مع تكالب المواسم التي تستنزف جيوب الأسر المصرية كالتقديم في الدروس الخصوصية، وبدء تجهيز مستلزمات المدارس ودفع مصروفات الجامعات مع ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، وضع مختصون، عبر “المجتمع”، خارطة للأسرة المصرية لإعداد ميزانيتها بطريقة آمنة لتجاوز الضغوط الاقتصادية الحالية.
وشدد المختصون على أهمية الشراكة الأسرية في وضع أولويات العائلة في الفترة المقبلة بحيث يشعر الأبناء بالمسؤولية مع الآباء والأمهات، بجانب التمسك بإقرار التوازن في بنود الميزانية العائلية، وعدم اللجوء إلى الاقتراض أو الاستدانة قدر الإمكان.
شراكة أسرية
في البداية، يؤكد رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك بمصر محمود العسقلاني، في حديث لـ”المجتمع”، أهمية وجود موازنة عامة للبيت يسبقها خطة محددة الأهداف يشارك في وضعها كافة أفراد العائلة وليس الأب والأم فقط، كي يشعر الأبناء بمدخلات الموازنة من إيرادات ومصروفات.
تحديات أي موازنة: الارتفاع في أسعار السلع وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار
ويضيف أنه في حال كفاية الإيرادات للمصروفات فهذا يشكل حالة استقرار للبيت، وفي عدم كفاية الإيرادات فهذا سيُحدث عجزاً في الموازنة؛ ما يستدعي العمل الإضافي أو الاقتراض سواء كانت قروضاً طويلة الأجل من دوائر القرابة التي قد تصبر عليها لوقت أطول، أو قصيرة الأجل من الأصدقاء الذين قد لا يتحملون مدة طويلة في الإقراض؛ ما يستدعي ضغط النفقات والتنازل عن بعض البنود منعاً للاقتراض.
ويوضح العسقلاني أهمية توافق الأسرة على بنود الموازنة المنزلية، وأولوياتها، خاصة التعليم والطعام والشراب وباقي الاحتياجات الأساسية، مع وضع الأبناء في موضع المسؤولية مبكراً عبر ترشيد الطاقة والاستهلاك وربط تصرفاتهم بتأثيراتها على بنود الترفيه وأمثاله، تحت شعار “ضغط النفقات بما لا يؤثر على حياتنا”.
ويرى رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء أن شراكة الأبناء مع الآباء والأمهات في وضع الميزانية لها أبعاد إستراتيجية في المستقبل، وتصب في صالح إعدادهم لقيادة بيوتهم بصورة اقتصادية ناجحة، والمشاركة في قيادة وطنهم بصورة إيجابية قائمة على تنميتهم منذ الصغر.
التوازن أولاً
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية د. خالد الشافعي، في حديث لـ”المجتمع”، أن وضع موازنة متوازنة هو الطريق الأمثل للأمان الاقتصادي للعائلة تماشياً مع الظروف الاقتصادية الحالية والتداعيات المستمرة، موضحاً أن التوازن ينبع من وضوح الاحتياجات اللازمة للأسرة وعدم الاستهلاك بصورة أكثر من الاحتياجات.
ويشير د. الشافعي إلى أن التعليم يأتي في مقدمة أولويات أي أسرة، فالنبي الكريم أكد أهمية طلب العلم ولو في أبعد الأماكن، ولكن المطلوب الآن هو تسيير الأمور قدر المستطاع ووفق الإمكانات، مع ترشيد النفقات عبر وقف الدروس الخصوصية وتفعيل القدرات التفكيرية الذاتية للطلاب.
العسقلاني: لا بد من مشاركة كل أفراد الأسرة في وضع بنود الموازنة
ويحذر الخبير الاقتصادي الأسر المصرية من حدوث فجوة بين الاحتياجات والإمكانات، أو اللجوء للاستدانة في مثل هذه الأوقات التي قد لا تساعد على الوفاء بالالتزامات في ظل قلة الموارد للأسرة، مشدداً على أهمية سعي رب الأسرة لكفاية بيته عبر العمل الإضافي كلما أمكنه ذلك حتى لا يتعرض لضغوط في أي وقت، مع التركيز على سداد الالتزامات الأساسية من مأكل ومشرب وتعليم.
ضغوط اقتصادية
وتواجه ميزانيات الأسرة المصرية تحديات قاسية، وفق مراقبين، حيث شهدت البلاد مؤخراً ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع وخاصة السلع الغذائية، وتراجعاً في سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، حيث يصل سعر الدولار إلى 19.20 جنيهاً؛ ما أثر على الأسر المصرية، وفق ما هو مرصود.
وبحسب بيانات رسمية، سجل معدل التضخم في مصر، خلال يوليو الماضي، 14.6%، كما سجل التضخم الأساسي السنوي -الذي يستبعد أسعار المواد غير المستقرة- نسبة 15.6% خلال الشهر ذاته، وهو أعلى مستوى له منذ 4 أعوام ونصف عام.
كما بلغ معدل التضخم السنوي 14.9%، في أبريل الماضي، مقابل 4.4% خلال نفس الشهر العام الماضي، فيما شهد مارس الماضي وصول معدل التضخم السنوي في مصر لأعلى مستوى له منذ نحو 3 سنوات، إذ بلغ 12.1%.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية بمصر، حيث زادت مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 1%، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 5.2%، ومجموعة الفاكهة بنسبة 7.5%، وكذلك مجموعة الدخان بنسبة 3.3%.
د. الشافعي: التوازن هو كلمة السر حالياً في تسيير اقتصاديات البيت
وأشارت بيانات البنك المركزي المصري، في يوليو الماضي، إلى بلوغ قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من مصر، خلال العام الماضي، 9.668 مليارات دولار، مقابل 7.890 مليارات دولار في عام 2020، بزيادة 1.778 مليار دولار بنسبة نمو 22.5%، وهو ما اعتبره مراقبون بأنه “أكبر رقم للاستثمارات الخارجة خلال السنوات التسع الماضية”.
وأعلنت الحكومة المصرية مؤخراً حزمة من الخطط والإجراءات لمواجهة المخاوف المجتمعية من التداعيات الاقتصادية القاسية، ومن بينها العمل على التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
كما أعلنت الحكومة المصرية دعم برامج الحماية الاجتماعية، في ظل الأزمة العالمية التي أثرت على السلع الغذائية، عبر دعم أصحاب البطاقات التموينية من الأسر الأكثر احتياجاً بداية من سبتمبر، من خلال زيادة الدعم المخصص لهم بقيم مالية تضم 100 جنيه، و200 جنيه، و300 جنيه على بطاقة التموين بحسب عدد الأسر المقيدة على البطاقة، ولمدة 6 أشهر.
وفي السياق ذاته، قررت وزارة التموين والتجارة الداخلية بمد فترة التصفية الثانية (الأوكازيون) إلى 1 أكتوبر المقبل، لمراعاة احتياجات المواطنين من السلع سواء الملابس أو المصنوعات الجلدية مع قرب المدارس.