انفجرت ظاهرة المستريحين من جديد في مصر، لدرجة رصد 38 مستريحاً من الرجال والنساء في محافظة أسوان وحدها!
و”المستريح” نصّاب يخدع السذج والطماعين بوسائل متعددة منها الانتماء لآل البيت وأولياء الله الصالحين، ويعد الضحايا بحصولهم على فائدة شهرية كبيرة بزعم استثمار أموالهم في مشروعات مربحة، ويدفع في الشهرين الأول والثاني فائدة مغرية، ثم يولي الأدبار، دون أن يبقى له أثر!
في الشهور الأخيرة، تم ضبط عشرات “المستريحين” في مختلف المحافظات، من الإسكندرية إلى أسوان، استولوا على مئات الملايين من المواطنين الذين ظنوا أنهم سيربحون من وراء تسليم تحويشة العمر إلى المستريحين، بعضهم دفع مدخراته من العمل في الغربة، وبعضهم الآخر باع أرضاً يملكها، وآخرون اقترضوا بالفائدة الربوية من بنوك الدولة طمعاً في فائدة أكبر يقدمها “المستريح” النصاب.
الظاهرة قديمة منذ السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي، وكان بعض المستريحين يقرضون الدولة بالدولار لحل مشكلات طارئة، وكان بعضهم يخدع الناس عبر التلفزيون والإذاعة، ويقدم إعلانات برفقة بعض الدعاة المشهورين المخدوعين، وعرف الناس أشخاصاً من قبيل السعد، والريان، وغيرهما، لم يقدموا للاقتصاد شيئاً يذكر إلا تبديد أموال الناس، وللإنصاف كان هناك بعض المخلصين وهم قلة نادرة مثل الحاج عبداللطيف الشريف الذي كان يعمل في النور، وأسس بعض المصانع ووطّن بعض الصناعات الدقيقة، وكان ملتزماً في تعاملاته، ولكن السلطة دمرته، وصفت مشروعاته، وتركت النصابين يهربون بما حملوا، وعاشوا في عواصم الغرب عيشة الملوك!
الأهم في الظاهرة حديثاً هو قيام بعض العلمانيين والصحف الرسمية بتحميل الإسلام مسؤولية الفشل الكبير في قيادة الاستثمار بالبلاد، ورأوا أن من حرموا الربا كانوا من وراء الظاهرة، وخرجت جريدة أسبوعية اسمها “الحوادث” الصادرة عن “دار أخبار اليوم”، في العدد (1573) الخميس 18 شوال 1443هـ/ 19 مايو 2022م، تحمل عنواناً ضخماً فيه تدليس وتضليل، يقول: “وراء كل مستريح سلفيين وطماعين.. الفتاوى المضللة بتحريم الاستثمار في البنوك فتحت الطريق للنصابين”.
والحقيقة أن الذي أصدر الفتوى بربوية الفوائد هو شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق، لأن عمل البنوك يقوم على الربح من الفرق بين فائدة الإيداع وفائدة الإقراض، والعمولات التي يتم تحصيلها عنوة على التحويلات ونحوها، لا توجد مشروعات تجارية تقوم بها البنوك، إنها تقرض بالفائدة أو “الفايظ” كما تسميها العامة، وهي فائدة مركبة تتراكم إلى ضعف القرض، أو أضعافه إذا تأخر المدين في السداد.
وقد أوقفت الحكومة قبل ربع قرن أي نشاط تجاري حقيقي تقوم به البنوك الإسلامية، فاكتفت الأخيرة بما يسمى المضاربات وعائدها أقل من قيمة الزكاة! بينما البنوك غير الحكومية في بعض البلاد الإسلامية تقوم بمشروعات ضخمة تخدم الاقتصاد القومي، ويربح منها المواطنون، وتستوعب عمالة كبيرة، وقد امتد نشاط بعضها إلى خارج حدود بلادها.