أثار طلب الاستدعاء الذي توجهت به رئاسة البرلمان التونسي لوزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، على خلفية استدعاء القضاء العسكري للنائب راشد الخياري، جدلا سياسيا وقانونيا واسعا، حيث اعتبر البعض أن خطاب الاستدعاء “غير قانوني” على اعتبار أنه غير ممضى من قبل رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، فيما اعتبر آخرون أن طلب الاستدعاء يعتبر “تدخلا” في عمل القضاء.
وكتب طارق الفتيتي، النائب الثاني لرئيس البرلمان على صفحته في موقع فيسبوك: “ما معنى أن نرى مراسَلة رسمية من مجلس نواب الشعب موجهة إلى السيد وزير الدفاع الوطني يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ من سرّبها؟ أولا وما هو مضمونها؟ ثانيا ومن أمضى المراسلة؟ ثالثا وهنا لب الموضوع؟ وسنبدأ من النقطة الأخيرة وهي الأخطر: من أمضى المراسلة هو السيد الكاتب العام (عن رئيس المجلس وبتفويض منه) فما هو التفويض؟ التفويض في حق الإمضاء يعطى لتسيير عمله داخل الإدارة في علاقة بمنظوريه في الكتابة العامة أو المراسلات العادية لكن أن يمضي السيد الكاتب العام عن مراسلة إلى عضو حكومة! فهذا لا يستقيم لأنه لا صفة له فالنواب أنفسهم ورؤساء اللجان أو أعضاء مكتب مجلس نواب الشعب لا يمكنهم ذلك إلا عن طريق السيد رئيس المجلس”.
وأضاف: “زد على ذلك موضوع المراسلة الذي يتعلق بدور رقابي صرف وهي مهمة حصرية لأعضاء مجلس نواب الشعب، كما أن المراسلة تتضمن في طياتها مخاطبة وزارة سيادية في مسألة حساسة وسياسية بامتياز، وبالتالي لا يحق لغير رئيس المجلس أو أحد نائبيه إمضاؤها. وإذا تعلق الأمر بمراسلات إدارية عادية إن اقتضى الأمر السيد رئيس الديوان باعتباره يحمل صفة الوزير. بالإضافة إلى أن موعد جلسة الاستماع موضوع المراسلة يتزامن مع انعقاد جلسة عامة وهو ما يحتم وجوبا ترخيصا مسبقا من رئيس المجلس حسب النظام الداخلي! مع العلم وأنني نبّهت إلى هذا في مرات سابقة ولكن يبدو أن الآذان بها صمم. فلا صفة للسيد الكاتب العام حتى يخاطب السيد وزير الدفاع الوطني”.
واعتبر الخبير الدستوري رابح الخرايفي أن وزير الدفاع “غير ملزم بالحضور أمام اللجنة القارة بمجلس نواب الشعب يوم 27 أبريل 2021 لأن دعوته للاستماع فيها خرق جسيم للدستور وتدخل في القضاء. وبطاقة الجلب يصدرها القاضي لتحصّن المتهم بالفرار إذا كانت الوثيقة المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي، والصادرة عن رئيس مجلس نواب الشعب تطلب فيها اللجنة القارة التشريعية لتنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح، الاستماع لوزير الدفاع حول “تدخل القضاء العسكري وإصداره لبرقية جلب في حق عضو مجلس نواب الشعب وعدم الاعتراف بتمسكه بالحصانة”، صحيحة فإننا أمام خرق دستوري جسيم وهتك لمبدأ تفريق السلطة، وتدخل في القضاء الذي حجره الفصل 109 من الدستور وهتك لاستقلال القضاء الذي نص عليه الفصل 102 من ذات الدستور”.
وأضاف: “ينبغي بيان أن بطاقة الجلب هي بطاقة من البطاقات القضائية وإصدارها عمل من صميم العمل القضائي الصرف لتحصن المتهم بالفرار، نص عليها الفصل 78، و142 جديد من مجلة الإجراءات الجزائية، لا يمكن الاعتراض عليها إلا بطرق الطعن المنصوص عليها بقانون الإجراءات الجزائية، وكل عمل يستهدفها بغير ما نُص عليه هو تدخل سافر في القضاء. والادعاء في الدعوة أن النائب متمسك بالحصانة، ادعاء يدل على عدم معرفة أصول القانون النيابي، التمسك بالحصانة لا يتم أمام مجلس نواب الشعب وإنما يتم أمام الجهة القضائية أو أمام مأموري الضابطة العدلية”.
وكتب غازي الشواشي أمين عام حزب التيار الديمقراطي: “من حيث المبدأ نحن ضد محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية انسجاما مع ما تضمنه الدستور، ولكن من واجب القاضي العسكري تطبيق القوانين الجاري بها العمل في انتظار مراجعتها وجعلها ملاءمة مع الدستور وهذه المراجعة مسؤولية مجلس نواب الشعب. ولكن من جهة أخرى ليس من حق السلطة التشريعية التدخل في القضاء، ولو كان قضاء عسكريا أو تسليط أية رقابة عليه”.
وأضاف عدنان منصر الأمين العام السابق لحزب الحراك: “شكليا، ليس هناك مشكلة، ولكن السيد رئيس المجلس لم يستدع وزير الداخلية بعد عنف الأمن غير المبرر والاعتقالات العشوائية إزاء القصر والشباب في احتجاجات الشتاء، لذلك فإن الموضوع ليس شكليا وإنما مضموني. هذا مجلس يغرق في التحول إلى نوع من الأوليغارشيا التي تختطف الدستور والقانون، ويصر على ذلك”.
فيما كتب النائب السابق عبد العزيز القطي: “طبقا للمرسوم عدد 70 لسنة 2011 في فصله الخامس: القضاة العسكريون مستقلون في تأدية وظائفهم عن السّلطة العسكريّة، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون”.
وكانت لجنة شؤون القوات الحاملة للسلاح في البرلمان طلبت الاستماع إلى وزير الدفاع حول “تدخل القضاء العسكري وإصداره لبطاقة جلب في حق عضو مجلس شعب، وعدم الاعتراف بتمسكه بالحصانة”.