إن الاستجابة الصادقة الجادة لله وللرسول تعني أخذ هذا القرآن بجد، وتنفيذ ما فيه بهمة وصدق
قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {24}) (الأنفال)، يدعو الله المؤمنين إلى الاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والاستجابة تتحقق بتلبية الدعوة، وتنفيذ مضمونها، والحصول على نتائجها وثمراتها، يحب الله المؤمنين، ولذلك بعث لهم محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً، وأنزل عليه القرآن، ليكون منهاجاً لهم، وأمرهم بالالتزام بهذا القرآن، إن أرادوا الخير والبركة والسعادة، في الدنيا والآخرة.
إن الاستجابة الصادقة الجادة لله وللرسول تعني أخذ هذا القرآن بجد، وتنفيذ ما فيه بهمة وصدق، ويدل قوله: (إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) على مقصد أساسي من مقاصد هذا القرآن، وهو أنه دعوة للحياة الحرة السعيدة الطيبة، وكتاب حياة مباركة سعيدة؛ وهذا معناه أن القرآن ليس كتاباً للأموات، كما قد يظن بعض المسلمين الذين لا يتذكرون القرآن إلا إذا مات عندهم ميت، حيث تسمع آيات القرآن تتلى في البيت ومجلس العزاء، وإذا مات حاكم “أسلمت” الإذاعات والقنوات الفضائية وصارت تبث آيات القرآن لعدة أيام، ثم تعود بعد ذلك لعادتها القديمة.
القرآن كتاب الله للأحياء يدعوهم لما يحييهم، ويرسم لهم منهاج حياة عزيزة كريمة مباركة، ويبث فيهم الروح والحياة، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {52}) (الشورى)، وإن لم يعش حياته بالقرآن فهو ميت، والناس أموات، لا يحيون إلا بالقرآن، قال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {122}) (الأنعام)، ورحم الله الأستاذ المفسر المجاهد سيد قطب، الذي عاش حياته بالقرآن، وسعد بالأنس بالقرآن، وقال في الجملة الأولى من تفسيره الرائد «في ظلال القرآن»: «الحياة في ظلال القرآن نعمة، لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه.. وقد منَّ الله عليَّ بالحياة في ظلال القرآن، فذقت فيه ما لم أذق قط في حياتي..».
والقرآن ليس دعوة للحياة الفردية الكريمة الطيبة فقط، ولكنه دعوة للحياة العامة الجماعية الكريمة، إن الخطاب في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) هو للأمة المسلمة بمجموع أفرادها، إن القرآن يريد من الأمة المسلمة بمجموع أفرادها، أن تعيش حياتها بعزة وكرامة وطمأنينة وسعادة، في كافة جوانبها ومجالاتها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والفنية والعلمية والرسمية والشعبية والداخلية والخارجية والمحلية والدولية، والقرآن كفيل بتنظيم كل هذه الجوانب وتوجيهها، والارتقاء بها إلى أعلى وأسمى مراتبها، وإذا لم تنبثق حياة الأمة من القرآن لم تكن حياة طيبة، وإذا لم تعش الأمة حياتها بالقرآن عاشت حياتها في شقاء وذلك وهوان!
المصدر: كتاب “أنوار رمضانية”