نتحدث في هذه السطور حول موضوع له أهميته، وهو جداً مهم في الإسلام والتعامل الإنساني عموماً، ديننا الإسلامي أمر بإتقان العمل والإخلاص فيه على جميع المستويات والتخصصات، وذلك بيَّنه الله تعالى في كتابه العظيم بقوله: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162)، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه”، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا، وله السمع والطاعة، وكل من يسمع الأصل فيه للطاعة كما بين الله تعالى: (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: 285).
إتقان العمل يعني الأداء مع الخوف من الله تعالى بالأصل، ويعني الأداء من غير خلل، والالتزام بمتطلبات العمل بضوابطه وآلياته الإدارية والفنية والآلية، والبدء فيه بالوقت المحدد والانتهاء بالوقت المحدد حسب اللوائح المتفق عليها والشروط، والمسلم ملزم بالوعود والعهود، ولا يجوز الإخلال بها أو مخالفتها، ومن أهم الأمور التي تجعل من يعمل يجتهد ويسعى على أن يكون متقناً للعمل هي محبة الله تعالى لهذا الإنسان أو العامل المتقن عمله والمخلص فيه.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، هذا الحديث لا شك فيه لفتة عجيبة تحفز العامل على الإتقان، فإن هذا الإتقان في عملك الذي هو أكل عيشك، فإتقانه يؤدي إلى حب الله تعالى لك، فأي شرف هذا! وأي رفعة تكون فيها أيها العامل المتقن المخلص عملاً!
لا شك أن إتقان العمل يؤدي إلى حب الله إليك، ومن ثم يؤدي بعد ذلك لمحبة الناس إلى هذا الذي أتقن عمله حباً فيه لحب الله له، وأيضاً حرص الناس بالتعامل معه بسبب إتقانه وإخلاصه الذي لا يدل إلا على ضمير حي، وتربية راقية أصلاً، وخوف من الله تعالى، وخبرة ودراية.
إتقان العمل يجب أن يكون في كل شيء، كما بيَّن الله تعالى ذلك في كتابه العظيم وشمل ذلك في آية كريمة عظيمة، وبيَّن فيها أن كل عمل يجب أن يكون الإخلاص والإتقان فيه لله تعالى؛ (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
هذه الآية شاملة العمل المعنوي والمادي الحسي، ونعني بالمعنوي التعبدي والإخلاص فيه، والإتقان، كما تشمل أيضاً الأمور الأخرى المادية والجوارحية، وهي في النهاية لها أيضاً أثرها الروحي والسلوكي والمادي على الإنسان ومن حوله؛ سمعة وتعاملاً وحباً في الله تعالى، وينبغي ألا ننسى أن الإتقان صفة من صفات الله تعالى عز وجل، فهو الذي أبدع وخلق وصنع كل شيء بإتقان، وذلك واضح بقوله جل جلاله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل: 88)، فقد أوجد كل شيء سبحانه وتعالى فأحسنه، وما يتراجع الإتقان إلا بفعل الفاعل المخلوق بنفسه، كما قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 4)، ولا يتراجع إلا بأفعاله؛ (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ {5} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).
من أروع ما قيل في إتقان الملك القدوس الرحمن الرحيم سبحانه: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً {6} وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً {7} وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً {8} وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً {9} وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً {10} وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً {11} وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً {12} وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً {13} وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً {14} لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً {15} وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً) (النبأ)، وهذه الآيات من أروع ما استشهد به العالم الكبير الفذ إذا لم تخني الذاكرة محمد متولي الشعراوي، يرحمه الله تعالى، ليؤكد من خلالها الإتقان في خلق الله تعالى، والوظائف لكل مخلوق ذكر في الآيات الكريمة، والعامل المشترك بينهم.
_____________________________
إعلامي كويتي.