توالت الحملات الممنهجة على الأزهر والثوابت في الفترة الأخيرة، وفق مراقبين حتى خرجت مشيخة الأزهر الشريف عن صمتها في شهر رمضان، وشنت هجوماً شديداً على عدد من النخبويين العلمانيين بمصر رداً على إهانتهم للعلماء والمساس بالثوابت.
وبحسب المراقبين الذين تحدثوا لـ”المجتمع”، فإن الأزهر الشريف قادر على النجاح في التصدي لهجوم العلمانيين المتكرر، مرجعين ذلك إلى وزنه النسبي الثقيل لدى المصريين وحماية الدستور المصري له والتفاف المعتدلين حول مؤسسة الأزهر التي تقف بمفردها في مواجهة المساس بالثوابت بالبلاد، وفق تعبيرهم.
قطب العربي
العربي: المشيخة لها مكانة كبيرة وقادرة على التحديات
مكانة كبيرة
من جانبه، يرى الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة بمصر قطب العربي لـ”المجتمع”، أن الأزهر أقوى من خصومه، وقادر على هزيمتهم قائلاً: الأزهر الشريف له مكانة كبيرة في نفوس المصريين عبر القرون، ولا يمكن لنخب علمانية لا جذور لها أن تهزمه، وهو قادر على مبارزتها وهزيمتها، وقد شهدنا جولة لذلك في مناظرة شيخ الأزهر مع د. عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة حول تجديد الخطاب الديني.
ويضيف العربي أن الأزهر رغم ذلك يميل للحوار الهادئ، ومحاولة كسب جزء من هذه القوى في الحد الأدنى، وقد فتح لهم أبوابه بعد ثورة يناير في اللحظة التي كانوا يشعرون فيها بالخوف من بروز التيار الإسلامي، ومنحهم فرصة المشاركة في إعداد عدة وثائق مرجعية صدرت عن الأزهر عن الثورة المصرية و”الربيع العربي”.
ويؤكد العربي أن الأزهر حين يتصدى لمواجهة تغول العلمانيين فإنه ينطلق من واجبه الشرعي كمنارة للإسلام ومن واجبه الدستوري كمختص بالدعوة الإسلامية، وقد حصل الأزهر على استقلاله في دستور ثورة 25 يناير (دستور 2012 وظل مستمراً في 2014 وحتى الآن)، مشدداً على أن هذا النص الدستوري عن استقلال الأزهر وشيخه هو سر عدم القدرة على الإطاحة به حتى الآن.
د. محمود القلعاوي
تاريخ صمود
ويتوقع عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. محمود القلعاوي أن يستطيع الأزهر الانتصار على تلك الحملات الممنهجة ضده.
وقال القلعاوي لـ”المجتمع”: أحسب أن تاريخ الأزهر الشريف يبرهن على قدرته على الصمود أمام كل الحملات المسعورة التي يتعرض لها، والتاريخ يحفظ مواقف لا تحصى لثورته على الظلم ودفاعه عن الإسلام وثوابته، فمنذ أن بناه الصقلي والأزهر له مواقف لا تنسى على مر التاريخ من محاربة الاحتلال، والوقوف أمام الملوك والرؤساء.
القلعاوي: الأزهر له تاريخ مشهود في الذود عن الحق
ويضيف أن التاريخ يحفظ للأزهر عندما احتشدت الجموع فيه للمناداة بالجهاد ضد الفرنسيين خلف مشايخه وعمائمه، وكذلك رفض شيخ الأزهر الأسبق محمد مصطفى المراغي مشاركة مصر في الحرب العالمية الثانية، وانتقاد شيخ الأزهر الأسبق عبدالمجيد سليم البشري إسراف الملك فاروق، ورفض عدد من مشايخه تدخل السلطة في شئون الأزهر وتقليص ميزانيته.
ويشير القلعاوي إلى أنه من الطبيعي من يتخذ مثل هذه المواقف يتعرض من فترة لأخرى لحملات تشويه وإسقاط، مؤكداً إيمانه أن الأزهر سيخرج منها أقوى كعادته.
د. محمد فتحي النادي
قوة ناعمة
ويرى الباحث في الفكر الإسلامي د. محمد فتحي النادي، خلال حديثه لـ”المجتمع”، أن الذين يحاربون الأزهر من الداخل يؤكدون بذلك أنهم لا يحبون مصر، ويعملون على إضعافها، فلو أحبوا مصر لحافظوا على قوتها الناعمة في أفريقيا وآسيا، وهم لا يحاربون بذلك الأزهر، بل يحاربون الشعب الذي يثق في الأزهر باعتباره مؤسسة دينية عريقة، وهم لن يفلحوا لأن الأزهر جامع وجامعة له من الجذور ما يستحيل على العابثين قلعها، والدولة والشعب لن يخضعا لهؤلاء العابثين.
ويرجع النادي ذلك إلى أن الأزهر متجذر في مصر بفضل الله تعالى، وقام بدور رائد في محاربة الاستعمار ومقاومته، وأسهم في النهضة الحديثة بعلمائه ومفكريه، كما حافظ على دين ولسان المصريين عند الهجمة الاستعمارية، على العكس من بعض الدول الشقيقة التي تمكن الاحتلال من مزاحمة لسانها العربي بلسان المستعمر حتى صار قوة ناعمة لمصر في العالم.
تحركات غاضبة
وشهدت أروقة الأزهر الشريف بمصر تحركات غاضبة، في الفترة الأخيرة على خلفية مواجهة المشيخة لحملة جديدة تضمنتها مشاهد مسلسل “فاتن أمل حربي” من كتابة الإعلامي المثير للجدل إبراهيم عيسى، حيث توالت الاتهامات من قبل قيادات الأزهر الشريف للمسلسل وكاتبه بالنيل من أحكام الشريعة السمحاء ومكانة السُّنة النبوية وتشويه علماء الدين في المجتمع.
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى، في بيان رسمي وصل مراسل “المجتمع”: ندعم الإبداع المُستنير الواعي، ونحذر من الاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وهدم مكانة السُّنة النبوية، وإذكاء الأفكار المتطرفة، وتشويه صورة عالِم الدّين في المجتمع.
وأضاف المركز أن تشويه المفاهيم الدِّينية، والقِيم الأخلاقية؛ بهدف إثارة الجَدَل، وزيادة الشُّهرة والمُشاهدات؛ أنانيَّة ونفعيَّة بغيضة، تعود آثارها السَّلبية على استقامة المُجتمع، وانضباطه، وسَلامه، ولا عِلم فيها ولا فنّ.
ووصف وكيل الأزهر الأسبق رئيس لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر د. عباس شومان بعض ما جاء في المسلسل بأنه جريمة مكتملة الأركان، وفكر خبيث يجب التصدي له، موضحاً أن التشريع لا ينحصر في كتاب الله، كما زعم المسلسل، بل معه السُّنة والإجماع والقياس، ومصادر أخرى يعرفها العلماء لا الجهلاء.
النادي: الأزهر قوة ناعمة لمصر ومتجذرة في التربة المصرية
واستنكرت الأمينة العامة المساعدة بمجمع البحوث الإسلامية د. إلهام محمد شاهين تشويه لجان الفتوى بالأزهر في المسلسل.
وقالت: الكذب الذي يروج له مسلسل الفساد العائلي والمجتمعي الذي يذاع الآن ولا يراعي حرمة للمجتمع ولا لشهر رمضان، فهو ما ليس له وجود إلا في الخيال المريض لكاتب المسلسل ومخرجه الذي لم يكلف نفسه الذهاب لأي لجنة فتوى ليرى كيف يسير العمل هناك.
وشن رئيس أروقة الجامع الأزهر د. عبدالمنعم فؤاد هجوماً على الكاتب إبراهيم عيسى.
ورصد فؤاد، في منشور رسمي على صفحته على موقع “فيسبوك”، عدداً من آراء عيسى، ومنها: إنكاره معجزة المعراج، وإنكاره الدؤوب للسُّنة المطهرة، وسبه لصحابة النبي الكريم، وعدم اعترافه بسُنة التراويح، وحديثه عن عمر الفاروق، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد بسخرية مصحوبة بافتراءات عجيبة، واحترامه وتبجيله لمن يقدس الأبقار، وسخريته العلنية بالشباب الذين يداومون على قراءة القرآن.