تُعد شخصية الشيخ أحمد عبدالعزيز القطان، رحمه الله تعالى، من أبرز الشخصيات الدينية في الكويت والعالم الإسلامي، وعندما يُذكر اسمه فلا شك أن مرحلة بدايات الصحوة الإسلامية في نهاية القرن العشرين ستكون من أبرز الظواهر، ولما كان لهذه المرحلة من أهمية كبيرة نعيش نتائجها إلى هذا اليوم كانت أهمية شخصيته والحديث عنها، ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الشيخ أحمد القطان هو من أبرز مرتكزات هذه المرحلة ومن أكبر أسس صُناعها؛ لذلك كان هذا التفاعل الكبير مع وفاته ومدى تجاوب الناس في بلده والعالم الإسلامي معه.
إن المرحلة التي بدأ الشيخ أحمد القطان، يرحمه الله تعالى، بالظهور فيها كانت متعلقة بمظاهر أساسية، منها:
1- سيطرة الحالة التغريبية الفكرية على العالم الإسلامي بشكل عام، والخليج العربي بشكل خاص؛ فالفكر العلماني بدأ يتضخم بنجومية القومية العربية، والوطنية القُطرية، والفكر الماركسي، وحالة “الليبرلة” والتمرد على التقاليد بالنسبة لعدم الالتزام الديني، والتخفف بممارسة بعض المناهي الشرعية.
2- حالة اليأس بعد حرب يونيو 1967م وآثارها من ضياع القدس وبعض المناطق الإسلامية؛ ما جعل الناس تتأرجح بين الثبات على الاهتمام بقضايا الأمة أو الإحباط من الوضع العام، وذلك بسبب انهيار المشروع الناصري بأحلامه وسقفه، ووصولاً لوفاة رائده عبدالناصر.
3- تمكن أدوات ووسائل الفن العربي والخليجي بدرجة أقل من زرع بذور الفساد الأخلاقي والقيمي، وقد أسهم بتراجع الحالة الإيمانية والأخلاقية والفكرية في المجتمعات.
من معالم المرحلة التي بدأ فيها الشيخ سيطرة الحالة التغريبية الفكرية على العالم الإسلامي بعد هزيمة 1967م
4- بروز الطغيان السياسي بشكل خاص في العالم العربي؛ ما نتج عنه القمع للشعوب وظهور الانقلابات، وتزامن ذلك مع تبني كثير من هذه الأنظمة الأفكار المقاومة للدين أو الفكر الإسلامي.
وهذه النقاط هي أبرز ما كانت تشكله مرحلة الستينيات والسبعينيات في العالم الإسلامي، فحصلت بعض ردود الفعل المناهضة لها، ومنها دور الشيخ أحمد القطان، رحمه الله تعالى.
وهذا الواقع الذي جاء من خلاله الشيخ القطان ببدايات الصحوة الإسلامية في الكويت، وقد تكونت شخصيته من تأثرات عديدة، ولعل من أبرزها: المدرسة الدعوية المرتبطة بالرموز الدينية الكويتية ومنها جمعية الإصلاح الاجتماعي، وأيضاً الرموز الشرعية من غير الكويتيين الذين عملوا فيها، ومن أبرزهم حسن أيوب من مصر، وحسن طنون من السودان، ولا شك أن تأثيرات خطيب الدعوة عبدالحميد كشك من الصعب تجاوزها، وأسهم في ظهور شخصيته قوة الخطاب ووضوح الأهداف، ومسايرة الأحداث؛ ما جعل أعماله تنتشر كالنار في الهشيم مع قلة وسائل الإعلام والتواصل وقتها عند البدايات.
معالم ظاهرة القطان
ومن أبرز معالم ظاهرة أحمد القطان (الداعية الأممي) التي جعلت منه شخصية مركزية في تاريخ الصحوة الإسلامية، والدعوة بشكل عام، هي:
1- الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي وتحويل البوصلة من الوطنية الحصرية، والقومية العربية، إلى أفق الأمة المسلمة بقضاياها ومعاناتها، وأفراحها وأحزانها، ومن أبرزها قضية القدس وفلسطين؛ فقد جعلها قضية مركزية كما قال الشيخ عبدالوهاب الطريري، حتى يصعب انفكاك اسمه عن الأقصى والقدس؛ فقد حمل هذه القضية بحرارة البذل والعمل والحث على الجهاد، تاركاً الجمود الواقعي الذي تعيشه الأمة، ولا يفوتنا ذكر قصائده وهتافاته ومنها: “لا مؤتمر لا مؤتمر.. أنا لا أريد سوى عمر”.
أسهم في ظهور شخصيته قوة الخطاب ومسايرة الأحداث ما جعل أعماله تنتشر كالنار في الهشيم
2- ومن قضايا الأمة ما كان في معاناة مجزرة حماة في سورية؛ فقد أشهرها وسلط الأضواء عليها، وكان أكبر وسيلة إعلامية تتحدث عنها في وقتها مع قلة الأدوات، وكذلك قضايا كوسوفا، والهند، والشيشان وغيرها؛ فقد شهدت خطبه ودروسه والمهرجانات الخطابية بذلك.
3- مواجهة الفن الهابط بكل أنواعه ومستوياته، منذ بداية سلسلته الشهيرة “العفن الفني” حتى مراحل متأخرة عندما تحدث عما يسمى “ستار أكاديمي”، وغير ذلك من المواجهات مع هذه الحالة.
4- اهتمامه بالخطاب الإيماني والأخلاقي بنشر الفضيلة، والتذكير بالآخرة بخطب وسلاسل عديدة، من أبرزها “وصف الجنة والنار”، والحث على حضور المساجد وتجديد الإيمان، والحث على لبس النساء للحجاب، وقد أسهم كثيراً في انتشاره.
5- حثه على الصدقات والتبرعات لكل الأماكن التي تحتاج لذلك، وكذلك لجوانب خاصة عند الناس وحاجاتهم الشخصية، ولا يتردد بالذهاب للتجار الوجهاء وطلب التبرعات منهم للخير، وقد شهدت ذلك بنفسي في حالات معينة، ولا أتردد بالقول: إنه كان من أكثر الذين نشروا أهمية التبرعات للجان الخيرية الكويتية وغيرها، ولم يفرق بين اللجان التي تتبع توجهات مختلفة؛ فكلها تحث على الخير.
6- الاهتمام بالمرأة من ناحية الدعوة والوعظ، ومن أشهر كتب الشيخ “الداعية الناجحة”، واشتهر بدروسه ومواعظه للنساء بحثهن على الحشمة والاهتمام بالأسرة والعلم، وعلى التربية الحسنة، ويربط ذلك كله بالوازع الإيماني والقيمي.
7- القرب من الشباب بالسفر معهم خاصة في “عمرات اتحاد الطلبة” الشهيرة سنوياً وغيرها، وحضوره لبرامج الشباب التربوية والمؤسسية، والحديث في الزيارات العائلية عن النصيحة والوعظ والتربية، والتذكير بهموم الأمة، وكذلك حضوره للمخيمات التربوية ورفع همم الشباب للخير والطاعة والحرقة للأمة.
8- مواجهته للطغيان السياسي في العالم الإسلامي والتعريض ببعض الحكومات التي تحارب الدين وتقمع الشعوب، وقد تطورت نتيجة هذا الأمر إلى محاولة اغتياله بالمسجد أثناء الخطبة، وأكثر من تعرض لهم هم الذين شاركوا بالتطبيع مع الصهاينة، وحاربوا مظاهر الدين.
واجه الفن الهابط منذ سلسلته “العفن الفني” حتى مراحل متأخرة عندما تحدث عن “ستار أكاديمي”
9- تأليفه للعديد من الكتب الخاصة به أو مع آخرين، وتعلقت غالباً بالتاريخ والأدب، وخواطر دعوية وشرعية، مثل: “خواطر داعية، الخليفة المظلوم، ابن تيمية، الطاغوت، للعبرة والتاريخ..”، وقد كان محباً للقراءة والمعرفة خاصة في التاريخ والأدب.
10- حسن التدبر للقرآن الكريم وتفسيره، ومن العجائب أنه كان يقرأ القرآن بطريقة بسيطة ولكنها تشعر المستمع بالمعاني والدلائل لآيات القرآن، وما زلت أتذكر أن الشيخ كلما يصلي وراء إمام يتحدث بعدها بخاطرة يشرح الآيات التي قرأها الإمام بطريقة كأنه يعلم مسبقاً بالآيات وقام بالإعداد لهذه الخاطرة، ويحسن كثيراً الربط بين آيات القرآن وقصصه والسيرة النبوية مع الأحداث المعاصرة.
11- بُعد النظر في التحليل للأحداث والمستقبل، ومن المواقف حديثه عن شخصية “صدام حسين” قبل غزو الكويت بأحداث “حلبجة”، وقد كان الشارع الكويتي يؤيد صدام حسين في الغالب، وكما ذكر منذ بداية التسعينيات أهداف اليهود والغرب بتفريق الشعب العراقي بالطائفية، والفلسطيني بالخلاف السياسي والفكري، وهذا ما شاهدناه مستقبلاً.
12- وقوفه مع القضايا الوطنية الكويتية مثل الغزو العراقي، وذلك في خطبته المشهورة في الجزائر، ودوره مع الكويتيين في السعودية بالتواصل معهم وتأمين الحاجات والمسكن لهم بالتواصل مع أطراف عديدة، وقد ذكره بالخير بعض معارفنا وأهلنا، وكذلك تثبيته للناس في حرب العراق عام 2003م أثناء حالة الخوف والهلع، وغير ذلك.
13- القدرة العقلية على الحوار والجدال بأمور الدين مع خصومه؛ فشهد بعض الإخوة حواراً له مع نصراني عن التوحيد، وقد كانت لديه القدرات الحوارية القوية في مناقشته، وكذلك عندما رد على منكر للسُّنة برد قوي، وذلك لما تمتع به من قدرة التفكير والتأمل.
14- التشجيع والثناء للخصال المتميزة عند كل شخص يواجهه مهما كان عمره ومنزلته وموطنه؛ فيبحث دائماً عن أبرز ما عند الإنسان من جوانب طيبة ويشجعه عليها.
واجه الطغيان السياسي وعرّض ببعض الحكومات التي تحارب الدين وتقمع الشعوب حتى تعرض لاغتيال على المنبر
15- محاولة الجمع بين الناس على الخير، وبالذات التيارات الإسلامية جميعاً، وأذكر هذا الأمر عندما صرح به في لقاء قديم له مع مجلة “السمو” الكويتية، ونلاحظ هذا الأمر بعد وفاته بتنوع الناس التي حزنت عليه وذكرت مآثره.
وعند الحديث عن السيرة التأريخية والتحليلية للشيخ أحمد القطان، يرحمه الله تعالى، فلن نكتفي بهذه الكلمات والتحليلات، بل يسعنا أن نتوسع بالعديد من المقالات والكتابات القادمة، وربما إن أردنا تلخيص مسيرة الشيخ وتاريخه سنختصرها بكلمات هي: “الأمة، الدعوة، الدين”، فهذه هي محاور شخصية هذا الداعية الأممي الكبير.