السودان من بين الدول التي تعيش أشد الأزمات المعيشية منذ سنوات طويلة، ما مهد لانطلاقة ثورة شعبية أسقطت نظام استمر مدة ثلاثين عاما عانى فيها الشعب السوداني من ضائقة بسبب سوء إدارة البلاد، إلى جانب استمرار الحروب التي أعاقت استقرار الأوضاع الاقتصادية.
ولم يسلم السودانيون من المعاناة المعيشية حتى اليوم، بل زادت أوضاعهم سوءا عقب التحول الذي شهدته البلاد بعد سقوط نظام عمر البشير. ورغم التعويل على البلد الأفريقي لتحقيق الأمن الغذائي العالمي إلا أن السودان لم يستطع تحقيق أمنه الغذائي الخاص، بل ظل يعتمد على المنح والهبات من دول العالم لتمويل الاستيراد، نتيجة الأزمات الداخلية التي وقفت عائقا أمام استغلال موارده بصورة صحيحة.
ويقول الاقتصادي الفاتح عثمان إن قدرة السودان على الاستفادة من ضعف الأمن الغذائي في المنطقة العربية رهن قدرة الحكومة السودانية على إعادة قولبة الدولة بحيث تخدم الإنتاج والصادرات وتخفض الاستيراد لتحويل الاقتصاد السوداني نحو الإنتاج. ففي عام 2019 واجه السودان أزمة اقتصادية متفاقمة تضمنت ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الأغذية والأدوية والسلع الأخرى وبعد أشهر من الاحتجاجات المدنية التي أودت إلى تغيير نظام الحكم السابق، تم تشكيل حكومة انتقالية في سبتمبر/ أيلول من العام ذاته.
هذا التغيير سعى إلى “عقد اجتماعي جديد” مع الشعب، وأعطى الأولوية للإصلاح الاقتصادي، لتمهيد الطريق أمام تحقيق هدف التنمية المستدامة الثاني في القضاء على الجوع وتحسين التغذية.
ومع ذلك، فإن الأعداد الكبيرة من النازحين، ومن بينهم اللاجئون من البلدان المجاورة، والوضع الاقتصادي المتقلب، وتزايد تقلب المناخ، والتدهور البيئي، وتفشي الأمراض، وسوء التغذية، وخطر الانتكاس مرة أخرى إلى نزاع محتمل، كلها عوامل تمثل تحديات كبيرة متعلقة زادت من معدلات الجوع.
وفقًا لخطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2020، يحتاج 9.3 ملايين شخص إلى الدعم الإنساني في عام 2020، بما في ذلك 6.2 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويستمر ارتفاع التضخم في الحد من القوة الشرائية للأسر، وعدم تمكن السكان من تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتستهلك سلة الغذاء المحلية المتوسطة 75 في المائة على الأقل من دخل الأسرة.
ولا يزال السودان يواجه باستمرار مستويات عالية من سوء التغذية الحاد مما يشكل مشكلة كبيرة على الصحة العامة. ويعاني طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال سودانيين من نقص التغذية بما يؤثر على التطور الكامل لقدراتهم الإدراكية والجسمانية.
كما يعيش ثلثا سكان السودان في المناطق الريفية، ويعتمد الاقتصاد بشكل كبير على الزراعة ومع ذلك فإن هذا القطاع عرضة لصدمات المناخ، والإنتاجية منخفضة بسبب الممارسات الزراعية غير المناسبة وخسائر ما بعد الحصاد. واستجابة لهذه التحديات، يعمل برنامج الأغذية العالمي مع الحكومة والشركاء لتوفير المساعدات الغذائية والتغذية المنقذة للحياة، بينما يدعم جهود الحكومة لتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية.
ويقول الخبير في مجال الزراعة محمد ابراهيم: يمكن أن يزداد وضع الأمن الغذائي في السودان “المتردي بالفعل” سوءًا بسبب التأثيرات الاقتصادية السلبية جراء جائحة كوفيد-19. ومن الضروري بذل المزيد من الجهود للحيلولة دون معاناة الأسر، التي تعاني بالفعل من الاحتياج الشديد، ومن الفقر المدقع.
وسبق أن حذرت منظمة الأغذية والزراعة “فاو”، من تدهور حالة الأمن الغذائي في السودان، في ظل ما يواجهه من تفاقم في مستويات الجوع وأزمة سوء تغذية.
وقالت المنظمة، في بيان صحافي، إن نحو 3.3 ملايين شخص يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، بسبب عمليات النزوح من ولاية دارفور، بالإضافة إلى تحركات اللاجئين من جنوب السودان، وتأخر الأمطار، الذي أدى إلى تراجع المحصول الزراعي، وزيادة أسعار المواد الغذائية.
وأكد عبدي أدان جاما، ممثل منظمة “فاو” في السودان، أن “السودان يمثل أزمة منسية تسير من سيئ إلى أسوأ”، موضحا أن “نحو 80 في المائة من سكان المناطق الريفية في السودان يعتمدون على الزراعة لتحصيل غذائهم ودخلهم”.
وكانت منظمة “فاو”، أطلقت نداء دوليا، لجمع مبلغ 19 مليون دولار، لإتمام سلسلة من التدخلات العاجلة في السودان تستهدف ما مجموعه 5.4 ملايين شخص، لكنها لم تتلق إلى الآن سوى سبعة ملايين دولار، بحسب ما جاء في بيان صادر عنها.
وأرجع الخبير الاقتصادي محمد ياسين قضية الجوع والتعقيدات الاقتصادية التي يعانى منها السودان الي أزمة غذاء وارتفاع الأسعار وتغيرات المناخ وحرب المياه وحرب العملات والتجارة.
وقال إنها أمور متوقعة ولكن جائحة كورونا عجلت من المشكلات حيث أغلقت معظم دول العالم أبوابها في ظل ضعف الإنتاج، فيما السودان يعتمد على الاستيراد لتغطية غذائه.
كما أن قرارات الدولة غير المدروسة والتي تتجه نحو تمديد الإغلاق تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي.
وأضاف ياسين: “شهدنا تعقيدات في نقص الذرة والدولة لم تحسن التصرف في دعم الموسم ولم تحسن التخزين فهي منشغلة بقضايا اخرى ولم تهتم بمعاش الناس وتهيئة البيئة للموسم الزراعي.
وقال إنه إذا لم تعمل الدولة على توفير رأس المال الأجنبي أو الوطني أو تدرس إنشاء ثلاث شركات كبرى واحدة تعنى بالإنتاج الزراعي وأخرى بالإنتاج الحيواني ثم التصنيع الزراعي، فلا يمكن أن يحدث تحول.
ولكن المحلل المالي إبراهيم عثمان قال إن أزمة الجوع الحالية عالمية وناجمة عن عديد من العوامل المرتبطة بجائحة فيروس كورونا أهمها توقف النظام الاقتصادي والخسارة المفاجئة في الدخل لملايين البشر الذين يعيشون على حد الكفاف إضافة إلى انهيار أسعار النفط والنقص في العملات الأجنبية نتيجة التوقف التدريجي للسياحة والعمالة الأجنبية.
وأكد أن انخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية قاد قبل كورونا إلى أزمة اقتصادية، كما أن إغلاق الكثير من الشركات وارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير دق ناقوس خطر الجوع الذي يلوح لأفقر الناس لأن معظم الشعب السوداني يعتمد على الدخل اليومي أو المرتب وفقًا للمتاح من الموارد.
ومع توقف الحياة الاقتصادية، استنفد معظم السكان كل ما يملكون لتأمين احتياجاتهم الضرورية خلال فترة الحجر ولم يعد لديهم أي فائض. ورغم أن السودان يعتبر من الدول التي تعتمد على مواردها، إلا أنه لم يستغلها بالطريقة المثلى، ورد زراعيون أسباب تدني الإنتاج إلى تردي البيئة السياسية واحتقان الوضع الأمني، وعجز الدولة عن مواجهة تبعات انفصال دولة الجنوب، إضافة إلى تبني الحكومة سياسات غير مدروسة لإدارة المشاريع، مع تفشي الفساد، والفشل في استجلاب رأس المال الأجنبي للاستثمار، إضافة إلى وجود مشكلة استخدامات للأراضي.
واكدوا على وجود فجوة في التشريعات الخاصة بالزراعة خاصة. وظل القطاع الزراعي بالسودان يواجه خلال السنوات الماضية عدة إشكاليات تعيق الاستفادة من المساحات الصالحة للزراعة والبالغة نحو 200 مليون فدان لا يتجاوز المستغل منها نحو 25 في المائة، بسبب إشكاليات في عمليات الري وضعف التوسع في الحزم التقنية واستخدام الأسمدة.
ويعتبر القطاع من أكبر القطاعات الاقتصادية في السودان، ويشارك القطاع الزراعي بحوالي 44 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ويعد المحرك الرئيسي للصناعات الزراعية ومدها بالمواد الخام.
ويشكو زراعيون من ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي نتيجة استيراد 95 في المائة من مدخلات الإنتاج من الخارج من مقويات وأسمدة وحزم تقنية. ويستورد السودان حوالي 445 ألف طن من الأسمدة للقطاعين المروي والمطري للموسمين الصيفي والشتوي بكلفة تقدر بنحو 300 مليون دولار سنوياً بحسب العربي الجديد..