ضمن المسيرة الإسلامية الإصلاحية التي تنتهجها مجلة «المجتمع» منذ تأسيسها، طلبت المجلة من رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي عبدالله علي المطوع بيان رأيه في الكيفية التي يجب أن تنهجها حكومات الدول العربية والإسلامية بغية إصلاح المجتمع وفق خطة تواكب الصحوة الإسلامية التي أخذت تنمو وتتصاعد على الرغم من العقبات والمخططات التي وضعها أعداء الإسلام ضد هذه الصحوة.
ويسرنا أن ننشر إجابة السيد رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي في منبر هذا العدد، داعين الله تعالى أن يلهم كل مسؤول في حكومات العالم الإسلامي أن يعمل جاهداً من أجل الإصلاح الذي هو مطلب أساسي لدى جماهير أمتنا العتيدة، ونترك الآن البيان للسيد رئيس جمعية الإصلاح عبدالله علي المطوع.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحابته أجمعين.
وبعد:
فإن الحديث عن الإصلاح يطول؛ لأنه يحيلنا إلى استبطان العلل والمسببات التي أدت إلى انتشار الفساد الاجتماعي، ولكننا في هذه العجالة سنضع بعض الخطوط التي نعتقد أنها من الأسس التي يجب أن يرتكز عليها الإصلاح المطلوب.
نعم، إن إصلاح المجتمعات العربية والإسلامية الممتدة على رقعة كبيرة من الأرض لهو أمر تتطلبه الضرورة الملحة، حيث إن سلامة المجتمع الإسلامي تقتضي الإصلاح الجذري في كل شأن من شؤون الحياة، وهذا لا يتم إلا بانتهاج النهج السليم واقتفاء الطريق الأمثل بل الطريق الوحيد؛ «ألا وهو الالتزام بالإسلام والعمل الجاد على تطبيق شريعة الله وتبني تعليماته في كل شأن من شؤون الحياة»، وهذا يقتضي بالضرورة بعض الأمور اللازمة التي نرى من أهمها:
1- الحاجة الماسة إلى تضافر جهود المخلصين في أجهزة الدول والحكومات الإسلامية مع جهود الحركات الإسلامية التي تعمل بشكل جاد من أجل الإصلاح وإنقاذ تلك المجتمعات من مؤامرات أعداء الإسلام.
2- العمل على نبذ كل ما هو دخيل على مجتمعاتنا وكل ما له مساس بعقيدتنا ونبذ الأفكار الرعناء التي تتبناها بعض الدول في منطقتنا العربية والإسلامية كالأفكار اليسارية والمبادئ الهدامة، وما صاحبها من أشياء دخيلة كاشتراكية وظلم واستبداد وتسلط.
ولدى مراعاة ذلك لا بد من الرجوع والأخذ بالمنهل الصافي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتاب الله جل جلاله وشرعه وسُنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتهيأ لنا بناء مجتمع مثالي يسوده الرخاء والاستقرار، ويعمه الخير وتصونه الفضيلة، ولا بد أن يرافق هذا المنحى وعي وتنبيه إلى الأخطار المحيطة بالأمة وأجيالها الصاعدة، فاليهودية المجرمة الماكرة تخطط لطمس الشخصية الإسلامية، والدعوات الصليبية الحاقدة تنتشر كالسرطان في كل مكان من جسد أمتنا، وذلك بأشكال خبيثة خادعة تكمن وراء مؤسسات التبشير المعروفة، كالمدارس والجامعات والمؤسسات التي تقف معها الماسونية، ونوادي الروتاري والليونز وغيرها، تلك التي بدأت تنتشر بشكل مرخص في بعض أقطار العالم الإسلامي، والعجيب أن نرى بعض حكومات العالم الإسلامي والعربي تمد يد العون والتشجيع المعنوي والمادي لهذه المؤسسات العاملة على إفساد الأجيال المسلمة، وربطها بروافد فكرية وثقافية تحاول هدم شخصيتنا المبنية على الإسلام، ويدخل في هذا الباب ضرورة محاربة ما زرعه الاستعمار من نحل ومبادئ هدامة انتشرت في الوطن الإسلامي انتشاراً خطيراً، وأخذت تسيطر على الحكم في بعض الأقطار الإسلامية.
إن هذا الواقع الأليم واقع الغزو الأمريكي الفكري لأجيالنا الجديدة لا بد وأن يصطدم بالرفض الذي ظهر بالبعث الإسلامي الجديد، الأمر الذي لا بد أن يؤدي إلى صراع مرير بين أمتنا وتلك المبادئ اللا إسلامية الهدامة التي تريد الصليبية واليهودية والاستعمار بأشكاله المختلفة فرضها على أمتنا بهدف احتوائها، وتمكين أصحاب المصالح الدولية من استغلال إمكانات شعبنا ومواردنا كافة بعد القضاء على شخصيتنا.
إذن، فلا بد من الإصلاح الجذري.. إصلاح جوانب الحياة كلها، وذلك بدءاً بالمواقع الأساسية التالية:
أولاً: التعليم:
ومعروف أن التعليم بكافة فروعه ومجالاته هو الأساس الأول في بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة، فلا بد من إصلاح الجهاز التعليمي ومناهجه ومواده بما يتوافق مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وإبعاد الشوائب الدخيلة التي سربها الاستعمار في مختلف المناهج الدراسية يوم أن كان جاثماً على صدر الأمة يستغل خيراتها ويشوّه أفكار أبنائها، ويدخل في باب إصلاح التعليم مسألة مهمة والعملية التعليمية والخلقية والتربوية.
ثانياً: الإعلام:
إن الإعلام إحدى أهم الأدوات التي يمكن أن تفعل شيئاً مهماً للغاية في مجال الإصلاح، وإننا لا نبالغ إذا قلنا: إن الطامة الكبرى التي حلت في مجتمعاتنا قد اعتمدت على ترويج إعلامي مكثف ساهمت فيه الصحافة والإذاعة والتلفاز، فضلاً عن دور السينما التي اشتركت مع أجهزة الإعلام الأخرى في ترويج بضاعة الغرب المنحل في أوساط المسلمين.
لقد كان عمل أجهزة الإعلام المختلفة أيام الاستعمار قائماً من خلال وصاية المحتلين الصليبيين ولا سيما في مصر ولبنان، فقد ساهمت الحركة الصحفية آنذاك بنقل الفكر الوافد الدخيل الذي يحوي بين جنباته الإلحاد والعبث والخلاعة والمجون، وللأسف فإن أجهزة الإعلام كأدوات حيوية ما زالت حتى اليوم متأثرة بالطبيعة الإعلامية الخاضعة للوصاية والتوجيه الاستعماري.
إن إصلاح الإعلام ووضعه في خدمة المجتمع أمر بات مطلوباً بالضرورة، فهو الوسيلة المتحركة الأولى في التوجيه والتوعية من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى جميع المسؤولين في عالمنا الإسلامي العمل على إصلاح الإعلام بما يتلاءم والتوجيه الإسلامي الصحيح؛ خوفاً من أن ينطبق علينا الوصف الذي أنزله الله تعالى ببني إسرائيل عندما قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ. كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) “المائدة:78-79”.
ثالثاً: القضاء على مواطن الفساد:
وهذا جانب مهم من جوانب الإصلاح، ولعل دعاة الحركة الإسلامية يعرفون مقدار الخطر الناجم عن وجود بؤر الفساد المتمثلة في الملاهي وأماكن الفحش والدعارة والمراقص وبرك السباحة المختلطة، وغيرها من الأماكن المرخصة وغير المرخصة، التي تنتشر في كثير من مواطن البلاد الإسلامية، ونحن نعتقد أن أي إصلاح للمجتمع لا يأخذ هذه الناحية بعين الاعتبار لا يمكن أن يكون إصلاحاً جذرياً أبداً، حيث إن ما يبنيه البعض تهدمه هذه البؤر الفاسدة المحرمة ومَن وراءها، ولقد عرف الاستعمار من أي طريق يغزو المجتمع الإسلامي، فكان أول من فتح دور اللهو والدعارة في العالم الإسلامي، وكان أول مشجع لتوسيع هذه الأماكن التي تنشر الفساد.
رابعاً: تنشيط المؤسسات الإصلاحية الإسلامية:
وهذا أمر بدهي إذا أراد المسؤولون الإصلاح حقاً.. ولعل فتح المؤسسات الإسلامية الإصلاحية وتعميم وجودها في العالم الإسلامي أمر تقتضيه الضرورة القصوى.. ولتكن هذه المؤسسات رديفة للصحوة الإسلامية الشاملة.. وهنا تبدو مسؤولية الحكومات في الدول الإسلامية في فتح هذه المؤسسات ومن ثم تشجيعها مسؤولية كبيرة جداً.
نعم، إن هذه الجوانب هي من أسس إصلاح المجتمعات الإسلامية المطلوبة، ولا بد أن يكون للحكومات الإسلامية دور فعال في العمل على الإصلاح المطلوب بما يتواكب مع الرغبة الشعبية الملحة عند جماهير المسلمين وهي تعيش بعثها الإسلامي المشهود.. تلك الجماهير التي تعتبر الإصلاح الإسلامي في كافة المجالات مطلباً أساسياً في استقامة هذه الحياة، ولا سيما في التقنين وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية تطبيقاً فعلياً شاملاً لتكتمل فيما بعد شخصيتنا الإسلامية التي يمكن أن تحقق استقلالنا وحريتنا وتلبي طموحاتنا في الدنيا.. ومن ثم يتحقق رضاء الله في الدنيا والآخرة.. وبهذا يتحقق لنا الأمن والطمأنينة والرخاء والاستقرار والقوة والمنعة.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] العدد (486)، عام 1980، ص27.