يبدو أننا مضطرون لأن نُذكِّر من آن لآخر من لا يريد أن يتذكر بأهمية العمل الخيري الكويتي الذي هو مفخرة للكويت وأهلها على الساحات العربية والإسلامية والعالمية.
لقد تواصل أبناء الكويت مع الأجداد منذ زمن قديم في دفع عجلة العمل الخيري من تعليم وإغاثة وكفالة أيتام، وعلاج، وحفر آبار في المناطق الإسلامية العطشى، وكفالة طلاب العلم ومدرسيه.. وقد قامت جمعيات النفع العام الكويتية في الحقبة الأخيرة بمشاريع لا يراها المنصف إلا مثاراً لفخر كل كويتي.
فعلى الساحتين الآسيوية والإفريقية فتحت مئات المدارس وبنيت آلاف المساجد، وعشرات المستشفيات والمستوصفات وحفرت آلاف الآبار، وكفلت الألوف المؤلفة من الأيتام والفقراء، وطبعت ملايين النسخ من الكتب الإسلامية، والآلاف المؤلفة من المصحف الشريف وزعت مجاناً.. وبلغ مجموع من كفلهم أهل الكويت في مجال التعليم وحده ما يزيد على نصف مليون دارس.
وعلى ساحة البوسنة والهرسك وإغاثة لاجئي كوسوفا، تم فتح المدارس، وكفالة الأيتام واستقبال اللاجئين وإطعامهم وكسوتهم، وإقامة الخيام لسكناهم لحين تجهيز المباني الحكومية التي تسلمتها اللجان من حكومة ألبانيا وترميمها لتكون صالحة لإيواء اللاجئين.
هذه الأعمال الكبيرة، والجهود الجبارة تمت بمساندة شعبية ورسمية من أهل الكويت، ولكنا نرى من حين لآخر بعض الكتاب يشككون في هذه المنجزات، وفي أمانة القائمين عليها، الذين هم أناس ثقات يعملون ويساهمون بأموالهم الخاصة وبمبالغ كبيرة لدفع عجلة العمل الخيري الكويتي.
إن الصالحين من أهل الكويت جميعاً يوقنون أن حفظ الكويت إبان الغزو العراقي الغاشم، وتمكين أهلها من استرداد بلادهم وطرد المعتدين، إنما هو بفضل الله سبحانه وتعالى ثم ببركة ما يقدمه أهل البلد الطيبين ولجانه من أعمال الخير.
إننا نقول لبعض الكتاب والمحرضين والمصطادين في الماء العكر هذه إنجازاتنا، وهذا ما قدمنا من أعمال الخير، فهل ساهمتم بدينار واحد؟ وهل بنيتم مسجداً؟ وهل كفلتم يتيماً؟ فإذا كنا سنصطدم بالواقع المؤلم وهو أن الإجابة ستكون بالنفي، فلنعلم أن المفلس من عمل الخير ليس له من وظيفة سوى التشكيك.. وهذا ليس بجديد، فقد شُكك بالرسل والأنبياء والصالحين والمصلحين على مدار التاريخ والآيات القرآنية، والشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال.
إذا كان سبب هذه الكتابات نقص المعلومات أو صورة مشوهة في أذهانهم عن العمل الخيري، فإننا نقول لهؤلاء:
تعالوا على الرحب والسعة وتفضلوا بزيارة اللجان الخيرية، واطلعوا بأعينكم على أعمالها ومشاريعها ومنجزاتها.
وإذا كان الأمر متعلقاً بشكوك تساورهم فإن الاتهامات لا تُلقى جزافاً دون دليل مادي واللجان الخيرية لديها حسابات مدققة ومنظمة، وهي تقدم كشوفاً بحساباتها السنوية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كما أن هناك جهات رقابية وأخرى قضائية هي التي تتولى الأمر إن وجدت مخالفة.
وبالنظر إلى توقيت هذه الحملة، وبدراسة حالات أخرى مشابهة وقعت في دول أخرى، فإننا نقول:
إن محاولة تشويه المنجزات الإسلامية مرتبطة بتوقيت الانتخابات العامة التي ستجرى في الكويت الشهر القادم، كما أنها مرتبطة على ما يبدو ببعض القضايا الشرعية التي أثيرت على الساحة مؤخراً، وفي هذا الإطار نقول:
1- إن بيان الموقف الشرعي من بعض القضايا واجب لا غبار عليه، فالدين النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، ولا خير في مسلم إن لم ينصح.. ولا خير فيمن يكتم علماً عرفه.
2- إن التيار الإسلامي يمثل أكبر شريحة في المجتمع، ويعبر عن تيار شعبي عريض والتحريض عليه مرتبط بدوافع شتى، ومن أكبر المحرضين مخابرات الدول الغربية و«إسرائيل» وعملاؤهم في المنطقة من بعض الكتَّاب الذين لا يسعدهم عمل الخير ولا يريدون تواصل المجتمع، ولا جمع الأمة على كلمة التوحيد والإسلام، ونرى العملاء من أولئك الكُتَّاب يتشدقون بالديمقراطية، فإذا جاءت بخلاف أهوائهم ومصالحهم تنكروا لها.
3- إن هذه المواقف تكشف حقيقة أولئك الذين يضيقون بأقل نقد، ولا يرضون بأقل من فرض وجهة نظرهم، حتى لو كانت مخالفة للشرع، أو لِما يدَّعون التمسك به من مبادئ.
إن مثل هذه الحملات لن يكون لها إلا الأثر العكسي، وستصب في النهاية -إن شاء الله- لصالح الدعوة الإسلامية ورجالها العاملين في مختلف مجالات الخير.
وفي النهاية نقول لهؤلاء: سامحكم الله، وهداكم إلى طريق الحق والاستقامة وإلى فعل الخير والتشجيع عليه، وترك الشر والتحريض عليه(1).
_________________________
(1) نُشر في العدد (1352)، 17 صفر 1430هـ/ 1 يونيو 1999م.