أوصى المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء، الذي نظمته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في العاصمة المصرية القاهرة، بضرورة دعم القضية الفلسطينية، واستمرار التعاون الدولي لتعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية، وتجديد الخطاب الديني لمواجهة التحديات المعاصرة.
وشدد المؤتمر، المنعقد تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع»، على الدور الحيوي الذي تؤديه الفتوى في بناء المجتمعات واستقرارها، وأهمية التمسك بالتعاليم الإسلامية السمحة في مواجهة التطرف والتعصب، داعياً إلى تبني إستراتيجيات مبتكرة لتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات والأديان، بما يسهم في بناء عالم أكثر سلامًا وتسامحًا واستقرارًا.
ودعا المؤتمر جميع الدول إلى تعزيز التعاون والتنسيق لدعم القضية الفلسطينية بكافة الوسائل الممكنة، سواء عبر الجهود الدبلوماسية في المحافل الدولية أو من خلال المساعدات الإنسانية والتنموية للشعب الفلسطيني، تأكيدًا على وحدة الصف والتضامن الإسلامي.
وناقش ممثلون من 104 دول، على مدار يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، سبل تطوير الفتوى الشرعية لمواجهة التحديات المعاصرة وبناء مجتمعات أكثر استقرارًا وتسامحًا، وتعزيز التعاون بين دور وهيئات الإفتاء العالمية، وإصدار الميثاق العالمي للقيادات الإفتائية وإعداد الموسوعة العلمية للتدين الصحيح.
وأكد الحضور أهمية الدور الذي تؤديه التعاليم الإسلامية السمحة في الارتقاء بالأفراد والمجتمعات البشرية، داعين المجتمع الدولي إلى احترام هذه التعاليم والعمل من خلالها على ضبط التسارع في الحركة العالمية وتنامي النزعة الفردية.
كما دعا المؤتمر المؤسسات الإفتائية الوطنية إلى مواصلة التجديد الفقهي والإفتائي، وتقديم خطاب فقهي يناسب العصر انطلاقًا من مقاصد الشريعة وغاياتها العليا، وضرورة التعاون بين المتخصصين في مجالات التقنية ووسائل التواصل الرقمية مع مؤسسات الإفتاء لتدشين بيئة آمنة عبر وسائل الاتصال، وتعزيز الترويج العالمي لسماحة الدين الإسلامي.
مشاركة واسعة
حظي المؤتمر بمشاركة عربية ودولية واسعة، وسط حضور لافت من العلماء والمفتين والوزراء من مختلف دول العالم، حيث حضر المؤتمر شخصيات دينية بارزة وأكاديمية متخصصة في الشؤون الدينية والفقهية، ومن أبرز المشاركين في المؤتمر د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف المصري، الذي ألقى كلمة نيابة عن رئيس الوزراء في البلد المستضيفة، كما حضر أ.د. محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، الذي ألقى كلمة الأزهر الشريف، ومن بين المشاركين أيضًا الشيخ محمد حسين، مفتي القدس، الذي ألقى كلمة عن مدينة القدس.
وشارك في المؤتمر د. قطب سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، والشيخ د. عبدالرحمن الزيد، رئيس المجمع الفقهي نائب الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، فيما تسلَّم الشيخ حسين كافازوفيتش، مفتي البوسنة، جائزة القرافي، تقديرًا لجهوده باعتباره إحدى الشخصيات الدينية المؤثرة.
ومن بين الشخصيات البارزة الأخرى التي شاركت في المؤتمر د. عمر الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بأبوظبي، ود. يوسف بلمهدي، وزير الشؤون الدينية الجزائري، والشيخ هشام بن يوسف، مفتي تونس، كما شارك د. إدريس الفاسي الفهري، نائب رئيس جامعة القرويين وخطيب جامع القرويين، ونهال سعد، مدير تحالف الحضارات بالأمم المتحدة.
وشهد المؤتمر أيضًا حضور شخصيات رسمية من دول مختلفة، مثل السفير مختار عمر، كبير مستشاري الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي بجنيف، ود. زهير الحارثي، الأمين العام لمركز كايسيد العالمي للحوار بلشبونة، كما شارك د. أبوبكر دكوري، مستشار الشؤون الدينية برئاسة بوركينا فاسو، ود. علي آل هاشم، مستشار رئيس دولة الإمارات، مما يعزز من مكانة المؤتمر كمنصة دولية مهمة لمناقشة قضايا الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم يزداد تسارعًا.
أهمية المؤتمر
يمثل المؤتمر فرصة إستراتيجية لتعزيز التعاون الدولي في مجالات الفتوى والإفتاء، واستهداف تحقيق الاستقرار الاجتماعي والروحي في عالم باتت تحكم فيه وسائل جديدة بفعل التحولات الرقمية المتسارعة، حيث يتيح تبادل الخبرات والمعارف بين دور الإفتاء الأعضاء من مختلف الدول، ويؤكد دورها الريادي في تقديم الفتاوى الشرعية التي تتسم بالعلمية والوسطية، ويعمل على بناء إستراتيجيات مشتركة لمكافحة التطرف من خلال وضع معايير وضوابط فعالة للإفتاء.
وقد شملت فعاليات المؤتمر مناقشات معمقة حول تأثير التحولات الرقمية على عمل الدور والهيئات الإفتائية، بالإضافة إلى إستراتيجيات لتعزيز التواصل والحوار مع غير المسلمين؛ مما يعزز الحوار الحضاري بين الأمم المختلفة، كما سعى المؤتمر إلى تعزيز الإدارة الحضارية للخلافات الفقهية وتطوير أدوات تدريب المبعوثين على مهارات الإفتاء بطرق علمية موحدة ومتطورة لتلبية احتياجات الجاليات المسلمة حول العالم.
وناقشت الأوراق المقدمة للمؤتمر البناء الأخلاقي في الإسلام ودور الفتوى في تعزيزه، وصناعة ميثاق أخلاقي إفتائي للتطورات في العلوم التجريبية والطبيعية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي، كما تناولت جلسات المؤتمر «الفتوى والواقع العالمي.. الأفكار والمبادئ»، و«الفتوى ومواجهة عقبات وتحديات البناء الأخلاقي لعالم متسارع»، وكذلك «الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في العلوم الشرعية»، و«رصد وتحليل حول إشكاليات المحتوى الديني والإفتائي في المنصات الرقمية وأدوات الذكاء الاصطناعي».
وتبنى المؤتمر عدداً من المبادرات والمشروعات المهمة من بينها إصدار الميثاق العالمي للقيادات الإفتائية والدينية في صُنع السلام ومكافحة خطاب الكراهية وحل النزاعات، والإعلان عن أدلة إرشادية باللغات المختلفة في مجالات عدة، والموسوعة العلمية للتدين الصحيح والتدين المغشوش، إضافة إلى استعراض نتائج المؤشر العالمي للفتوى، ومركز سلام لدراسات التطرف ومواجهة «الإسلاموفوبيا» وأهم مخرجاته.