د. جابر قميحة
د. يوسف القرضاوي غني عن التعريف، ولا تتسع هذه العجالة لأن نوفيه حقه من ذكر مواهبه وجهوده في مجال الفقه والتشريع والفكر الإسلامي والأدب والشعر، فهو رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو يلحق برواد التجديد من أمثال محمد عبده، وحسن البنا.
وقد حضر من قطر وخطب خطبة الجمعة الشهيرة “جمعة النصر” في الملايين من شباب ثورة 25 يناير، وبعدها بدأت حملات ضارية شعواء على الرجل العظيم، ومن هؤلاء المتحاملين: جمال الغيطاني، وصلاح منتصر، ومحمد السيد سليم، على اختلاف في الدرجة.
كانت خطبته تحمل قيماً إنسانية ودينية وفكرية رائعة، وهذا يدل على إيمانه بأهداف الثورة، دون تفرقة بين المسلمين والمسيحيين، فهي ثورة مصر من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. وهذه المطالب تمثل نخاع الإسلام.
والذي يقوله الخراصون إنما هو كزبد البحر، ليس فيه مأخذ واحد يقف على قدميه، وهذا يذكرني بقول الشاعر:
إذا النعجة العجفاء كانت بقفرة فأيان ما تعدل به الريح تعدل
(وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (المجادلة: 2).
وعلى سبيل التمثيل، نرى أحدهم يقول: لماذا يخطب القرضاوي الجمعة والثورة ثورة الشباب؟ لقد رأيت فيه شخصية “الخميني”.
وقال بعضهم: إنه فرَّق بين المسيحيين والمسلمين، فقال: قوموا إلى الصلاة أيها المسلمون، وكان من المفروض أن يقول: أيها المسلمون والمسيحيون!
يا عجباً لهذا الدعيّ! أيريد أن يدعو المسيحيين إلى صلاة الجمعة؟!
مع أنه في بداية خطبته قال: أبنائي من المسلمين والمسيحيين.. كما سمح للمسيحيين بأداء قداسهم ورفع صليبهم.
وتحت عنوان “جمعة القرضاوي يجب ألا تتكرر”، كتب د. محمد السيد سليم ما يقرب من صفحة (“العربي الناصري” 27/2/2011م).
ومن القضايا الأخرى التي أثارت التساؤلات هو هدف الإخوان من إحضار الشيخ يوسف القرضاوي من قطر ليخطب في ميدان التحرير ومنع وائل غنيم من إلقاء كلمة، وتشبيه هذا المشهد بمشهد عودة “الخميني”، لكن انكشفت حقيقة أن الإخوان لم يكن لهم دخل لا في دعوة القرضاوي، ولا في عدم السماح لوائل بإلقاء كلمة، وقد أوضح ذلك سيد أبو العلا، الذي كان مسؤولاً عن المنصة، وذلك في حديث نشرته مجلة “المصور” وأجرته معه مروة سنبل، وقال فيه: “أنا مؤمن بالأفكار اليسارية، وغير منتم لأي حزب سياسي، أنا الذي منعت وائل غنيم من الصعود إلى منصة الاحتفال؛ لأنه كان لدينا برنامج محدد مسبقاً لستة متحدثين عن ستة ائتلافات شبابية، ووائل لا يشار في أي ائتلاف شبابي في مصر الآن، بالإضافة إلى أنه دعا إلى عدم تنظيم “مليونية” هذه الجمعة، فلماذا جاء إلى الميدان؟!
غنيم أخطأ في حق نفسه والآخرين من شباب الثورة عندما طلب من الناس أن تغادر الميدان، وهناك انقسام على وائل غنيم الآن بسبب تصريحاته وآرائه المختلفة والمتناقضة، فمنذ خطاب جمعة التنحي للرئيس مبارك وهو يقوم بتصدير أفكار مضادة للثورة، ونحن شباب نحمي ثورتنا من الثورة المضادة، ووائل غنيم ضمن الثورة المضادة!
حضر غنيم للميدان في حوالي الثانية ظهراً، وأراد اعتلاء المنصة، فقامت مجموعة من شباب ميدان التحرير الذين يقومون بتنظيم سلم المنصة بمنعه، فذهبت وقلت له: أنت غير مدعو، وأنك دعوت لعدم التظاهر.. فلماذا أتيت؟ كما أنك لست ضمن البرنامج المقرر لهذا اليوم.
انصرف وانتهى الموقف عند هذا الحد، ولم يكن هناك دور فعلي للإخوان في هذا الأمر، بل هم جزء من الكل، ووائل هو الذي أثار غضب الشباب بسبب آرائه المتضاربة.
والشيخ يوسف القرضاوي طلب من مجموعة شباب المنظمين للميدان أن يحضر للصلاة في الجمعتين السابقتين على جمعة “النصر” الأخيرة، وكان ردنا هو تأجيل هذا الأمر؛ لأن الثورة ما زالت مستمرة، ولم تحقق مطلبها الأول بعد وهو التنحي الذي حدث بعد ذلك، وقد استشرنا وقتها مجموعة من العلماء المقربين من القرضاوي، فقالوا: لا يفضل الآن، وعاد القرضاوي وكرر طلبه لصلاة هذه الجمعة، وكانت بعض المطالب قد تحققت بالفعل فكان قرار اللجنة التنسيقية بالموافقة.
والإخوان أبدوا تحفظاً على حضور القرضاوي حتى لا تحسب الثورة للتيار الديني، ولكن كان القرار النهائي للجنة التنسيقية وليس للإخوان.
ليس هناك قائد محدد للجنة، فهي مكونة من ممثلين عن ستة ائتلافات شبابية من تيارات سياسية مختلفة ومن مستقلين، وليست كياناً واحداً، ويتم اتخاذ القرار بالتصويت، الإخوان كغيرهم من التيارات المشاركة إلا أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن جماعة الإخوان تعد من أكثر القوى تنظيماً، وقد شاركت في الثورة بشكل كبير، وأؤكد بأن الإخوان لا يقودون أي عمل من أعمال الثورة، ولكنهم مشاركون فقط، ويقودون من غير قصد، إن النسبة الأكبر من المشاركين في الثورة من المستقلين، وشباب غير مسيس وهي النسبة الأكبر والأهم في ميدان التحرير وغيرها من ميادين مصر، ولكنهم غير منظمين، لذلك ظهر في المشهد الإخوان لأنهم أكثر تنظيماً”، انتهى كلام سيد أبو العلا. (“القدس العربي” 28/2/2011م).
أقول: واعتماداً على المثل المشهور “ليس مَن رأى كمَن سمع” يسقط مضمون العنوان الذي صدر به محمد السيد سليم مقاله ونصه “جمعة القرضاوي يجب ألا تتكرر” (“العربي الناصري” 27/2/2011م)، كأن خطبة القرضاوي جريمة تستوجب التوبة وعدم التكرار.. وفي هذا المقال يلح على أكاذيب نقضها كلها الأستاذ سيد أبو العلا، المسؤول عن المنصة كما ذكرنا آنفاً، ومنها:
1- الإخوان كانوا وما زالوا حريصين على الهيمنة على احتفالات ثورة 25 يناير.
2- الإخوان هم الذين استدعوا د. القرضاوي من قطر لخطبة الجمعة.
3- الإخوان هم الذين منعوا وائل غنيم من اعتلاء المنصة لإلقاء كلمته.
وفي النهاية، لا أملك إلا أن أدعو للسيد محمد سليم ومن نسج على منواله بأن ينير الله أبصارهم وبصائرهم.
___________________________________________________________________
العدد (1944)، 14 ربيع الآخر 1432هـ/ 19 مارس 2011م، ص52.