من أيام الابتدائية ونحن ندرس سيرة النبي الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – تعلمنا وقتها أن محبته واجبة، ولا يكتمل الإيمان إلا بها، وأن محبته تقتضي طاعته فيما أمر، وترك ما نهى عنه.
لما تحب محبوبك، حتماً ستطيعه.. إذا لم تطعه تكون قد أحدث شرخاً في ذلك الحب.
إن المحب لمن يحب مطيع!
لا يوجد مسلم على وجه هذه الأرض إلا وهو يهيم حباً بمحمد – عليه الصلاة والسلام – الذي برسالته دك معالم الجهل، وحطم أصنام الظلمات، وأعلن الحرب على الفساد والطغيان، ودعا إلى التسامح، والتعاون والعدل والحق.
مشكلتنا اليوم ليست في الجهل، فعصر اليوم عصر المعرفة وتدفق المعلومات مسموعة ومقروءة ومشاهدة، لا ينقصنا اليوم قلة العلم بأقوال وأفعال هذا الرجل العظيم، هي بين أيدينا في المدارس، وفي المنابر، وتلامس عيوننا عبر أدوات الإعلام الجديدة والقديمة، مشكلة اليوم (فردية وجماعية) في البون الشاسع والهوة السحيقة بين العلم والعمل، بين النظرية والتطبيق، بين التنظير والواقع.
قيل للرسول الكريم: ادع على المشركين، فقال: “لم أبعث لعاناً؛ وإنما بعث رحمة”، تأمل هذا الموقف لرجل مع خصومه الذين آذوه وناله أشد الأذى، ومع ذلك توقف عن لعنهم، قارن هذا الموقف بحياتنا؛ نتلاعن بسبب وبدون سبب، ادخل “هاشتاج” رياضياً بعد أي مباراة، سيهولك حجم الشتم واللعن، والافتراء، والتلاعب بصور اللاعبين للإضحاك، تأمل الغيبة والبهتان في حق اللاعب، والمدرب والحكم، والمسؤول.. كل هذا على كرة، مع أن هذا الشاتم واللعان مجرد متابع!
قال نبينا الكريم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، لم يعد الشتم، والغيبة ألفاظاً تردد في المجالس، صارت ألفاظاً بضغطة زر تبلغ الآفاق، وتعاد وتكرر!
كان عليه الصلاة والسلام رحيماً بالصبيان والنساء، ما ضرب بيده امرأة ولا خادماً، تعرض لنا وسائل الأعلام أفلاماً مرعبة عن حالات العنف ضد الأطفال وضد الخدم، طبعاً أفلام كُتبت سيناريوهاتها على أرض الواقع وليست من نسج الخيال!
قال عبدالله بن الحارث رضي الله عنه: “ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله”، يقول الكاتب أنيس منصور في كتابه “دعوة للابتسامة”: “رغم الأعباء الهائلة التي كان يحملها الرسول، فإنه قادر على الابتسام، أراد أن يكون قدوة، فمهما كانت الهموم ثقيلة، والأعباء جسيمة، فمن الممكن أن يبتسم، أو من الواجب أن يفعل ذلك، تهويناً لهمومنا، وحرصاً على ألا يفر الناس منا”، وإذا كان الضحك يطيل العمر، فالضحكة انفجار مائة ابتسامة معاً، فابتسم حتى لو تتصنع ذلك!
والسؤال: متى نعي أن أحاديث الرسول وسيرته ليست للقراءة والحفظ فقط؟ هي للعمل والتطبيق!