على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه العالم العربي التي يعود بعضها إلى مئات السنين، فإن بعض الدول العربية تمكنت من السير إلى الأمام لتتبوأ مكانة متقدمة بين أفضل 10 دول من حيث جودة التعليم في العالم، في وقت تعاني دول أخرى من وضع تعليمي صعب، سواء لأسباب تتعلق بتدهور وضعها الاقتصادي، أو لأنها تعيش توترات سياسية وعسكرية انعكست بشكل مباشر على التعليم.
وبحسب «مؤشر دافوس العالمي» للعام 2023م، الذي يقيس جودة التعليم في العالم، جاءت دولة قطر في المرتبة الرابعة عالمياً بعد كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة، ومتقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهولندا.
الكثافة السكانية من المعوقات لكنها لا تمنع إرادة التطوير
وفي المرتبة الثانية عربياً جاءت الإمارات العربية المتحدة محتلة المرتبة الـ10 عالمياً، ولبنان جاء في المرتبة الثالثة عربياً، وعالمياً الـ25، والبحرين جاءت في المرتبة الرابعة عربياً، وعالمياً الـ33، والأردن جاء في المرتبة الخامسة عربياً، وعالمياً في المرتبة الـ45.
أما السعودية، فجاءت في المرتبة السادسة عربياً، وعالمياً في المرتبة الـ54، وجاءت تونس في المرتبة السابعة عربياً، وعالمياً في المرتبة الـ84، والكويت في المرتبة الثامنة عربياً، والـ97 عالمياً.
وفي المرتبة التاسعة جاءت المملكة المغربية وعالمياً في المرتبة 101، وفي المرتبة العاشرة جاءت عُمان وعالمياً في المرتبة الـ107، واحتلت الجزائر المرتبة الـ11 عربياً والـ119 عالمياً، وموريتانيا جاءت في المرتبة الـ12 عربياً وعالمياً في المرتبة الـ134، ومصر الـ13 عربياً والـ139 عالمياً، بينما خرجت ليبيا والسودان والصومال والعراق وسورية واليمن من التصنيف.
ورغم تفاوت مستوى التعليم في الوطن العربي، حيث لكل بلد ظروفه التي تحدد شكل العملية التعليمية بما يتوافق مع الإمكانات المتاحة، واختلاف أنظمة التعليم في كل دولة، يتفق خبراء تحدثوا إلى «المجتمع» بشأن الأسباب التي قد تجعل بلداناً عربية باتت تتمتع بالفعل بتعليم ذات جودة مقبولة، سواء على مستوى البنية التحتية أو المناهج وإعداد المعلمين، بينما هناك دول أخرى تسعى نحو ذلك الهدف أيضاً.
الإرادة السياسية
وبحسب الخبير التربوي د. محمد عبدالعزيز، أستاذ العلوم والتربية في جامعة عين شمس، هناك دول مثل قطر والإمارات أصبح مستوى التعليم فيهما جيداً جداً لأنهما أخذتا بالمعايير الدولية لتطوير التعليم لديهما، وأصبحنا نراهما في قائمة الدول التي تتمتع بجودة في التعليم.
يجب إعداد طالب يمتلك مهارات العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي
وأرجع عبدالعزيز السبب الرئيس في تطور مستوى التعليم بقطر والإمارات تحديداً إلى عدة معايير، أهمها الاعتماد المعايير الدولية لتطوير التعليم، موضحاً أن هناك عوامل مساعدة لإنجاز هذه المهمة، مثل الكثافة السكانية والمستوى الاقتصادي، لكن بالمثال أيضاً لدينا المملكة العربية السعودية وليبيا، فهما دولتان نفطيتان أيضاً لكن مستوى التعليم بهما دون المرجو، وقال: إن السعودية وليبيا لديهما وفرة مالية جيدة جداً، لكن التعليم بهما ليس الأفضل، وذلك يرجع للمعايير الدولية التي تتبناها كل دولة، بالإضافة إلى الإرادة، وهل توجد إرادة للتطوير للمستقبل.
بينما يرى الخبير التربوي د. حسن شحاتة، أستاذ المناهج في كلية التربية بجامعة عين شمس، في حديثه لـ«المجتمع»، أن الإرادة السياسية في إحداث تغيير وتطوير في كل المجالات بما فيها تطوير التعليم، لكن الكثافة السكانية والتحديات الاقتصادية من المعوقات بالفعل، لكنها لا تمنع إرادة التطوير.
تحديات كبيرة
حديث الخبيرين لا يعني أن التحديات بالعالم العربي في مسألة تطوير التعليم هيّنة، بل بتأكيدهما أن التحديات كثيرة ومتشعبة، وحلها يحتاج إلى مجهود كبير، يقول الخبير التربوي محمد عبدالعزيز: إن هناك بعض الدول العربية بها مشكلات كبيرة ومتجذرة في مسألة التعليم، فهذه الدول حتى لو أخذت بالمعايير الدولية يكون حبراً على ورق؛ لأنها عندما تطبق هذه المعايير على أرض الواقع تصطدم بالكثير من التحديات، في مصر، مثلاً، أكبر عائق هو التحدي المالي مع كثافة طلابية كبيرة، وتابع: للأسف هناك بعض الدول العربية تقوم بنقل المنظومة التعليمية لبعض الدول المتقدمة دون دراستها، وفي النهاية تكون النتيجة هي الفشل، فيجب أن يكون الاستفادة من هذه الدول هي كيف نجحوا.
من المهم بناء مؤسسات تعليمية قوية لديها رؤية جيدة للمستقبل
ويضيف أنه أمام هذه التحديات الكثيرة في بعض الدول العربية لا بد من عملية مواءمة للواقع، فلكل دولة طبيعة خاصة ويجب مراعاة ذلك حتى تنجح عملية التطوير.
ويتفق مع هذا الرأي الخبير التربوي د. حسن شحاتة؛ إذ يؤكد أن لكل مجتمع ظروفه الخاصة، ولا بد من وضع التعليم العربي في المنافسة العالمية، وجعل كل ما هو عالمي في خدمة ما هو عربي وليس العكس.
ولفت د. شحاتة إلى أن تطوير التعليم ضرورة مجتمعية لتطوير الحياة وتحسين مهارات الإنسان والاستثمار فيه، وهذا يتطلب مؤسسات تعليمية قوية ولديها رؤية جيدة للمستقبل.
ماذا نريد؟
هذه الرؤية يجب أن تضمن كيفية إعداد طالب قادر على مسايرة العالم، فاليوم أصبحنا نعيش ليس في قرية واحدة، وإنما في بيت واحد، يقول د. شحاتة: إنه يجب على المتعلم أن يمتلك مهارات العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي، ويستطيع أن يتعامل مع التكنولوجيا بإمكاناتها الهائلة، وأن يتواصل ويتشاور مع أقرانه في العالم الخارجي، ولا بد من تعلم اللغات الأجنبية ومعرفة ثقافتهم.
ويلتقط منه خيط الحديث عبدالعزيز قائلاً: نحن الآن في مجتمع عربي جديد، وهذا يحتاج إلى إنسان يفكر ويبدي رأيه ويقارن ويحترم ثقافة الآخر ويتعايش مع الجميع في أمان وسلام مع كل بلاد العالم، وضرورة أن تضع كل دولة ما يمكن تسميته خطة قومية للمستهدف من التعليم، فعند التخطيط لأي مستقبل يجب أن تكون البداية من التعليم، وأن يكون المجتمع جزءاً لا يتجزأ من مسألة التعليم.