يشكو الكثير من الناس من تعرضهم للحسد، حتى من أقرب الناس إليهم؛ ما ينغّص معيشتهم، ويثير البغضاء بين النفوس.
والحسد هو تمني زوال نعمة من مستحق لها، وربما السعي في إزالتها، وهو من صفات اليهود، كما قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (البقرة: 109)، وقال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء: 54).
قال الإمام ابن رجب الحنبلي: الحسد مركوز في طباع البشر، وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل، ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام؛ فمنهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل، ويسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالته عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه، وهو شرهما وأخبثهما، وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه.
ومنهم من يحدث نفسه بذلك اختياراً، ويعيده في نفسه مستروحاً تمني زوال نعمة أخيه، فهذا شبيه بالعزم المصمم على المعصية، وقسم آخر إذا حسد لم يتمن زوال نعمة المحسود، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنى أن يكون مثله.
وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار»، وهذا هو الغبطة، وسماه حسدًا من باب الاستعارة.
وقسم آخر إذا وجد من نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداء الإحسان إليه، والدعاء، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد، وهذا من أعلى درجات الإيمان، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (رواه البخاري، ومسلم.
ومن أجل أن يتجنب المسلم شر الحاسد، ويقي نفسه تبعات الحسد، عليه أن يقوم بما يلي:
أولاً: الاستعاذة منه، وقد أمر الله عز وجل بذلك، فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ {2} وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ {3} وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ {4} وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق).
ثانياً: الاستعانة بالرقية، روى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، أن جبريل عليه السلام، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا محمد، اشتكيت؟ قال: نعم، قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك».
ثالثاً: تقوى الله، قال عز وجل: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: 120)، وقوله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق).
رابعاً: الصبر على الحاسد، وإطفاء شره بالإحسان إليه، قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).
خامساً: التحصن بالصدقة لدفع البلاء وشر الحاسد، قال ابن القيم: «للصدقة تأثير عجيب في دفع البلاء، ودفع العين، ودفع شر الحاسد»، فالمحسن المتصدق عليه من الله جُنَّة واقية وحصن حصين، والشكر حارس النعمة من كل ما يكون سبباً لزوالها: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7).