في مثل هذا اليوم 28/ 2/ 1997؛ أي منذ 24 عاماً، أطاح انقلاب عسكري بحكم نجم الدين أربكان؛ لتشهد تركيا بعدها 5 سنوات عجاف امتلأت بالظلم والسجون والاضطهاد والضعف على كل المستويات.
بهذه المناسبة، تعيد “المجتمع” نشر حوار أجرته المجلة مع نجم الدين أربكان، في 20/ 12/ 2003، ونشرته في العدد (1581)، تحدث فيه عن المشهد السياسي في تركيا، وكيف تآمر عليه الانقلابيون؟
رغم بلوغه السابعة والسبعين لم يتعب الرجل بعد من مشقات العمل السياسي، فقد عاد الزعيم التركي نجم الدين أربكان إلى المعترك السياسي بعد خمس سنوات كاملة عاشها في حظر سياسي أبعده عن رئاسة الحكومة وعن الحياة السياسية رافعاً شعار الإحياء الثاني للرؤية القومية الإسلامية فلسفة وتنظيماً.
ثم عادت المحاولات ضده مرة أخرى بحكم قضائي يقضي بسجنه في محاولة لعزله تماماً من الساحة السياسية مدى الحياة.. وبالرغم من كافة العراقيل التي وضعها العلمانيون أمامه إلا أنه قاد حزب الرفاه لنصر كبير في عام 1995 ليتولى رئاسة حكومة ائتلافية كان أهم ما يميز عهدها القصير التقارب مع الدول الإسلامية والعربية ولم تستمر حكومة أربكان أكثر من عام حيث واجهت ضغوطاً هائلة من المؤسسة العسكرية حامية النظام العلماني في تركيا. ومن هنا يكون للقاء مع الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان أهمية خاصة، حيث تحدث باستفاضة عن العديد من القضايا المهمة:
ما تعليقكم على القرار الصادر مؤخراً من محكمة الاستئناف بحبسكم عامين وما مردود ذلك على مستقبلكم السياسي؟
– في الحقيقة.. إن الهدف من هذا الحكم واضح للغاية وهو إبعادي عن العمل في المعترك السياسي إلى الأبد، ولن أرضخ بسهولة وسوف أستخدم كل الطرق القانونية للاعتراض على هذا الحكم لأن الحكم الصادر بسجني منافٍ تماماً للدستور التركي. وأرى هنا أن هذا القرار يأتي متزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في مارس القادم لإرباك حزبنا.
إنهم يتخوفون من عودة حزب «السعادة» إلى الساحة من جديد خوفاً من إفشال مخططاتهم.
كيف نقيم العلاقات العربية التركية.؟
– العلاقات التركية العربية ممتازة وترجع إلى عهود طويلة ذات جذور تاريخية، فالعرب والأتراك إخوة في الإسلام. كما أن العلاقات التركية ـ العربية لها جذور عثمانية منذ قرون طويلة. فعلاقات تركيا مع جيرانها العرب يجب أن تكون جيدة لأن كل واحد منهم يكمل الآخر، لقد عملنا أثناء تولينا السلطة في عام 1996 على الارتقاء بهذه العلاقات وتجسد ذلك من خلال تشكيلنا لمنظمة الدول الثماني وهي تهدف لجمع الشمل العربي والإسلامي تحت مظلة واحدة.
كيف يمكن في ضوء رؤيتكم ـ استثمار هذه العلاقات فيما يتعلق بمشكلة الشرق الأوسط والقضية العراقية..؟
– كما تعلمون أن دور تركيا الريادي كدولة مركزية في الشرق الأوسط معروف منذ القدم حيث أثبتت تركيا مرة تلو المرة إصرارها على فتح صفحة جديدة في تاريخها واستعدادها للبدء في نفس الوقت بتسجيل فصل جديد في تاريخ المنطقة. إن جهود تركيا لم تنحصر في الاهتمام بشئونها الداخلية وكنتيجة لذلك أصبحت تركيا رائدة في جمع الأطراف المتنازعة والتوسط في نزع فتيل الأزمات. أما بالنسبة لعلاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط وجاره العراق فإن علاقاتنا الممتازة مع مختلف أقطار المنطقة معروفة لدى الجميع فتركيا تحتل موقعاً جغرافياً مركزياً حيث تتلاقى قارتا آسيا وأوروبا. وقد أثبتت أحداث التاريخ أهمية موقع تركيا الجغرافي الذي تطمح من خلاله لأن تكون جسراً بين الشرق والغرب. وقد ساهمت تركيا بعدة طرق في مساعدة دول المنطقة فقد دعمنا إخواننا الفلسطينيين في كفاحهم من أجل استرداد حقوقهم المشروعة ومن أجل عودة اللاجئين إلى أراضيهم. ويجدر القول هنا أننا عضو في منظمة الدول الثماني ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكلتاهما تساهم في خدمة المصالح الإسلامية على وجه العموم وقضايا الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
ما موقفكم من قضية إرسال قوات تركية إلى العراق؟
– بالطبع، نحن نرفض بشدة إرسال قوات عسكرية إلى العراق لأننا نرى أن ذلك سيساهم ولو بدرجة قليلة في مساعدة الاحتلال الأمريكي لأرض العراق المسلم. والحمد الله إخواننا في العراق رفضوا وصول قوات تركية إلى أراضيهم ولذا فقد أسدل الستار على هذه المسألة التي شغلت الرأي العام التركي لفترة طويلة.
أليس من المدهش أن تقبل تركيا التعاون مع الولايات المتحدة وهي التي تكبد اقتصادها خسائر كبيرة بسبب حرب الخليج الأولى ومغامرة ما قد ينتج عنها من وضع سياسي جديد.. ما رأيكم بذلك؟
– بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبقاء الولايات المتحدة على الساحة بمفردها سعت بكل ما لديها من قوة وبكل الوسائل المتاحة لديها للسيطرة على خيرات العالم وتسخيرها لخدمة مصالحها ومآربها الخاصة ولتعزيز شوكة الصهيونية العالمية في المنطقة من خلال الحروب التي شنتها في المنطقة في أفغانستان وأخيراً في العراق. وفي هذه الأثناء ومع الأسف ضلت الحكومة التركية الحالية الطريق وسلمت نفسها للولايات المتحدة وأصبحت هي الأخرى تقوم بالمحافظة على المصالح الأمريكية في المنطقة من خلال الانصياع للأوامر.
ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة كان لها دور كبير في الإطاحة بحكومتنا (الرفاه) عام 1996 بسبب توجهها الإسلامي وتقاربها الكبير من الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي أزعج أمريكا وإسرائيل، كل هذه الأمور دفعت بالولايات المتحدة لتدبير المؤامرات للإطاحة بنا حتى تستطيع أن تسرح وتمرح في البلاد كيفما تشاء، وبالفعل تحقق ما سعت إليه وذلك بدعم فئة من أصحاب القلوب الضعيفة في تركيا الذين جاءت بهم الولايات المتحدة إلى السلطة في الانتخابات الماضية. ولهذا السبب تقوم الحكومة الحالية برد الجميل للأمريكان بتنفيذ ما يملى عليها. وأعتقد أن هذه الأمور من الحكومة الحالية ساهمت بدرجة كبيرة في إحداث فجوة بين العرب والأتراك في وقت تحتاج فيه الأمة الإسلامية إلى تقوية صفوفها لمواجهة الأخطار التي تحدق بها.
ما نظرتكم المستقبلية للوضع في العراق؟
– في الحقيقة يتألم القلب للحديث عن المستقبل في وقت تجمعت فيه كافة قوى الشر لمحاربتنا في عقر دارنا، والمصيبة أننا نعجز عن الرد عليها حتى في قلوبنا، فما بالكم عن حال الأمة، ما زال علم “إسرائيل” يرفرف أمام أعيننا وكما تعلمون فيه لون أزرق يعني حدود دولة “إسرائيل” الكبرى من النيل إلى الفرات. بعد حرب أفغانستان تغلغل اليهود بشكل كبير هناك والآن في العراق يسرحون ويمرحون كيفما يشاءون والموساد يفتح مكاتب على مرأى ومسمع الجميع. والمشكلة لا تكمن هنا فقط لكن المشكلة هي أن المخطط الأمريكي الصهيوني هو ابتلاع أكثر ما يمكن من الدول، يعنى هناك دول موجودة في الخطة مثل سورية، إيران، مصر، وحتى تركيا وغيرها.. إلخ.
في موضـوع آخــر.. ما الخـطوات التي يقوم بها حزب السعادة لحـل مشكلة الحجاب؟
– كما تعلمون أننا تولينا السلطة في أعوام 1974 – 1978 و1996 – 1997 وفي تلك الفترة لم تكن هناك مشكلة للحجاب على الإطلاق، ولكن هذه المشكلة تفاقمت بشكل كبير في عهد الحكومات التي جاءت بعدنا، فقد قامت القوى الخارجية بتصعيد هذه المشكلة في البلاد من أجل إضعاف قوة تركيا. ويجب القول هنا إن الحملة الشرسة في تركيا ضد المعتقدات الدينية ليست ضد الحجاب بل ضد مدارس الأئمة والخطباء ومعاهد تعليم القرآن الكريم والهدف معروف وهو إبعاد تركيا عن الطريق الصحيح لأن الغرب يريد إضعاف تركيا.
بخصوص قضية الاتحاد الأوروبي هل تعتقد أن الاتحاد سيقبل ضم تركيا إليه أم سيظل يراوغ من أجل إبعادها عن العالم الإسلامي؟
– الاتحاد الأوروبي يماطل تركيا على مدي أكثر من أربعين عاماً ولا يقول صراحة: لا نريد دخول تركيا الاتحاد، تخوفاً من أن تتوجه تركيا صوب العالم العربي. إن الاتحاد يقطع الوعود فقط لا أكثر.
وما مدى العلاقة بين حزبكم وحزب العدالة والتنمية الحاكم وكيف تقيمون الأعمال التي قام بها طيلة الفترة الماضية؟
– الجميع يعرف أن عدداً من الأشخاص انشقوا عن حزبنا بمساعدة القوى الخارجية التي أمسكت بيدهم وجاءت بهم إلى السلطة.. هذه الفئة أسست حزباً هو «حزب العدالة والتنمية» الحاكم. وقد خلعت هذه الفئة قميص الرؤية القومية الإسلامية لكنها لبست «الشوال» الأمريكي. إن نواب حزب العدالة ليسوا كذلك والقاعدة أيضاً ليست كذلك، ولكن هناك عدد من الأشخاص اتبعوا شهواتهم وضلوا الطريق. ومن أجل تنفيذ الأوامر الأمريكية ضغطوا على النواب بكل ما لديهم من قوة لتمرير المذكرة في الأول من مارس الماضي للسماح للقوات الأمريكية بالانتشار على الأراضي التركية لكن محاولاتهم باءت بالفشل ولم ييأسوا بل واصلوا ضغوطهم حتى استطاعوا تمرير المذكرة المتعلقة بإرسال قوات عسكرية تركية إلى العراق في السابع من شهر أكتوبر الماضي لكن انقلب السحر على الساحر ورفضت أمريكا القوات التركية في العراق بالطبع بضغوط من الأكراد.
يعنى خلاصة الحديث أن الحكومة الحالية تسير في طريق مظلم.. نسبة البطالة مازالت مرتفعة في البلاد، وغلاء المعيشة، وزيادة الضرائب متواصلة ويكفي أن تعلم أن في تركيا حالياً 15 مليون شخص عاطل عن العمل و40 مليون شخص جائع.
ماذا يجب أن نقول أكثر من ذلك؟
بخصوص العلاقات التركية “الإسرائيلية” ماذا تود أن تقول للدول العربية والإسلامية المعنية بالاتفاقيات العسكرية التي وقعتها تركيا مع “إسرائيل”؟ وهل تعتقد أن هناك أية تهديدات للمصالح العربية في ضوء التعاون العسكري التركي “الإسرائيلي” رفيع المستوى هذا؟
– نحن كشعب مسلم نرفض التعامل مع اليهود ولكن الحكومة الحالية التي جاءت بها القوى الخارجية تتعطش لتطوير علاقاتها مع “إسرائيل”، وهذا الأمر يزعجنا كثيراً. وأود أن أقول هنا: إن الشعب يرفض ذلك، وقبل أن نوضح لإخواننا العرب عن الاتفاقيات العسكرية مع “إسرائيل” وتهديدها لدول المنطقة يجب علينا أن نوضح لشعبنا الذي يرفض كافة الطرق للتعامل مع اليهود كما أن هذه الاتفاقيات تهديد لأمننا وعلاقاتنا مع دول الجوار في المنطقة.
سؤال أخير وشخصي.. لقد واجهتكم طيلة عملكم في المعترك السياسي الكثير من العقبات لكنها لم تمنعكم من مواصلة السير على الدرب الذي رسموه.. ألم يراودكم اليأس طيلة تلك الفترة؟
– اليأس كلمة غير موجودة في قاموسي، لقد عملت وسط أجواء سادتها تشرذمات سياسية لكنني أدركت جيداً ما يدور حولي من مؤامرات بشعة لإبعادي عن الساحة، ولكن بفضل الله تعالى استطعت الوقوف على أقدامي من جديد ومواصلة الدرب لأنني أرى العمل في السياسة واجباً عليَّ تجاه أمتي.