الشيطان الرجيم له في داخلك أيها الإنسان من يعينه عليك؛ وهي النفس الأمارة بالسوء.
حينما تحدثك النفس في ذكريات السوء والمعاصي وأنت على محطات التوبة، فاعلم أنك تقترب من الاستقرار ابتعادًا عن طريق المعاصي، وهذا لا شك يعز على الشيطان الرجيم أعاذنا الله تعالى به منه.. ويجب أن تعلم أيها الإنسان أن هذا أمر طبيعي أن يتضايق الشيطان الرجيم من موقفك؛ ومن ثم يكثف الهجوم عليك، وأنه كما نقول يلقي بكل ثقله حتى يصرفك عن الثبات وعن طريق التوبة النصوح، إنه يتحسر حينما يراك ثابتاً، عبداً صالحاً، تستعين بالله على نفسك الأمارة بالسوء وعلى الشيطان الرجيم من أجل الانتصار عليه.
نعم أيها الإنسان.. الشيطان الرجيم علم أن نفسك التي بين جنبيك هي الممر الأول بالنسبة له للوصول بك إلى الجحيم معه نسأل الله السلامة والعفو والعافية؛ قال تعالى: ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ… ” ومن الطبيعي أيها القارئ الكريم؛ لو أن الإنسان منا أطاع نفسه على اطلاقها وشهواتها فلا شك ولا ريب ؛ سيؤدي ذلك به إلى المهالك دنيا وآخرة.
إذاً.. من الطبيعي؛ حينما تثبت على التوبة وطريق الرشاد، فمن الطبيعي أن يتحرك الشيطان الرجيم بكل ثقله لعودتك أيها الإنسان إلى الطريق الذي يريد ويسعى له إبليس الرجيم؛ طريق المهالك والجحيم، وتذكر قوله تعالى حينما بين سبحانه أساليب إبليس في انحراف آدم بالأصل مستخدماً قدراته الذاتية، قال تعالى مبيناً ذلك: ” وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ “(الأعراف 21) ؛ وقوله تعالى: ” فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ” (الأعراف 20).
نعم ومازال يخدعهم ” بغرور ” حتى مالا إلى مخالفة كلام الله تعالى ووصيته لهما .
نعم صدقاه.. لعلمهم في حينها أن لا يوجد من يجرؤ بالكذب على الله تعالى ويقسم كذباً.
خلق ربي النفس البشرية هكذا خطاءة؛ وفتح لها باب التوبة، وسبل وطرق الثبات على التوبة بالاستعانة به عز وجل للتفوق على الشيطان الرجيم والنفس الأمارة بالسوء.
نعم أيها القارئ الكريم؛ تستعين بالله تعالى ومنهجه؛ لأنك كمخلوق بشري لم تكن لك قدرة في مواجهة الشيطان الرجيم بقوتك وقدرتك الذاتية والخَلقية وعلومه التي يملكها، فأنت قدراتك أقل بكثير من قدرات الشيطان الخلقية وفنونه، ودليل ذلك حديث أبي المليح عن أبيه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثر بعيري، فقلت: تعس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت ويقول: بقوتي صرعته ولكن قل: بسم الله فإنه يصغر حتى يصير مثل الذبابة. أخرجه أحمد.. أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ومن أهم الأمور التي تقوي الإنسان على الثبات أمام مغريات الشيطان وألاعيبه أعاذنا الله تعالى منه، أهمها بعد التوكل والاعتماد على الله تعالى؛ تربية النفس؛ أن هذه الدنيا أصلاً دنيا زوال لا خلود فيها وإنما الخلود في الآخرة، إما إلى نعيم خالد لا شقاء فيه، وإما إلى شقاء وعذاب مستديم لا موت فيه ولا حياة.
نعم النفس يجب أن تعيش تربية وعملاً، حركة وسكوناً ترتجي الآخرة الطيبة في رضا الله تعالى، ويجب أن تعلم النفس يقيناً قلباً وجوارحاً، أن السلامة دنيا وآخرة ترك الدنيا لذاتها، ولكن.. يبني الإنسان دنياه لآخرته، ويعتبرها قنطرة عبور إلى السلامة والخلود.
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
نعم أيها القاريء الكريم؛ الإنسان الكيس الفطن، هو الذي يزكي هذه النفس الأمارة بالسوء ما استطاع بما أمره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ” .
أما من ترك الحبل على القارب من غير أن يتابع النفس ويرسم طريقاً وبرنامجاً لها يزكيها من خلاله باضطراد، فإنه لا حبل ينفع حينها ولا مجداف، وسيذهب القارب مغرباً إلى ما لا تحمد عقباه.
نعم يجب محاسبة النفس على التقصير مع وجود البرنامج المتكامل لتغلق فيه أبواب الشيطان الرجيم نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
ومن أهم الأمور التي تثبت الإنسان في برامجه لتزكية النفس؛ تذكير النفس عملاً، وتربية، ويقيناً أن الله مالك الملك، يعز من يشاء ويذل من يشاء، وأن الخير بين يدي الله وحده ولا سواه، ولابد للمسلم أن يوطن نفسه على هذه الأمور، وأن الله هو الحامي الكافي للإنسان، ويجب أن يعتقدها الإنسان قلباً وجوارحاً.
ولا بد من الالتزام بنوعية معينة من الأدعية مع الورد القرآني، ومن هذه الأدعية لا حصراً ” اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ” وسيد الاستغفار المعلوم “، والفرار إلى الله تعالى ” اللهم وفقني بحسن الفرار منك إليك وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم “.
هذا مع تدريب النفس على مخالفة السوء بالطاعة كلما طرأ الشيطان بشيء، وتكثر الاستغفار وعمل الصالحات وتكثر السجود لله، وقصة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سيدنا بلال خير نبراس ومنهج، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لِبِلَالٍ: عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ يا بلَالُ حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ، فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ”.
وأيضا حديث ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله ﷺ ومن أهل الصُّفة قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، رواه مسلم
اللهم وفقنا ومن نحب لذلك.
ـــــــــــــــ
(*) إعلامي كويتي.