نقصد بالأصل في العنوان أعلاه ” حسن الظن ” نعني به حسن ظن العبد الإنسان بأخيه الإنسان.. وأيضاً: ظن العبد المخلوق بخالقه كما طلب منه الخالق المعبود جل جلاله.
حسن الظن كما هو معلوم.. ترجيح الفهم الخيري على جانب الشر في المقابل من المخلوق الإنسان؛ وهذا لاشك دليل الفطرة السليمة والأخلاق الرفيعة.
ومن أسباب انتشار حسن الظن بين الأفراد والجماعات الحب في الله، ووضوح المنهج والطريق، والدعاء لبعضنا بظهر الغيب.. وأيضاً: قبل أن نحكم على الآخر نضع أنفسنا مكانه وذلك كما بينه الله تعالى في كتابه العظيم قائلاً: ” لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ “.
لابد أيضاً من الوضوح في العبارة والكلمة؛ وخصوصاً في وسائل الإعلام حيث الحرص على ألا تحمل الكلمة إلا المعنى الظاهر الواضح الذي لايحتمل الوجوه، والنظر إلى النفس بعدم التذاكي والتعالي على الآخر.
وحسن الظن من المخلوق للخالق يجب أن يكون في الايجابيات والحسن من الأمور، وإلا دخل المخلوق في متاه لاقبل له به كمخلوق .
الدين الإسلامي العظيم يدعونا بحسن الظن في الناس، وأن هذا من حسن الخلق.. وأيضا، هو دليل حسن الاعتقاد، وأنه لا يعلم بواطن الناس ومقاصدهم الخفية إلا عالم الغيب سبحانه.
حرص الإسلام على أخذ الظاهر وإن كان المقابل منافقاً حتى لا نتدخل بمكنون صدور الناس ومن ثم تكون الفتن وأذى الناس عن طريق الظن، ويكون حينها فتح الباب الكبير للشيطان والهوى لزرع الفتن والمآسي .
نعم.. يجب حسن الظن بأخيك الإنسان مادام يحمل المنهج الصواب ما استطاع .
أما بالنسبة لحسن الظن بالله تعالى؛ فهو من حسن الاعتقاد والعبادة كما جاء في الأثر: ” قال الله تعالى في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي؛ إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله”.
نعم.. يجب على المؤمن أن يكون حسن الظن بالله تعالى في كل مكان وزمان، وفي كل حال واي حال، والشقي من أوكله الله تعالى الى نفسه . اللهم.. أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
الله تعالى له علوم وقدرات عرف بعضها للانسان المؤمن الكيس الفطن فعلمها، وعلمه تعالى كيف يقتنص المعارف والمواقف ليكسب خير الدنيا والاخرة .
ها هو الله تعالى يعرض لنا قصة الصحابة الثلاثة ويخصهم؛ وإن كانت الحادثة مدرسة للأمة إلى أن تقوم الساعة؛ وهي قمة حسن الظن بالله تعالى في أصعب وأحرج الأوضاع ؛ قال تعالى: ” وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.
نعم.. تاب الله عليهم لصبرهم وحسن توبتهم، وحسن ظنهم به تعالى، وأنزل قرآنا في الثلاثة الصحابة الكرام، فخدمت عليهم الآيات ورفعت الكرب عنهم، ولا شك للأمة وعليها تخدم إلى أن تقوم الساعة .
أيضاً أيها القارئ الكريم .. خص الله تعالى الأمة بمفتاح عجيب في حسن الظن بالله وعدم الياس والقنوط ، إنه المفتاح الذي مابعده مفتاح للخير ليزداد المؤمن عموماً بحسن ظنه بربه، وبالأخص المكروب؛ ومن خلاله يغلق باباً كبيراً من أبواب الشيطان على النفس الإنسانية. نعم .. ضرب الله مثلا في أرقى الخلق؛ ووصولهم إلى مراحل صيغة الآية تقول إنهم في وضع صعب، وظرف عصيب جداً، وهم خير الخلق ، فهم يتضايقون كما تتضايق يا من أنت أقل منهم منزلة، وذلك ليغلق الله تعالى أبواب الشيطان على المؤمنين، ويزدادوا بربهم ثقة وحسن ظن فيه سبحانه وتعالى.
يقول تعالى مبينا نفوس خير الخلق وما يدور بينهم وفي خلدهم حينما تضيق الامور عليهم ؛ قال تعالى ” حتى يقول الرسول ” نعم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن بعد؟
“الذين آمنوا معه ” الصحابة الكرام.
قال تعالى : ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ”.
هذا الضيق والذي تدخل فيه النفس الأمارة بالسوء بتداعياتها وظلالها أعاذنا الله به منها ومن الشيطان الرجيم، جعلها الله تعالى هي لحظة النصر لاغلاق باب الشيطان، وتعزيز حسن ظن العبد في ربه؛ وربه الغني عنه وعن كل ماخلق، وهذا منهج تربوي الهي عظيم لايقدر بثمن ، ولا يوزن قدره الا الخالق سبحانه وتعالى ..
نعم أيها القاريء الكريم.. في هذه اللحظات توسل إلى الله فإنها ساعات استجابة كما قال بعض أهل العلم والدعاة.. نعم ادعوه وأنت موقن بالإجابة، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ”.
اللهم وفقنا بتوفيقك، وبحولك وقوتك، بحسن الفرار منك إليك يا أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
ــــــــــــــــ
(*) إعلامي كويتي.