بعد ساعات من إعلان البنك المركزي المصري، الخميس الماضي، انتقاله إلى “نظام سعر صرف مرن” يعكس قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب، جرى الإعلان عن قرض جديد لمصر.
وأكدت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر إيفانا هولر، في مؤتمر صحفي، إبرام مصر اتفاقاً مع الصندوق للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهراً، وهو رابع قرض لمصر من صندوق النقد خلال 6 أعوام.
كان لافتاً في بيان الصندوق نصه على عبارة غامضة تقول: “سيلعب شركاء مصر الدوليون والإقليميون دوراً حاسماً في تسهيل تنفيذ سياسات السلطات وإصلاحاتها”، وهؤلاء “الشركاء الدوليون والإقليميون” سيقدمون لمصر “تمويلاً إضافياً بحوالي 5 مليارات دولار خلال العام المالي 2022-2023، مما سيساعد على تعزيز موقف مصر الخارجي”.
وقال نشطاء وخبراء مصريون: إن هذا النص معناه بوضوح أن مصر أصبحت فعلياً ابتداء من تاريخ القرض تحت “الوصاية الدولية” تبعاً لبيان صندوق النقد.
واعتبروا ذلك “بداية الاحتلال الفعلي للدولة مثلما حدث تماماً في معاهدة لندن عام 1840 التي أدت إلى سيطرة مالية ثم سياسية أجنبية؛ ما جعل مصر مستعمرة من دون الحاجة إلى معارك عسكرية أو وجود عسكري”.
وكان خديو مصر توفيق ثم إسماعيل استدانا من دول أجنبية بكثافة، فأرسلت مندوبين لمراقبة الموازنة المصرية، وصدر مرسوم ملكي، في 11 مايو 1876، بإنشاء مجلس أعلى للمالية من 10 أعضاء؛ 5 أجانب، و5 مصريين، تلاه في 18 نوفمبر 1876 مرسوم آخر بفرض الرقابة الأجنبية على المالية المصرية.
وقد علق فريق آخر من المصريين على بيان الصندوق قائلاً: إن معنى هذا النص هو تحديد دور هذه الدول والشركاء (غير المعروفين) في مراقبة مصر في تنفيذ السياسات المتفق عليها والتنويه لأي انحراف في تطبيقها؛ ما يعني أيضاً أن مصر لم تعد حرة في اتخاذ أي قرار اقتصادي دون الشركاء لضمان حصولهم على قروضهم.
لكن خبراء سياسيين آخرين منهم الخبير المصري علاء بيومي المقيم في أمريكا نفى ما يتردد عن وصاية دولية على مصر بموجب اتفاق صندوق النقد واعتبره أمراً مستحيلاً.
مع هذا، تساءل نشطاء وخبراء عن مغزى هذه العبارة في بيان صندوق النقد الدولي حول القرض الأخير، وقالوا: من هم شركاء مصر الإقليميون؟ ومن هم شركاء مصر الدوليون؟ وهل معنى هذا تشكيل لجنة دائنين لإدارة الاقتصاد المصري أو مراقبته؟
شروط الصندوق
وفي 18 يوليو 2022، طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من الدول الأوروبية التدخل لدى صندوق النقد الدولي لتخفيف شروطه، بعدما ترددت تكهنات في مصر تشير إلى شروط وقيود من هؤلاء “الشركاء” مقابل تدخلهم كوسطاء وضامنين لمصر.
ويؤكد الأكاديمي المصري عمرو البقلي أن قصر القرض على 3 مليارات دولار فقط بدل 15 طلبتها مصر و4.3 عرضها الصندوق، يرجع لرفض الحكومة المصرية تنفيذ الشروط الأساسية للصندوق وهي إلغاء الموازنات السرية وتوحيد الموازنة المصرية العامة، وضرورة تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي، والجيش خصوصاً بسبب هيمنته هو وأجهزة الاستخبارات على الاقتصاد ما أدى لهروب المستثمرين.
كان لافتاً أيضاً أن التزام بيان البنك المركزي بسعر الصرف المرن “بشكل دائم”، ما يُعتقد أنها رسالة إلى صندوق النقد الدولي مفادها أننا لا ننوي التراجع، حيث اشتكى الصندوق من إعادة مصر التحكم في سعر صرف الجنيه بعد تعويم عام 2016.
انعكس هذا الالتزام بعدم التدخل على انهيار سريع للجنيه ليسجل الدولار الواحد أكثر من 23 جنيهاً، بعدما كان قبلها بيوم واحد عند 19.75 بانخفاض قدره 16.5% تقريباً حتى الآن.
وتضمن بيان صندوق النقد التأكيد على أنه سيكون الالتزام بمرونة أسعار الصرف الدائمة في المستقبل سياسة حجر الزاوية لإعادة بناء وحماية مرونة مصر الخارجية على المدى الطويل.
وتشير البيانات المنشورة على الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي إلى أن القاهرة ما زالت مدينة له ومطالبة بسداد بأكثر من 17 مليار دولار واجبة الدفع خلال 5 سنوات، بحسب موقع “فوربس”.
وكانت مصر قد اقترضت 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي عبر 3 اتفاقيات خلال السنوات الست الماضية، موزعة بواقع 12 مليار دولار في نوفمبر 2016، عبر آلية تسهيل الصندوق الممدد، ثم 2.8 مليار دولار في 11 مايو 2020، من خلال أداة التمويل السريع، و5.2 مليار دولار في 26 يونيو من العام نفسه عبر اتفاق للاستعداد الائتماني.