يتساءل كثيرون من أبناء العشائر السورية بمرارة عن السبب في الفارق الكبير بين مواقف زعماء العشائر العربية في العراق وبين موافق زعماء العشائر في سورية؟
يتساءل كثيرون من أبناء العشائر السورية بمرارة عن السبب في الفارق الكبير بين مواقف زعماء العشائر العربية في العراق وبين موافق زعماء العشائر في سورية؟
السؤال يبدو بسيطاً وعفوياً، ولكنّ نظرة مستقصية في منهج البعثيين في حكم سورية، ومنهج أقرانهم في حكم العراق يفسّر الفارق الكبير في المواقف على طرفي الحدود.
بدايةً، فإن أكثر العشائر في العراق وسورية هي من قبائل واحدة، بل إن بعضها هي من أفخاذ عشائرية واحدة، بل ومن عائلات واحدة؛ وبالتالي فإن الخلاف في المواقف ليس ناتجاً عن قيم عشائرية سامية هنا أو منحطّة هناك، وإنّما الأمر يعود إلى أن “صدّام حسين” كان يرى في قوة العشائر تعزيزاً لقوّته، خاصّة وقد خاض حرباً طاحنة مع إيران الفارسية التي عمل زعماؤها على توظيف المذهبية في حربهم معه، فعمل على تعزيز مكانة زعماء العشائر ليضمن ولاء أبناء العشائر في الجيش والأجهزة الأمنيّة ومؤسسات الدولة، أمّا في سورية، فإن الأقليّات المذهبية والدينية هي التي صنعت الانقلاب البعثي في 8 مارس 1963م، ثم عملت تلك الأقليات على إحكام سيطرتها على مقاليد البلاد شيئاً فشيئاً إلى أن نشبت براثنها في كل مؤسسات الدولة وشرايين المجتمع من أجل أن تضمن بقاءها في السلطة.
وطبيعي والحال هذه أن يكون أخطر عدوّين على البعثيّين في سورية، هما :
الإسلام؛ وقد حاربوه منذ الأسابيع الأولى لاستيلائهم على الحكم، فقد قصفوا مسجد السلطان في حماة في العام 1963م نفسه، واقتحموا المسجد الأموي في دمشق بالدبابات بعد ذلك بأشهر قليلة.
العروبة؛ وقد حاربها الرفاق في سورية منذ اللحظات الأولى للانقلاب؛ حيث تم تسريح مئات الضباط من أبناء العشائر في يوم 8 مارس واستجلاب مئات غيرهم من أبناء الأقليات ليأخذوا مكان الضباط المسرّحين في الجيش والأجهزة الأمنية.. ثمّ عمد البعثيون على تمزيق أواصر العشائر بل وحتى العائلات الكبيرة وجعلوا بعض أبنائها عملاء وجواسيس على أقاربهم، ولقد رأينا وسمعنا عن اعتقال وإهانة ومطاردة رجالات العشائر الكبار منذ بدايات استيلاء البعثيين على الحكم، لقد كان البعثيّون يستشعرون أن قوة الترابط العشائري سوف تهدد سيطرتهم على البلاد، فمزقوا العشائر وأهانوا زعماءها ليسهل عليهم استعباد أبنائها..
إن في عشائر سورية رجالاً قادرين على الفعل المؤثر في دعم الثورة، بل وفي قيادتها.
ويبقى أن المطلوب في ظل ما تمرّ به البلاد الآن هو العمل على الوصول إلى هؤلاء الرّجال.. وهنا لا تغفل عين المتتبّع المهتم عن أمرين:
الأول: هو أن الكثيرين ممن لبسوا عباءات الشيوخ هم من العملاء السّابقين الذين صنعتهم أجهزة البعث، وهذا ما تتجلّى براهينه في مواقف الكثيرين ممّن انخرطوا في الثّورة فكانوا عوامل تدمير فيها، بدل أن يكونوا عوناً للثّوار، أمّا الذين يمكن التعويل عليهم فقد نأى كثيرون منهم بأنفسهم عن أن يتكسّبوا أو يتنصّبوا وهم يرون بلدهم يدمّر، في حين بادر بعضهم في دعم الثّورة سرّاً أو علانية رغم ضعف إمكاناتهم، وحققوا نتائج تُحمد لهم.
والثاني: هو أنّ الثوار المقاتلين على الأرض بدؤوا يدركون، ولو متأخراً، أن وقوف المقاتل إلى جانب أخيه وابن عمه أجدى له من الاستعانة بأشباح مجهولين يلبسون لباس الإسلام، ولا أحد يعرف ماذا يخفي ذلك اللباس، وتلك مسألة يمكن أن تعطى حقّها من التنظيم الثوري والدّعم المادّي، وفي ثورة عشائر العراق خير حافز وخير برهان.