الذكاء الاصطناعي هو قدرة الآلات والبرامج على محاكاة القدرات الذهنية البشرية، مثل القدرة على الاستنتاج والتعلم ورد الفعل، وقد توغل في الكثير من المجالات في الحياة اليوم؛ كالطب والقانون والترجمة، وكذلك السياسة، إذ أصبح ضرورياً لفهم توجهات الشارع والناخبين عن طريق تحليل البيانات المدعومة ببرامج وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وكذلك يعتمد السياسيون عليه في تحليل البيانات الضخمة كي يستطيعوا التواصل والتفاعل بشكل أكبر مع الناس، وتستخدمه الأحزاب والمرشحون في دراسة وجهات نظر الناخبين، وبناء على النتائج يختارون توجهاتهم ويعدلونها، فيتمكنون من كسب المزيد من المؤيدين أو التأثير عليهم.
الذكاء الاصطناعي.. واستطلاعات الرأي:
تعتمد استطلاعات الرأي على اختيار عينة محددة من الجمهور في لحظة معينة وتأخذ إجاباتهم؛ فتتمكن من معرفة توجهات الرأي العام في تلك اللحظة، بينما الذكاء الاصطناعي على العكس من ذلك؛ إذ يقوم على خوارزميات معقدة تجمع الملايين من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستخلص منها توجهات الرأي العام بعد عملية تحليل معقدة، وهو ما يمكنها من تحقيق نتائج أكثر دقة من استطلاعات الرأي.
في الانتخابات، تستخدم بيانات وسائل التواصل الاجتماعي وتحليل المشاعر لمعرفة المنشورات المؤيدة أو المعارضة لمرشح معين، وهناك أمثلة عديدة ظهرت دقة الذكاء الاصطناعي عن استطلاعات الرأي فيها، منها الانتخابات الأمريكية عام 2016م؛ حيث كانت الاستطلاعات تتوقع فوز «هيلاري كلينتون»، بينما توقعت تقنيات الذكاء الاصطناعي فوز «ترمب»، وهو ما حدث بالفعل حينها، وكذلك الأمر حدث مع توقع الذكاء الاصطناعي تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، بينما قالت الاستطلاعات العكس، ورغم ذلك فهذه التقنيات ليست معصومة من الخطأ؛ إذ تواجه بعض الثغرات، وسبق أن فشلت في توقعات أخرى.
الذكاء الاصطناعي.. والانتخابات التركية:
لا توجد ادعاءات محددة ورسمية فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في الاتصال السياسي والحملات الانتخابية في تركيا، وما يحققه حزب العدالة والتنمية من نجاحات في قراءة نبض عام الشارع يرجع إلى شبكة الحزب العميقة الجذور، التي تساعد قيادة الحزب على قراءة المشاعر العامة عن طريق استخدام قاعدة بيانات يدوية، بينما توجد القليل من المنظمات الخاصة تدعي أن لها دراسات وتجارب في هذا الشأن.
إلا أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على هذا الجانب من تمكين السياسيين والأحزاب من التحليل وفهم التوجهات، بل أصبح يؤدي دوراً مع مواقع التواصل في تشكيل المشهد السياسي وتوجيه الناخبين، وفي السنوات الأخيرة، احتلت عمليات المعلومات الرقمية الروسية، بما في ذلك المعلومات المضللة والأخبار المزيفة والتدخل في الانتخابات، مكانة بارزة في الأخبار الدولية.
ومن هذا الجانب، يظل عامل التهديدات الخارجية هو المؤثر في تركيا، وهناك العديد من الأمثلة التي يمكن ذكرها، منها على سبيل المثال ما جاء في تقرير لمنظمة الأبحاث الأمريكية «راند» عن أن روسيا استخدمت بعض تقنيات التلاعب بالمعلومات في تركيا، وأثارت البلبلة وعدم اليقين عن طريق خلق العديد من الروايات المتناقضة في أزمة إسقاط الطائرة الحربية الروسية عام 2015م، وكذلك قضية اغتيال السفير الروسي بتركيا.
كما يقول التقرير: إن روسيا استخدمت محاولة انقلاب 15 يوليو في أنقرة لزيادة العداء للغربيين ومعارضة الولايات المتحدة في تركيا؛ حيث زادت نسبة الأشخاص الذين يقبلون أن الولايات المتحدة تشكل تهديداً لتركيا من 44.1% في عام 2016 إلى 66.5% في عام 2017م، تم تصوير هذه الزيادة المؤكدة بنسبة 20% على أنها نتيجة الإعلام الرقمي الروسي.
وبناء على هذه المعطيات، تظل احتمالية التأثير في الانتخابات التركية ترتبط بهذا الجانب المتعلق بالتهديدات الخارجية فقط، غير أنه لم يحدث اتهام لأي طرف في الانتخابات السابقة أو غيرها، وما تم ذكره من أمثلة تعلق بأحداث أخرى غير الانتخابات؛ لذلك يظل مستبعداً أن يكون هناك تأثير لهذه التقنيات وتهديداتها من الخارج على الانتخابات في تركيا، وإن لم يكن مستحيلاً في ظل أهمية وحساسية هذه الانتخابات القادمة.