إن الحياة مليئة بالتحديات والصعوبات التي يواجهها الإنسان في مسيرته، فالابتلاء والمحن سُنة الله في خلقه، ليُظهِر لعباده أفعالهم في السراء والضراء، يقول الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214)، فسبحانه من جعل طلب الفرج منه والثقة في نصره لعباده عبادةً، فهذا ما يُقوي القلب ويطمئنه إلى زوال البلاء مهما طال واشتد، وفي خضم ما يحدث في واقع الأمة الإسلامية الآن نحتاج إلى إعادة التذكير بهذه المفاهيم الجليلة.
الإيمان وطلب الفرج
تعبدنا الله عز وجل بالثقة بأنه تعالى يزيل الكروب، ويأتي بالفرج بعد الضيق مهما طال الزمن، فالعبد المؤمن يدرك أن كل ما يصيبه من بلايا فله حكمة إلهية، وأن الله تعالى قادر على أن يغير حاله في أية لحظة، وهذا ليس مجرد شعور سلبي يفيد الاستسلام للبلاء؛ بل هو عمل قلبي يتطلب زادًا إيمانيًا من العبادات القلبية مع الاعتقاد الجازم بأن الله هو مسبب الأسباب وأنه لا يكون في كونه إلا ما قدره.
ومن هذه العدة الإيمانيّة:
1- الإيمان بالقدر خيره وشره:
الإيمان بالقدر هو ما يجعل القلب مطمئنًا أن ما كان لم يكن له ألا يكون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس: «فقد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه»(1).
2- الصبر:
فهو سلاح المؤمن في مواجهة جميع ما يصيبه من مكروه، روى صهيب بن سنان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له»(2)، فالصبر ليس مجرد تحمل للبلاء مما قد يكون للمسلم والكافر؛ بل هو تحمل مليء بالثقة واليقين في حسن العاقبة.
3- احتساب الأجر:
المؤمن إذا أصابته ضراء فصبر ثم احتسب الأجر على الله؛ فإنه مثاب بصبره، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: 10).
4- اليقين في فرج الله:
المتأمل في كتاب الله يجد أن من سُنته عز وجل الكونية إبدال العسر باليسر قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح)، وأن العاقبة للمتقين، قال تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود: 49)، فالوحي بما فيه من قصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة وأفعالهم حال الابتلاء هو ذكرى لكل قلب عابد لله يرجو فرجه وزوال المكروه.
5- التوكل على الله:
التوكل على الله عبادة قلبية عظيمة، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3)، ففيها أن يسلم المرء أموره كلها لله، ثقة في حكمته وقدرته، وهذا التوكل لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب المشروعة، بل الأخذ بها عبادة أيضًا، ولكن لا ينبغي للمؤمن المتوكل أن يتعلق بالسبب ويغفل عن المسبب، ففي هذا تفادي ذلك تكمن حقيقة التوكل.
ثمرات هذه العبادات الجليلة
ولهذه العبادات الجليلة سالفة الذكر ثمرات تثبت المؤمن وتغذيه بالبشريات إن أقام عليها، ومنها:
1- الطمأنينة والراحة النفسية:
هي من الثمرات العملية العظيمة للتوكل، فالواثق بربه الموقن بأن كل شيء في الكون بيده تعالى يهون عليه كل بلاء، قال الله عز وجل يحكي سلوك المؤمنين المطمئنين به: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: 173).
2- الإمامة في الدين:
التوكل على الله واليقين بوعده يقويان علاقة العبد بربه، فيزداد إيمانًا وترفع درجاته حتى يصير إمامًا في الدين، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: 24).
3- كفاية الرزق:
يغفل الكثيرون عن أن عبادة التوكل تكفي المرء رزقه، فعن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطيرَ تغدوا خماصًا وتروح بطانًا»(3)، فالله تعالى لا يضيع من يتوكل عليه، ولا يخيب من يثق في قدرته وحكمته.
4- دخول الجنة من غير حساب:
وهذا الجزاء ليس كأي جزاء، فهو الغاية العظمى والنعمة الكبرى، عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون»(4).
إن التوكل على الله وطلب تفريج الكروب منه تعالى من العبادات العظيمة التي تعكس حقيقة الإيمان، فكل إنسان متعرض للمحن والبلايا لا محالة، وفعله حال ذلك هو ما يبرهن على صدق إيمانه.
________________________
(1) رواه أحمد والترمذي وصححه.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه الترمذي وصححه الألباني.
(4) رواه البخاري ومسلم.