المجالس؛ مصطلح يتجاوز أسمه ومحتواه؛ فهي إحدى العادات القديمة التي ما زالت تتربع على رأس السمات الإجتماعية التراثية العريقة لدول الخليج العربي؛ لما تملكه المجالس من أهمية وتاريخ، ودور في إثراء الحياة الاجتماعية، خلاف ما تحمله من دلالات ثقافية وتراثية.
ورغم التطور الاقتصادي والمجتمعي ما زال “المجلس” الخليجي؛ يُمثل تراثًا بصبغة حديثة كعلامة من علامات التواصل بين أفراد المجتمع وتعزيز العلاقات بينهم؛ والأغلبية تحافظ عليها حتى لو تغير شكلها القديم.
فعندما يحل المساء يتوافد الأهل والأصحاب في أحد المجالس، المعتاد ارتيادها؛ يحتسون أكواب القهوة العربية، ويتحدثون في قضايا ومواضيع إجتماعية ودينية مختلفة؛ وقد يتجاوز الأمر للقضايا السياسية.
فيها تحلو الجلسات بكبار السن الذين يروون أحاديث الذكريات والتغيرات التاريخية والإجتماعية التي عاشتها البلاد؛ ويتعلم فيها الصغار من الكبار العادات التقليدية والأصيلة في المجتمع الخليجي.
في الكويت والإمارات يطلق على المجلس “الديوانية”؛ وغالبا ما يكون المجلس منفصلاً عن المنزل الأصلي.
الخبير والباحث في التراث الثقافي حمد حمدان المهندي؛ المستشار في وزارة الثقافة القطرية؛ قال لـ”الأناضول”: إن “المجالس كانت وما زالت المنبع الأصلي للثقافة والقيم والتربية التي تتناقلها الأجيال؛ وتورثها لأبنائها”.
وأضاف المهندي أن “الأعراف التربوية التي تسري في المجتمع، منبعها الاساسي ما يتعلمه الابناء في المجلس؛ من احترام الكبير؛ والكرم؛ وحسن الضيافة؛ وأبرزها أن المجالس لا تكون مكاناً للغيبة والنميمة وإفشاء الاسرار”.
وبيّن المستشار أن “المجالس في قطر تُوصف بانها مدارس لا تغلق أبوابها طوال فصول العام؛ منها ينهل الصغار العلم النافع والصفات الطيبة الأصيلة، والأخلاق الحميدة”.
وفي القديم كان يتجمع أفراد العائلة أو الأصدقاء في مجلس الأكبر سناً في محيطهم؛ فيما يُعرف بـ “مجلس العم” أو “مجلس الوالد”. فتسمى المجالس نسبة لكبير العائلة أو اسم العائلة الأكبر.
“الأناضول” زارت “مجلس المسلماني” وسط العاصمة الدوحةـ أقدم مجالس قطر؛ تأسس قبل 100 عام؛ وتحدث مراسلنا مع أهل المجلس؛ د. ناصر بن جاسم المسلماني؛ ود. محمد بن جاسم المسلماني.
واكدا في حديثهما؛ أن المجالس كانت تمتلك قديمًا أهمية كبيرة؛ فهي مجمع الكبار؛ ويتجمع فيها الامراء وضيوفهم؛ وأن المجالس الآن أصبحت بجوار كل بيت؛ بعد الحداثة والتقدم المادي في دول الخليج على رأسها قطر”.
وأضافا أن “المجلس يمثل رمزية للتآلف والتقارب في المجتمع؛ يتحدثون في مشاكلهم؛ ففيها تنظم بيوت العزاء وتقام الأفراح؛ وتتقابل الشخصيات؛ والمعايدات والمناسبات المختلفة؛ بل يستقبل احياناً زعيم الدولة ضيوفه في مجلسه الخاص؛ ويستمع إلى شكاوى مواطنيه في نفس المجلس.”
وتابعا أن “المجالس كانت قديماً ملجأً لعابري السبيل؛ يُكرمون فيها ويقضون حاجتهم”.
وأضافا “قديماً أيضاً كان كل زعيم قبيلة يرأس مجلساً يحل فيه مشاكل قبيلته؛ حيث كان لها الدور الإيجابي في فض المنازعات؛ وأيضاً كان هناك مجالس لحل مشاكل وقضايا بعنيها”.
وتحولت مع مرور الزمن هذه المجالس التقليدية إلى مجالس علمية أو مجالس دينية او ثقافية حسب المجال؛ وقد يعقد بعض الشباب في مجالس أحدى اصدقائهم ندوات علمية تثقيفية ويدعوا الجميع لحضورها.
وأحياناً تستضيف المجالس العلماء والدعاة والكتاب والمشاهير؛ فهي تمثل “صالونات ثقافية”.
للمجالس طقوس
وللمجالس طقوسها الخاص بها؛ فتبدأ باستقبال الضيف ببخار العود الطيب؛ واحتساء القهوة العربية؛ ولا ينصرف مُقدم القهوة إلا بعد تحريك الفنجان بطريقة معينة؛ وتقدم له التمور؛ حيث يعتبران (القهوة والتمر) جزءًا لا يتجزأ من طقوس كرم الضيافة.
ولا تخلو المجالس من الأطعمة المختلفة ذات الطابع الشعبي والتراثي كالرهش واللقيمات والبلاليط والمناقيش واللقيمات.
وعلى سبيل المثال: “الحلوى العُمانية”؛ جزء لا يتجزأ من الضيافة الخليجية، فمن النادر أن تغيب عن المجالس ويفضلها الكثير عن الحلوى الغربية؛ فهي حلوى بطعم التراث ومكوناتها مرتبطة بالطعام الموروث والتقليدي، لذلك حلت في مكانة رفيعة بين دول الخليج.
تسابق في التصاميم
تتميز المجالس بتصاميم تحمل الطابع التراثي القديم؛ وأحياناً تدمج العربي والغربي؛ فتختلف نوع الجلسة واللوحة المُعلقة على جدارها وشكل التزيينات؛ حيث يتنافس اصحاب المجالس في ذلك؛ فيعبر المجلس وتصميمه عن صاحبه.
وتوجد شركات متخصصة في تصميم المجالس التي تتنوع في عروضها ما بين التصميمات التقليدية أو الأوروبية أو الإسلامية المغربية والدمشقية والأندلسية؛ بحسب رغبة الزبون.
وقد يكون المجلس خيمة كبيرة مجهزة؛ يحضر في مدخلها الشاي والقهوة على الفحم.
رعاية رسمية
وتولى الدولة أهتماماً خصاصا بمثل هذه الطقوس التراثية وتحاول دعم المبادرات التي تسعى لإحيائها؛ ففي قطر أطلقت وزارة الثقافة والرياضة القطرية العام الماضي مبادرة لإعادة إحياء دور المجالس ثقافيا واجتماعيا.
كما أطلقت إحدى مؤسسات المجتمع المدني، “جمعية قطر الخيرية” مبادرة تحت اسم المجالس مدارس تهدف نشر الوعي والثقافة عن طريق إقامة محاضرات وجلسات دورية تساهم في تعزيز الهوية الوطنية والتواصل بين الأجيال.