- نحن إخوة ثلاثة، مات أبونا في حياة والده، أي في حياة جدنا ثم مات الجد، فاقتسم أعمامنا تركة الجد كلها، ولم يعطونها منها شيئاً، قائلين: إن الابن إذا مات في حياة أبيه لا يستحق أولاده نصيبه من تركة الجد بعد وفاته، وأن هذا هو حكم الشرع.. وعلى هذا صرنا –نحن– من تركة جدنا محرومين من كل شيء، وأصبح على أمنا المسكينة أن تكد وتسعى لتنفق علينا حتى نكبر ونتعلم، فهل صحيح أن الشرع لا يحكم لنا بشيء من تركة جدنا، وأن عبء نفقتنا يقع على أمنا وحدها؟
– هذا من ناحية الميراث صحيح، وهو أن أولاد الابن لا يرثون جدهم ما دام الأبناء أنفسهم موجودين، ذلك لأن الميراث قائم على قواعد معينة، وهي أن الأقرب درجة يحجب الأبعد درجة، فهنا مات الأب وله أبناء وله أبناء أبناء، ففي هذه الحالة يرث الأبناء، أما أبناء الأبناء فلا يرثون؛ لأن الأبناء درجتهم أقرب فهي بدرجة واحدة، وأما أبناء الأبناء فقرابتهم بدرجتين، أو بواسطة، فعندئذ لا يرث أبناء الابن.
وهنا يعالج الشرع هذه المسألة بمطالبة الجد أن يوصي لهؤلاء الأحفاد بشيء، وهذه الوصية واجبة ومفروضة ولازمة عند بعض فقهاء السلف، فهم يرون أن فرضاً على الإنسان الوصية لبعض الأقارب ولبعض جهات الخير، وخصوصاً إذا كان هؤلاء الأقارب قريبين وليس لهم ميراث، فالشرط أن يكون الموصى له غير وارث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث”، ولما أنزل الله آية المواريث (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 180)، لم يعد من حق الوارث أن يوصى له، إنما يمكن الوصية لغير الوارث، مثل ابن الابن مع وجود الابن، هنا تكون الوصية واجبة، كما جاء في القرآن الكريم بظاهر قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)، وكلمة “كتب” تفيد الفرضية بل تأكيد الفرضية، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).. فهنا، كتب الله الوصية على من ترك خيراً أي مالاً يعتد به، لمن لا يرثون منه بالمعروف حقاً على المتقين، فمن هنا ذهب بعض السلف إلى فرضية هذه الوصية، وبعضهم قال: إنها سُنة ومستحبة وليست لازمة.
ونحن نختار المذهب الذي يأخذ بظاهر الآية بدلاً من القول بنسخ الآية، عليه كان واجباً على الجد أن يوصي لهؤلاء الأولاد، لأنهم أبناء ابنه، قرابة قريبة ولأنهم كما قالوا فقراء، ولأنهم يتامى، فقد اجتمع عليهم اليتم والفقر والحرمان، وقد كان على الجد أن يتدارك هذا أن يوصي لهم بشيء، في حدود الثلث.
وبعض البلاد العربية اتخذت من هذه الآية، ومن هذا المذهب الذي يقول بهذا مبدأ لقانون الأحوال الشخصية سموه “قانون الوصية الواجبة” مفاده بأن على الجد أن يوصي لأحفاده الذين لا يرثون بنصيب أبيهم بشرط ألا يزيد على الثلث.
هناك أمر آخر يتدارك الشرع به مثل هذا الموقف، وهو أنه كان على الأعمام حين اقتسموا تركة أبيهم أن يعطوا شيئاً من هذه التركة لأولاد أخيهم، وهذا ما نص عليه القرآن، حيث قال في سورة “النساء” التي ذكرت فيها المواريث: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) (النساء: 8)، إذ كيف يحضر هؤلاء القسمة والأموال توزع، وهم ينظرون ولا يعطون شيئاً؟ وقد قدم أولي القربى لأنهم أحق، فما بالك بأبناء الأخ اليتامى الذين كان أبوهم واحداً منهم.
ثم هناك أمر ثالث يتدارك به الشرع هذا الموقف وهو “قانون النفقات في الإسلام”.
إن الإسلام تميز عن سائر الشرائع بفرض النفقة على الموسر من أجل قريبه المعسر، وخاصة إذا كان من حق أحدهما أن يرث الآخر، كما هو المذهب الحنبلي، وكذلك إذا كان ذا رحم محرم كما هو المذهب الحنفي، وذلك مثل ابن الأخ، ففي هذه الحالة تكون النفقة واجبة، وتحكم بها المحكمة، إذا رفعت إليها قضية من هذا القبيل، أنه لا ينبغي للعم أن يكون ذا بسطة وثروة، وعنده بنات أخيه أو أبناء أخيه، وليس لديهم شيء ومع هذا يدعهم.
العدد (2001)، ص59 – 14 جمادى الآخرة 1433ه – 5/11/2012م