الموس: الشرع رفع من قيمة الحرية الفردية وجعلها أساس التكليف والجدل الدائر حولها إيجابي
بويخف: الحريات المباحة في الإسلام غير قابلة للتوسيع كالحريات الفردية لأنها تحدها حدود تتعلق بالحرام والمكروه
تصاعد الجدل في المغرب حول الحريات الفردية، بعد اعتقال صحفية بتهمة الفساد والإجهاض، قبل أن تحظى بعفو ملكي، وقد وجد يساريو المغرب أو ما يسمى بـ”الصف التقدمي” الفرصة سانحة للمطالبة بعدم تجريم العلاقات الرضائية خارج الزواج وإباحة الإجهاض.
في الصف الإسلامي، تباينت الآراء حول هذه القضية، حيث كتب د. أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن أعداء مسمى “الحريات الفردية” صنفان؛ أولهما الذين يشوهونها ويُــتَـفِّهُونها ويسيؤون استخدامها، ومن ذلك أنهم حصروها في بعض الممارسات الشاذة والأفعال الساقطة، كالزنا والشذوذ الجنسي والخيانة الزوجية، وثانيهما الذين يمنعونها بغير وجه حق، منها منع الناس من التعبير عن أفكارهم ومواقفهم، ومنع حرية المرأة في لباسها الساتر، سواء كان حجاباً أو نقاباً أو لباسَ سباحة.
وفي تصريح لـ”المجتمع”، أكد الباحث الإسلامي، الحسين الموس، أنه إذا كانت الحريات الفردية تعني حق الفرد في التصرف وفق ما تمليه عليه قناعته واختياراته في الحياة؛ فإن الشرع قد أعلى من قيمتها وجعلها أساس التكليف.
وأضاف صاحب كتاب “الحريات الفردية تأصيلاً وتطبيقاً” أنه لا تكليف دون اختيار حر وصريح، وتشهد نصوص الكتاب والسُّنة والقواعد الشرعية لأهميتها ولضرورتها، ففي الكتاب يقول الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256)، وهي قاعدة كلية لا تلغيها مسائل الأعيان، وفي السُّنة النبوية روى ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنه: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، ومن القواعد الشرعية المستلهمة من ذلك قولهم: “الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التَّصَرُّفِ فِعْلاً كَانَ أَمْ قَوْلاً”، لكن هذه القيم تضع الإنسان في مسؤولية تبعة أفعاله، أنه ينبغي أن يجتهد في فهم مقصد وجوده في الكون، وأن ينجح في الاختبار.
ومن جهة أخرى -حسب الباحث الموس- فإن المجتمع في نظر الشريعة متضامن ومتكافل في الحفاظ على هويته وقيمه، وله من خلال مؤسساته أن يضع من القوانين والتشريعات ما يعين على حفظ الحريات الفردية، والحيلولة دون جور بعضها على بعض.
ويعتبر الباحث ذاته أن الجدل الدائر حول الحريات الفردية -في عمومه- صحي وإيجابي، لكن الذي ينبغي التأكيد عليه أن حقوق الإنسان متكاملة، ولا ينبغي النظر لحق واحد وإغفال بقية الحقوق، فحين نتكلم مثلاً حول الحريات الجنسية؛ فإن الإسلام قيّدها، وجعل الإطار الصحيح لتلبيتها هو الزواج الشرعي بين رجل وامرأة، ومقصد هذا التقييد حماية المجتمع من الآفات المترتبة على إطلاقها دون ضوابط، وحماية الأسرة باعتبارها اللبنة الأساس لحفظ نمو الطفل وحياته، وقس على ذلك مسألة الإجهاض التي ليست تصرفاً خاصاً بالمرأة؛ بل لها علاقة بحق الجنين في الحياة، وبحق المجتمع في حفظ نسله.
في المقابل، أكد المحلل السياسي، حسن بويخف، أنه على المستوى الفلسفي تتمحور الحريات الفردية حول أربع قواعد؛ الأولى تتعلق بكون الإنسان ابن الطبيعة، والثانية تتعلق بالرغبات الحرة لذلك الفرد، والثالثة أن تمتع الفرد برغباته المختلفة لا يحد منه إلا القانون، والرابعة تتعلق بكون ذلك القانون يخضع لديناميكية متنامية من رغبات الأفراد تضيقه باستمرار.
ويضيف: بمعنى أننا أمام حريات مطلقة من الناحية النظرية، مصدرها الفرد، ومحددة بقواعد قانونية تتجه نحو مزيد من تحرير مجالات تمتع الإنسان برغباته وشهواته، على مستوى الواقع، في حين أن الإسلام يقدم الإنسان على أنه عبد لله ابتداء، وهذا الأصل يعني أن تمتع الإنسان برغباته وشهواته وأهوائه يخضع لقاعدة ثنائية مرضاة الله وسخطه.
ويوضح أننا لسنا أمام حريات ترجع إلى الأفراد، بل أمام حريات ترجع إلى الله، ومن هذا المنطلق لا يمكن الحديث عن حريات فردية، بل عن حريات مباحة، ذلك أن مجال الحريات هو مجال عفا الله عنه، ولم يقيده بقيود الحرام أو المكروه.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية –حسب بويخف- فإن تلك الحريات المباحة في الإسلام غير قابلة للتوسيع كما هو الشأن في الحريات الفردية، بل تحدها حدود نهائية تتعلق بالحرام والمكروه، أي بدائرة المعاصي والذنوب، وهذه الدائرة يستحيل تضييقها؛ لأنها محكومة بقواعد فوق الزمن والتاريخ.