوجية أفضل لطالب عن الآخر.
لذلك يسعى بعض الأساتذة والمدارس لإيجاد حلول تقنية مثل إعطاء التلاميذ من ساكني المناطق الأقل تطوراً من حيث البنية التحتية للاتصالات وقتاً أطول لتسليم واجباتهم عن بُعد في حالة عدم جودة الإنترنت هناك.
لذلك ترى أسماء عبدالحميد، أستاذة تكنولوجيا التعليم، أن من أهم ما يشوب عملية التعليم عبر الإنترنت هو ضعف البنية التحتية التكنولوجية في المدارس والمنازل على حد سواء، مثل الإنترنت والأجهزة المستخدمة في الاتصال لدى أغلب المصريين، والافتقار إلى التدريب على هذا النوع من التعليم بالنسبة للمعلمين والطلاب.
إيجابيات
بحسب خبراء التعليم، للمنصات التعليمية العديد من الإيجابيات حيث إنها تساهم في التشجيع على البحث الدائم، وتعلم الطلاب منهجية التعليم الذاتية، وتسهل الوصول إلى المعلومات في أي وقت، كما تمنح الطلاب الفرصة في تعميق الفهم للمادة التعليمية حسب الوقت الذي يناسبهم، ومراجعة ومتابعة الدروس في أي وقت، وتوفر المادة العلمية والتعليمية في أي مكان وزمان.
أيضاً من مزايا هذا النوع من التعليم القدرة على تغيير المناهج والبرامج بسرعة كبيرة على الإنترنت، بما يتناسب مع متطلبات العصر والخطط التي تسير عليها الوزارة.
سلبيات
ويرى العديد من خبراء التعليم أن “التعليم عن بُعد” يفقد الطلاب الحميمية بينهم وبين أساتذتهم؛ أي يؤدي لفقدان الجانب الاجتماعي للتعلم، وضعف التفاعل المباشر مع المعلم وغياب دوره الحقيقي حيث ينقل في حالة التعليم المباشر قيمه وأفكاره التربوية وقدوته للطالب.
وقد يُضعف هذا دافعية الطلاب نحو التعلم بسبب قضاء الكثير من الوقت أمام شاشة الحاسوب والمواقع الإلكترونية، ويؤدي لفقدان العامل الإنساني في العملية التعليمية وغياب الحوار والنقاش الفعال، حيث إن العديد من الطلاب غير قادرين على التعبير عن أفكارها كتابيًا، ويحتاجون إلى التواصل الشفهي المباشر للتعبير عما يعتقدونه.
أيضاً هذا النوع من التعليم قد يواجه صعوبة في فهم الطلاب للدروس والمحاضرات أحياناً، كما يعرضهم للتشتيت بسهولة بسبب طبيعة الإنترنت وانشغال الطلاب (في غياب المدرس أو الأسرة) في الشات أو ألعاب أو هوايات أخرى تصرفهم عن الهدف الرئيس من الجلوس أمام التابلت وهو التعلم.
والأهم أن الطالب يكون بحاجة إلى بنية تحتية من حيث توفر أجهزة حاسوب وسرعة عالية للاتصال بالإنترنت، وهذه تكلفة تطبيقها عالية جدًا.