وصف عدد من الخبراء التحرك المصري الأخير بشأن الأزمة الليبية وزيارة وفد مصري لطرابلس بأنه خطوة عاقلة وتصرف برجماتي متفهم سيكون له نتائج إيجابية سواء لصالح القاهرة وطرابلس أو على مجمل الأوضاع في ليبيا والتوجهات نحو إقرار الحل السياسي، وإنهاء أي محاولات عسكرية من جانب حفتر ومن يدعمه في هذا الاتجاه، وهو ما يمنح القاهرة ممارسة دور أكثر إيجابية في الملف الليبي، وتأكيد دور الوسيط الحقيقي.
وأضافوا، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن هذه التحركات ربما جاءت في إطار تغيير دولي وإقليمي وفشل الرهان على حفتر بعد تراجعه عسكرياً، فضلاً عن التدخل التركي العسكري، بحيث يصبح الحل السياسي لا فرار منه، وأن أي مواجهة عسكرية مصرية تركية سوف تكلف مصر الكثير، بل لم يستبعدوا أن تؤدي هذه التحركات المصرية إلى تفاهمات مع تركيا ربما تطال أزمة شرق المتوسط.
ومؤخراً حدث تواصل بين وزيري الخارجية المصري سامح شكري، والليبي محمد سيالة، ناقشا خلاله عودة العلاقات بين البلدين، وذلك عقب زيارة لوفد مصري رفيع المستوى لطرابلس مؤخراً.
كما كشف مسؤول ليبي عن ترتيبات لعودة العلاقات مع القاهرة، وهو ما تم مناقشته مع الوفد الذي زار طرابلس مؤخراً مع عدد من القضايا الأخرى، من بينها عسكرية واقتصادية فضلاً عن الملاحة الجوية وشؤون السفارة المصرية بطرابلس تمهيداً لافتتاحها.
والتقى الوفد خلال الزيارة مع نائب المجلس الرئاسي الليبي، ووزير الخارجية والداخلية، ورئيس أركان “الوفاق”، وضم الوفد شخصيات رفيعة، من بينهم أيمن بديع، مساعد رئيس المخابرات المصرية، والسفير المصري بطرابلس محمد أبو بكر.
وجاءت هذه الزيارة عقب زيارة وفد تركي عسكري لطرابلس مؤخراً.
خطوة عاقلة وبرجماتية
وفي سياق تعليقه، أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل أن ما قامت به مصر يعد تحركاً برجماتياً، رغم أنه ربما يكون مفاجئاً للبعض، ولكن يبدو أن المؤسسة العسكرية ورؤية وزارة الخارجية اتفقتا على هذا التوجه في هذا التوقيت لأسباب عديدة، منها فشل توظيف حفتر في إنهاء دور حكومة الوفاق عسكرياً، وكذلك التدخل التركي الذي أحدث توازناً عسكرياً صار معه الحل العسكري صعباً جداً إن لم يكن مستحيلاً، فضلاً عن مؤشرات كبيرة لتغيرات دولية وإقليمية في المنطقة، ربما لا تكون في صالح تبني مصر لتوجهات حفتر والسعي لحل سياسي يحقق لها جزءاً من المصالح وحفظ الكرامة ووضعها بالمنطقة.
ووصف الأشعل، في حديثه لـ”المجتمع”، ما قامت به مصر بالتوجه العقلاني والعملي، لأن ليبيا عمق إستراتيجي لمصر، وليس من المحبب أن يكون بها صراعات ويغيب عنها الاستقرار، وهذا الاستقرار لن يتم إلا بالتوافق بين الطرفين، لذلك رأت أن تقوم بدور الوسيط وإن كان هذا تأخر كثيراً مع الاحتفاظ بورقة الشرق الليبي، ربما في محاولة لإرضاء طرف قد يكون غير راض عن توجه القاهرة الأخير.
انحناء للعاصفة
من جانبه، قال خبير العلاقات الدولية د. سيد أبو الخير: أعتقد أن ما حدث من مصر انحناء مؤقت لعاصفة انتظاراً لما تظهر من الإدارة الأمريكية، فضلاً عن الخوف من الصدام مع الجانب التركي، لأنه في اعتقادي لو حدث هذا فسوف يؤثر سلبياً على المؤسسة العسكرية في مصر بقوة، خاصة وأن هذه المؤسسة رفضت من قبل التورط في حرب بليبيا، وأن الحل السياسي يتيح لمصر الحصول على مكاسب اقتصادية خاصة ما يتعلق بالبترول الليبي.
وأضاف لـ”المجتمع”: لجوء مصر للحل السياسي في ليبيا، أعتقد أنه جاء بناء على طلب المؤسسة العسكرية التي رفضت من قبل التورط في صدام مع تركيا، لافتاً إلى تجرية أذربيجان وأرمينيا الماثلة أمام الأعين والخوف من تكرارها في ليبيا، خاصة وأن الجانب التركي أرسل العديد من أسلحته الحديثة هناك، وربط أبو الخير هذه الخطوة من جانب مصر، مبيناً تحذير الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت سابق، المؤسسة العسكرية المصرية من مغبة التورط في حرب بليبيا.
أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي خالد الشريف، فرأى في هذا التحرك من جانب مصر محاولة لإعادة تموضعها مع التغييرات الدولية والإقليمية المنتظرة، بعد تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا، ودعم المجتمع الدولي للتسوية السياسية بين الفرقاء الليبيين، مشيراً إلى رغبة السلطة المصرية الاستفادة من استقرار الوضع بالغرب الليبي، ومزاحمة تركيا وعدم ترك الساحة لها كاملاً، وذلك باستضافة الفرقاء بالبرلمان الليبي في القاهرة، ودعوة وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، لتبدو أن القاهرة تقف على مسافة واحدة من الجميع، وذلك بعد تسليم القاهرة بفشل حفتر وخروجه من الساحة.
وأضاف لـ”المجتمع”: هناك أطراف دولية منها فرنسا تحاول التماهي مع الأوضاع الجديدة بتقديم النصائح لحفتر بالتخلي عن الخيار العسكري والتمسك بالتسوية السياسية، لكن الليبيين مصممون على خروج حفتر تماماً من المشهد السياسي، مؤكداً أن تقارب الجانب المصري مع حكومة الوفاق سيمهد الطريق حتماً لتفاهمات أكيدة مع الأتراك، الذين أصبحوا قوة واقعية في استقرار الأوضاع في ليبيا، وربما يمتد للملفات الخلافية بين مصر وتركيا في شرق المتوسط.